عبر تبنيها وبشكل صريح دعم ميليشيات مسلحة في عدد من البلاد العربية تحت شعار زائف هو “المقاومة”، لا تزال إيران تصر على حقن المنطقة بمزيد من عوامل التوتر والاحتقان، كما هو الحاصل في لبنان وسوريا والعراق واليمن، حيث تستغل طهران هذه الميليشيات لتنفيذ مخططاتها التوسعية، وإبقاء المنطقة العربية في حالة من الفوضى العارمة التي يسهل معها دسّ أنفها في شؤونها، ونسف استقرارها، وسلامها الداخلي.

إيران دأبت بسياستها التحريضية على استغلال شعار “المقاومة” الزائف للسيطرة على أذرعها في المنطقة وكسب ولائهم، بحيث تلعب على وتر الطائفية لغسل أدمغتهم بطرق شبيهة تماما لما فعله تنظيم “داعش” الإرهابي في استغلال منتسبيه تحت كذبة “إقامة الخلافة” لضمان ولائهم، إلا أنه سرعان ما تخلى عنهم قبل انهيار كيانه في سوريا والعراق، ليتركهم بين أسير وجريح وقتيل تحت ضربات طيران “التحالف الدولي”.

طهران تروج لمشروعها الزائف هذا على أنه من أشكال المعارضة للنفوذ الأجنبي أو الاحتلال، إلا أنه ذريعة للعنف وإغراق عقول وكلائها في المنطقة لا أكثر، والذين تعتبرهم أذرع لها فقط تحركهم حيثما تشاء، وطبقا للاتفاقيات السياسية تلجم أصواتهم، ولعل إغلاق قنوات “الحوثي” في لبنان بعد الاتفاق السعودي الإيراني الأخير خير دليل على ذلك.

صفعة لـ”جماعة الحوثي”

مليشيا “الحوثي” الانقلابية المدعومة من إيران تلقت السبت الفائت، صدمة كبيرة أربكت قيادتها في صنعاء، إذ باشرت السلطات اللبنانية في العاصمة بيروت بإغلاق قنوات “الحوثيين”، بعد سريان اتفاق السعودية وإيران، حيث طلبت السلطات اللبنانية من القائمين على القنوات الفضائية التابعة للميليشيا آنفة الذكر بإغلاق مكاتبهم، وأعطت مهلة زمنية لذلك، وقد شارفت على الانتهاء.

قناة “الساحات الحوثية” استكملت إغلاق مكتبها بشكل نهائي وذلك مع مغادرة آخر العاملين من طاقمها الإداري والإعلامي في اليوم ذاته، كما بدأت قناة “المسيرة” التي تعتبر الناطق الإعلامي الرسمي باسم “الحوثيين”، تقليص موظفيها في لبنان، إذ لم يتبق سوى عدد بسيط من العاملين بها، متوقعة أن يتم إغلاق مكتب القناة بشكل نهائي خلال المهلة المحددة والمتبقي لها نحو أسبوع، بحسب تصريح للقناة ذاتها.

قد يهمك: التقارب السعودي الإيراني.. المستفيد والخاسر في الجانب الاقتصادي؟

كانت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، قد طالبت بعد مرور أسبوع من الاتفاق الموقع بين المملكة العربية السعودية وإيران في بكين، السلطات اللبنانية، بإغلاق قنوات المليشيات “الحوثية” الفضائية في بيروت، حيث ظلت على مدى السنوات الماضية تطالب الحكومة اللبنانية، بإغلاق بث القناتين، معتبرة أن استضافتهما تخالف القوانين الدولية وميثاق جامعة الدول العربية.

الاتفاق السعودي الإيراني، سيكون له انعكاساته على النفوذ الإيراني عبر وكلاء إيران في المنطقة، وبدون شك سيكون له أثره على الأذرع الإعلامية التي يقودها هؤلاء الحلفاء، وبالتالي يمكن القول بأن هذا الاتفاق بمراحله القادمة في بكين، سيفتح ملف أدوات إيران الإعلامية في الخارج والموجهة للدول الخليجية وخاصة السعودية.

محمد نبيل البنداري لـ”الحل نت”.

الباحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، يعتبر التفاهم المصري التركي مؤخرا نموذجا في هذا الاتجاه، حيث اتفقت الدولتان على إغلاق القنوات المعارضة الموجهة ضد القاهرة في إسطنبول، وذلك كاتفاق أولي يبنى عليه ما هو قادم، ومن ثم فإن التفاهم السعودي الإيراني يمكن أن يكون مشابه للاتفاق التركي المصري في هذه النقطة، وفق تعبيره.

ما هي العلاقة بين إيران وعملائها في المنطقة؟

العلاقات بين إيران وأذرعها في المنطقة، تعتبر علاقة براجماتية، من وجهة نظر البنداري، وذلك لتحقيق مصالح طهران في الخارج وهذا له انعكاسات قوية على حضورها وزيادة نفوذها الإقليمي، وهو ما استطاعت إيران تحقيقه عقب التدهور الأمني والاقتصادي الذي عاشته الدول العربية بعد الربيع العربي عام 2011.

