في ضوء التحول الجيوسياسي الجديد لإعادة اصطفاف الشرق الأوسط الواسع، والاتصال والزيارات الأخيرة للعديد من الدول العربية، وخاصة الإمارات والسعودية، مع حكومة دمشق من أجل إعادة تعويم الرئيس السوري بشار الأسد إقليميا، بهدف إرساء الاستقرار في المنطقة، والحد من نفوذ القوى المزعزعة لأمن المنطقة، والمتمثلة في إيران وأذرعها، يعود الحديث مجددا حول فُرص التواصل والسلام بين دمشق وتل أبيب، خاصة وأن هذا الأمر ليس بجديد فقد أجرى الطرفان حوارات مفتوحة وجادة بهدف تحقيق سلام شامل كان آخرها في عام 2008.

في النصف الأول من العام الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي ، بيني غانتس، السابق، إن على بشار الأسد أن يقطع العلاقات مع إيران إذا كان يريد أن يكون جزءا من المنطقة، ومن ثم في أيلول/سبتمبر 2022، أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في تقرير إلى أن اتصالا مباشرا بين الجيش الإسرائيلي وحكومة دمشق قد حصل مؤخرا، بعثت من خلاله تل أبيب رسائل طمأنة للأسد، بعدم استهداف قواته، وفي الوقت ذاته بعثت رسائل تحذير للضغط على إيران.

بالنظر إلى ما سبق وفي ظل التقارب العربي مع الحكومة السورية ولا سيما بعد زيارة الأسد للإمارات تبرز تساؤلات حول احتمالية أن تقوم الإمارات بدور وسيط جديد بين دمشق وتل أبيب، وأهداف كل طرف من هذا التقارب الإسرائيلي السوري، وإذا ما كانت الإمارات قادرة على حماية أجواء سوريا من الغارات الإسرائيلية المتكررة، وموقف إيران من ذلك إذا حدث هذا بالفعل.

احتمال وارد؟

تحليل لموقع “الإندبندنت“، يقول إن الإمارات تحضر كوسيط بعد مبادرتها في تحقيق سلام مع إسرائيل ضمن الصفقات “الإبراهيمية”، وأيضا تبادلها الزيارات الرفيعة مع دمشق بعد سنوات من العزل الإقليمي لحكومة دمشق، أعطاها ذلك دورا يجعلها الأكثر قربا عربيا من سلطة بشار الأسد، والأنشط في تعزيز وصول إسرائيل في المنطقة.

هذا الأمر كان حاضرا على مستوى التصريحات الرسمية عندما أشار الأسبق نفتالي بينيت، العام الماضي بعد قمة “شرم الشيخ” التي استضافتها مصر وجمعته بالشيخ محمد بن زايد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن الإمارات “تقوم بدور أكثر أهمية في استراتيجية إسرائيل الإقليمية”. مضيفا في حديثه عن المساعي العربية إلى إعادة سوريا لـ”جامعة الدول العربية”، “نخشى أن يؤثر ذلك على حرية إسرائيل في العمل على المدى القصير”، إلا أنه استدرك بالقول “لكن الجهات الفاعلة، الإمارات بالتحديد، ترى أن لديها الإمكانية لأداء دور وساطة بين إسرائيل وسوريا في المستقبل”.

الباحث في مركز “تريندز للبحوث والاستشارات” والمتخصص في الشأن الخليجي، محمد خلفان الصوافي، يرى أن دولة الإمارات تركز في دبلوماسيتها الحالية على محورين في التعامل مع الأزمات والقضايا الدولية.

المحور الأول، وفق وجهة نظر الصوافي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، هو التركيز على الحوار والتفاوض السياسي باعتباره الأسلوب الأمثل لإيجاد حل لكل الخلافات بما فيها تلك التي تُعتبر معقّدة مثل الخلاف الإسرائيلي العربي. ويعتقد الصوافي أنه لن تكون سوريا بعيدة عن هذا النوع من التفكير في إيجاد تفاهم إذا طُلب من الإمارات القيام بهذا الدور من الطرفين السوري والإسرائيلي.

