رغم الأوضاع المزرية التي يعيشها اليمن، ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول القرن الإفريقي خلال الأشهر الماضية، حيث يُعد اليمن وجهة لهم، لا سيما القادمين من إثيوبيا والصومال، إذ يسعى الكثير منهم إلى الانتقال في رحلة صعبة إلى دول الخليج، خصوصا السعودية التي تربطها حدود برية طويلة مع اليمن، وذلك من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية.

“المنظمة الدولية للهجرة” أظهرت في تقرير نشرته في آب/أغسطس الفائت، ارتفاعا ملحوظا في عدد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من إفريقيا إلى اليمن.

مكتب المنظمة التابعة للأمم المتحدة في اليمن، أفاد في تقريره، لتتبع حالات تحرك المهاجرين إن ” 34437 مهاجرا وصلوا إلى اليمن خلال الفترة ما بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو2022، مقابل 11555 مهاجرا بلغوا الشواطئ اليمنية خلال الفترة نفسها من العام 2021″.

3171 مهاجرا إفريقيا وصلوا إلى اليمن في تموز/يوليو، بحسب المنظمة، وهو عدد أقل من الشهر السابق الذي سجل وصول 3174 مهاجرا، وذكر التقرير أيضا “93 بالمئة من هؤلاء المهاجرين قدموا من إثيوبيا، بينما البقية من الصومال”.

على الرغم من استمرار الصراع الدامي في اليمن، يبقى البلد نقطة عبور للمهاجرين الأفارقة الذين يقصدون السعودية بحثا عن حياة أفضل، بحسب المنظمة.

استغلال واضطهاد

جرائم وانتهاكات ميليشيا “الحوثي” لا تقتصر على تجنيد الأطفال وزجهم في المعارك التي تخوضها، بل تتعدى ذلك إلى تجنيد واستغلال المهاجرين الأفارقة ضمن صفوفها أيضا، بحسب حديث المحلل السياسي اليمني والمدير التنفيذي لمنظمة “اليمن أولا”، عبد الكريم الآنسي، لـ”الحل نت”.

أسباب توجه ميليشيا “الحوثي” لتجنيد الأفارقة وجعلهم وقودا لحروبها العبثية، يُرجعها الآنسي، لتعويض خسائرها البشرية، حيث دفعت بالعشرات منهم في معاركها، ما تسبب بمقتل وجرح عددا منهم.

ميليشيا “الحوثي” تعتبر الجاليات الإفريقية في صنعاء، وفق الآنسي، مصدرا مهما لرفد جبهات القتال التي تتعرض فيها لخسائر بشرية مستمرة وخاصة بعد عزوف أبناء القبائل عن الالتحاق بهم، حيث تستخدم مليشيات “الحوثي” طريقتين لاستقطاب المهاجرين الأفارقة للقتال ضمن صفوفها، الأولى تتمثل في الترغيب من خلال تقديم وعود بالحصول على المال، فيما الأخرى تتم عبر الاعتقال باستخدام القوة.

قد يهمك: إجراءات يمنية جديدة للتعامل مع الحوثيين.. ما المتوقع منها؟

مليشيات “الحوثي” تُخضع المجندين لدورات تعبئة نفسية، يتم خلالها تقديم وعود بالحصول على مزايا مالية لا حصر لها، قبل إدخالهم في دورة قتالية تمتد لأسابيع، ويتعرض الرافضين لخيارات “الحوثيين” لمصير قاتم يصل حدّ الموت؛ إذ إن المليشيات المدعومة إيرانيا لا تتسامح مع من يعبّر عن رفضه للانتهاكات والجرائم التي ترتكبها، بحسب الآنسي.

الآنسي استشهد بما حدث قبل أشهر من عمليات حرق متعمدة لمحلات وخيم مهاجرين أفارقة في منطقة الرقو الحدودية بمحافظة صعدة مما أسفر عن وفاة 17 شخصا وإصابة، كان ذلك بمثابة عقوبة فجّة ترتقي إلى ارتكاب جرائم حرب، بعدما رفضوا القبول بعروض التجنيد ضمن صفوف المليشيات، أو دفع مبالغ مالية لتجنب ذلك.

حادثة حرق مئات الأفارقة في أحد مراكز الاحتجاز بصنعاء قبل حوالي عام من الآن ليست بعيدة أيضا بحسب الآنسي، بعدما رفضوا التجنيد في صفوف الميليشيا.

 كشفت تقارير حقوقية، محلية ودولية، عن احتجاز جماعة “الحوثي” في صنعاء لمئات الأفارقة وطلبت دفع 2000 دولار أميركي على كل شخص، أو الذهاب إلى الجبهة لقتال القوات الحكومية، ولفتت إلى أن “المئات لم يتمكنوا من دفع تلك المبالغ وفضّلوا الذهاب إلى المعركة تجنبا للاحتجاز، لكن ذلك الخيار لم يكن مفضلا، بعدما سجلت الأيام الماضية مقتل العشرات منهم”.