قد يهمك: رحلة أسماء الأسد إلى الإمارات.. القوة الناعمة لإتمام خطوة التطبيع؟ – الحل نت 

أي أن هذا الأمر الذي طُرح في السابق على طاولة المباحثات بين قادة دول المنطقة سيعود مجددا إلى الواجهة، ولا سيما وأن استراتيجية دول الخليج اليوم تسعى نحو تأمين الاستقرار للمنطقة، ويبدو ذلك جليا، من خلال التقارب السعودي الإيراني من جهة والتقارب العربي مع دمشق من جهة أخرى.

كذلك، ثمة أمر آخر مهم في هذا الإطار، وهو أن مسألة تسوية ما بين دمشق وتل أبيب، تأتي ضمن التكتيك الإسرائيلي في محاولة منه فرض واقع جديد في المنطقة بتوسيع دائرة السلام، وبالتالي باعتبار أن دول الخليج، ولا سيما دولة مثل الإمارات، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة السورية، وهي في الوقت نفسه بوابة هذا السلام الجديد، فيمكن اعتبار أن هذا الجزء والتكتيك يمكن أن تستخدمه إسرائيل في إعادة إحياء مفاوضات السلام المتعثرة منذ عام 1997.

بالنظر إلى أن دمشق باتت اليوم أضعف ما يمكن وصفه، وعلى عدة مستويات، عسكرية واقتصادية وسياسية، فإن استهدافات تل أبيب لها باتت عميقة وتكاليفها باهظة ويبدو أن الأسد يريد اليوم حماية أراضيه من هذه الضربات، من ضمنها المواقع الحساسة؛ مطاري “دمشق وحلب” وموانئ اللاذقية، وطرطوس، وبالتالي فإن الأسد بحاجة إلى تسوية ما مع تل أبيب، ولكن هذا رهن انفكاكه عن إيران وروسيا أيضا.

شرط إبعاد طهران

بعض المراقبين يرون أن شرط تقارب إسرائيل مع دمشق هو تخلي الأسد عن إيران، ولكن التخلص من هذه التبعية ليس بالأمر السهل، فثمة تشابكات معقدة وأكبر من الأسد نفسه، بين “إيران والنظام السوري”. وطهران لها تأثير كبير داخل المجتمع السوري، خاصة الموالين لبشار الأسد، والجيش السوري والمؤسسة الأمنية السورية، ولذلك ليس من السهل التخلي عن إيران.

الإمارات إذا سعت للتقارب بين دمشق وتل أبيب فهو للضغط على الأسد للانفكاك عن طهران ويبدو أنها بمثابة فرصة أخيرة له، لأنه إذا لم يحدث ذلك فالضربات الإسرائيلية لن تتوقف على السماء السورية، فتحرك ميليشيات طهران على الأراضي السورية وتمددها لن يسكت إسرائيل أمامه.

بالعودة إلى الصوافي، فيقول إن المحور الثاني الذي تركز عليه دولة الإمارات في الوقت الراهن، هو إعادة سوريا إلى مكانها الطبيعي لتقوم بدورها الإقليمي والدولي بشكل كامل. وسوريا المقصودة الدولة والشعب وبالتالي لن تكتمل هذه العودة السورية إلى وضعها الطبيعي إلا بإيجاد حل الأزمات السياسية ومنها التنافس الإقليمي والدولي في سوريا وهذا الأمر بالتأكيد غير غائب عن الإمارات.

لكن قبل ذلك مطلوب من الحكومة السورية أن تساعد في إبعاد ما يدعو الآخرين إلى القلق على أمنها واستقرارها.  وفي نهاية المطاف فإن دولة الإمارات لن تتأخر بتقديم مساعدتها لصالح أمن واستقرار المنطقة أو أي دولة عربية إذا طُلب منها ذلك فهذا هو نهجها الدبلوماسي، وفق تقدير الصوافي.

صحيفة “يسرائيل هيوم”، قالت في العام الماضي، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، السابق، جمّد مبادرة إقليمية كانت مطروحة من قبل رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، تقضي بإعادة سوريا إلى مقعدها في “جامعة الدول العربية”. وذكرت الصحيفة، أن نتنياهو منذ 2019 شرع في تمرير هذه المبادرة المزعومة المبنية على فكرة قبول المجتمع الدولي “بانتصار حكومة الأسد في الحرب”، مقابل إبرام اتفاق معه على سحب القوات الإيرانية من بلده.