تنديد حكومي

وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، أكد خلال تصريح سابق له، على استمرار ميليشيا “الحوثي” بتجنيدها للمهاجرين واللاجئين الأفارقة والزج بهم في محارق موت مفتوحة بمختلف جبهات القتال، واعتبر ذلك “جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وانتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية”.

ميليشيا “الحوثي”، تعمد إلى استدراج وتجنيد اللاجئين والمهاجرين الأفارقة بالترغيب والترهيب، لتعويض خسائرها المتصاعدة جراء مغامرتها العسكرية، بحسب الإرياني، حيث يشير إلى فشل حملات الحشد والتعبئة التي تنظمها ميليشيا “الحوثي” نتيجة عزوف أبناء القبائل عن الالتحاق في صفوفها.

الإرياني طالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة “الهجرة الدولية” بإدانة تجنيد ميليشيا “الحوثي” للمهاجرين واللاجئين الأفارقة واستخدامهم في أعمال قتالية، كما طالب بملاحقة المسؤولين من قيادات الميليشيا وتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية باعتبارهم مجرمي حرب، وفق تعبيره.

عودة طوعية

“المنظمة الدولية للهجرة” أفادت أمس الثلاثاء في بيان مقتضب على صفحتها بموقع “تويتر”، “بوجود حوالي 200 ألف مهاجر بحاجة إلى المساعدة الإنسانية في اليمن، وأن هناك قرابة 43,000 مهاجر تقطعت بهم السبل ويعيشون في ظروف مزرية غير قادرين على مواصلة رحلاتهم أو العودة إلى ديارهم”.

في وقت سابق، ذكرت المنظمة الأممية أنها تمكنت خلال العام الجاري 2022 من إعادة أكثر من 3 آلاف مهاجر إثيوبي من اليمن إلى ديارهم وذلك وفق برنامج العودة الطوعية، وقالت إنها “قدّمت المساعدة لحوالي 3,700 مهاجر إثيوبي للعودة طواعية وبأمان إلى ديارهم في عام 2022 “.

اقرأ أيضا: استهداف “الحوثي” للمنشآت النفطية.. العودة لأجواء الحرب في اليمن؟

المنظمة تنفذ هذه الرحلات الإنسانية للمهاجرين الأفارقة الراغبين بالعودة إلى ديارهم انطلاقا من عدن وصنعاء ومأرب بتمويل من مركز “الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية” ومكتب “السكان واللاجئين والهجرة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية.

خلال العام الجاري، أعلنت “منظمة الهجرة الدولية” دخول عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة الى الأراضي اليمنية، ومؤخرا، أعلنت عن مقتل أكثر من 500 مهاجر في البلاد خلال سنوات الحرب التي أشعلتها ميليشيا “الحوثي” المدعومة من إيران.

إقرار “حوثي”

مليشيات “الحوثي” تعترف بتجنيد الأفارقة ضمن صفوفها من خلال مواكب التشييع التي تنظمها لقتلاها، لكن عدد المجندين الملتحقين في صفوفها لم يُعرف تحديدا؛ إذ تحيط المليشيات المدعومة من إيران أعدادهم بجدار من السرية، خشية التبعات الحقوقية والقانونية، بحسب موقع “العين” الإخبارية.

مليشيات الحوثي تنشر بين حين وآخر، صورا لأشخاص لقوا حتفهم في معارك القتال الدائرة في البلاد، بأسماء إفريقية مضاف إليها شعار الحركة الإرهابية والكنيات التي تُطلقها على عناصرها القتلى.

الحكومة اليمنية، كانت قد نددت قبل أشهر بجرائم مليشيات “الحوثي” بحق الأفارقة، ورفضت جريمة إجبارهم على القتال ضمن صفوفها لتعويض خسائرها البشرية، كما يعلن الجيش اليمني باستمرار عن قتل أفارقة يقاتلون ضمن صفوف مليشيات “الحوثي”، فضلا عن أسر أعداد آخرين يحملون الجنسيات الصومالية والإثيوبية.

يتواجد في اليمن نحو مليوني مهاجر إفريقي يشكل الإثيوبيون والصوماليون غالبيتهم، كما يتواجد 171 ألف لاجئ منهم في صنعاء بحسب تقديرات هيئات تابعة للأمم المتحدة.

بين حق اللجوء المكفول قانونا لكل المواطنين بحسب مواثيق الأمم المتحدة وجحيم حرب تمزق أجساد المهاجرين الأفارقة، تبقى آمالهم معلقة بمساحة آمنة للجوء من دون إجبارهم على القتال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.