استراتيجية إسرائيل

بحسب مؤسسة “راند” للدراسات، فإن تل أبيب تبني موقفها من سوريا بناءً على خمس حاجات؛ تقليل النفوذ الإيراني والروسي في سوريا، ومنع نقل الأسلحة المتطورة إلى “حزب الله” اللبناني والموالي لطهران، ومنع سوريا من تشكيل تهديد عسكري جاد أو السماح لإيران بالقيام بذلك، وتعميق سيطرتها على مرتفعات الجولان، ومنع الجماعات الإرهابية المسلحة من إقامة بنية تحتية على طول الحدود مع إسرائيل.

الإمارات سوريا

السعي إلى تحقيق هذه الحاجات كلّف إسرائيل القيام بعمليات عابرة للحدود، واشتبكت مع عناصر لـ “حزب الله” بشكل مباشر وروسيا بشكل غير مباشر، وهو ما كان يمكن أن يسفر عن مواجهة من نوع ما، واضطرت في فترة من الفترات لتقديم دعم سرّي لحركات الثورة المسلحة ذات العقيدة المتطرفة والمعادية لإسرائيل، وفق ما يقوله التحليل.

“راند” أردف أن لدى إسرائيل مصالح أمنية جوهرية ذات أولوية ولا تبدو الطريقة التي تعمل بها الآن قادرة على تحقيقها بشكل جذري، على رغم من امتلاكها المبادرة والتنفيذ الناجح لكل تلك العمليات. وبالتالي لا تستحسن الدراسة استمرار تلك العمليات على رغم نجاحها التكتيكي لأنها قد تتسبب في “خسارة بعض المكتسبات بالنظر إلى نتائج العقد الماضي، إذ أسهم تركيز الأطراف السورية على بعضها بعضا بالصراع في خروج إسرائيل من دائرة العداء المباشر، مما جعلها الأكثر فائدة من الأزمة”، مستعرضة تخوف الإسرائيليين من زوال هذا المكتسب إذا ما استمرت الدولة العبرية في الاشتراك العسكري في الحرب.

هذا وتصاعدت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، خاصة مع ظهور استراتيجية إسرائيلية جديدة، وهي التركيز على قصف النقاط الحيوية والمهمة؛ مثل المطارات في دمشق وحلب والموانئ البحرية على الساحل السوري، بهدف منع إيران من استخدام هذه المطارات، والأماكن لنقل شحنات الأسلحة لميليشياتها.

على اعتبار أن الاستهداف الإسرائيلي للداخل السوري مهم لتحييد أي تأسيس لتهديد مستقبلي، تبرز أهمية وجود وسيط يملك علاقة موثوقة بالطرفين يساهم في عقد صفقة من نوع ما تعالج مخاوف الطرفين ولو جزئيا، وهو ما يغيب عن الساحة عكس كل الحوارات السورية الإسرائيلية على مر التاريخ. في حين تحاول الإمارات التي نالت أسبقية تطبيع العلاقة مع الطرفين استغلال ذلك لتكون ذاك الوسيط، وليس من الواضح حتى الآن مدى قدرتها على تأدية مهمة من هذا النوع.

فقد تكسب أبوظبي الجولة إعلاميا، إلا أنه على أرض الواقع لا تستطيع فعل شيء كما يرى مراقبون. فروسيا الحامي لسوريا لم تستطع سياسيا أو عبر دفاعاتها الجوية منع إسرائيل من استهداف الأراضي السورية باستمرار. ومن ثم فإن استمرارية المواجهة الإسرائيلية الإيرانية في سوريا، ستستمر، ذلك لأن جوهر هذا التواصل بين تل أبيب ودمشق مبني على إحجام النفوذ الإيراني.

من هنا يمكن القول بأن دمشق في وضع حرج ومربك، إذ تترنح بين ضغوط دول الخليج من جهة، وهيمنة إيران وروسيا من جهة أخرى، وهذه الورطة التي هي بها اليوم لم تأتِ من عبث، بل هي تراكمات لسياساتها القمعية وعقليتها الشمولية، وبالتالي فإن مسلسل المواجهة بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية لن تنتهِ بهذه السهولة إلا إذا قُدمت تنازلات كبرى ومن قِبل جميع الأطراف وهذا أمر صعب للغاية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.