أذرع إيران الإقليمية تندرج ضمن قوتها الخشنة غير المباشرة، التي تتدخّل في الدول الأخرى وفق توجيهات المرشد الأعلى، إذ يعتبرون بمثابة حجر الشطرنج حيث يتم تحجيمهم في أي وقت بحسب ما تقتضيه مصلحة إيران السياسية، ولا تتوفّر معلومات دقيقة ومؤكّدة عن حجمهم وحجم تمويلهم، في حين يلحظ ذلك في مناطق تأثيرهم ونشاطهم، أي في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، إذ يحظون بدعم ماليّ كبير جدا يتيح لهم بناء مؤسّسات عسكرية ومالية واجتماعية وخدمية مستقلة عن الدولة.

اقرأ أيضا: السعودية وإيران تنهيان عقودًا من العداء.. إلى أين تتجه علاقات القاهرة وطهران؟

 فيما يتعلق برد عملاء إيران في المنطقة على الاتفاق السعودي الإيراني الأخير، يقول البنداري، إنه “بدون شك ستمتثل أذرع إيران في للإرادة السياسية في طهران ولتوجهاتها السياسية بعد التقارب مع السعودية، وبطبيعة الحال هم منفذون للسياسات الإيرانية وليسوا في محل الاختيار”، ويؤكد المتحدث على أن عملاء إيران هم مجرد أدوات فقط تحركهم حسب أهوائها ورغباتها.

البنداري يرى بأن الملف اليمني هو أبرز ما يهم المملكة العربية السعودية من استئناف العلاقات مع إيران مؤخرا، وبطبيعة الحال ستطلب الرياض من طهران وقف دعمها الفوري لـ”الحوثيين” والانطلاق نحو مفاوضات سياسية تشمل جميع الأطراف السياسية في اليمن تحت إشراف أممي، من جانب آخر يستبعد البنداري تخلي إيران عن وكلاءها بشكل تام في المنطقة، عقب اتفاقها الأخير مع السعودية، ولكن ربما تعقد إيران صفقة مع الرياض، بأن توقف دعمهم ونشاطهم مقابل إعادة إدماج جزء منهم في أي عملية سياسية تحدث داخل مناطق نفوذها في الدول العربية.

رأي إيران في مفهوم “المقاومة” في المنطقة؟

الحكومة الإيرانية تنظر إلى “محور المقاومة والممانعة” على أنه محور شيعي ضد الدول العربية المؤيدة للولايات المتحدة وإسرائيل وذلك انطلاقا من الأراضي العربية، حيث أن هناك مفهوما لدى إيران بأن طريق القدس يمر من بغداد ثم دمشق ومن ثم بيروت إلى القدس، وبالتالي يعتبر هذا المبدأ راسخ في العقيدة السياسية لقادة إيران ووكلائها في المنطقة حيث يعملون بدعم مالي وعسكري من إيران لتنفيذه.

بالتالي فإن كل ذلك يدل على ازدواجية معايير إيران وأذرعها في المنطقة، لأن طهران تستعمل شعار “محور المقاومة” الرنان لكسب تعاطف الشعوب العربية معها والذي بدوره ينعكس على نفوذها في المنطقة، ولكن على الجانب الاخر تعمل على تصدير الثورة الإسلامية إلى المنطقة والتي انطلقت عام 1978 في طهران، وتعمل أيضا على نشر التشييع وخلق دولة موازية داخل الدول العربية والتي يوجد بها نفوذ إيراني مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا.

المخطّط الإيراني التوسّعي تجاه المنطقة العربية يواجه جملة من التحدّيات، التي فرضتها التطورات الدولية والإقليمية والسياسات الإيرانية العدائية تجاه شعوب المنطقة، إذ تهدّد هذه التحديات مستقبل إيران في الإقليم، بما قد ينهي سيطرتها على العواصم العربية الأربع التي تبجّحت بالسيطرة عليها.

 أو على الأقل قد يُنهي سيطرتها على بعضها، لا سيما العراق الذي يمثل الامتداد الأهم والأخطر في الحسابات الإيرانية، نتيجة حجم أذرعها وحاضنتها الشعبية فيه، وبحكم التواصل الجغرافي البرّي الذي يسهّل الإمداد والتواصل وبسرعة. ونظرا إلى أهميته المعنوية والنفسية على اعتباره أولى النجاحات الإيرانية في المنطقة العربية، وأخيرا لوجود مرجعية دينية تاريخية تنافس المرجعية الإيرانية في الأوساط الشيعية.

قوة إيران الناعمة، تبدو منهكةً ومتضعضعةً في الآونة الأخيرة، رغم تنامي حجم الإنفاق الإيراني عليها، كما في إنفاقها على مؤسسات إعلامية ناطقة باسمها باللغة العربية. يمثّل تنامي العداء الشعبي لإيران، حتى في أوساط حاضنتها الشعبية التقليدية؛ الطائفية، أحد مظاهر ضعف قوتها الناعمة.

 إذ لم تحقّق السيطرة الإيرانية على المستوى الإقليمي أي فائدةٍ لشعوب المنطقة بما فيهم المكون الشيعي منهم، بل على العكس أدّت السيطرة الإيرانية، من ناحية أولى، إلى تصدّع المجتمعات وإحداث نزاعات طائفية طويلة لا تنتهي، أنهكت جميع شرائح المجتمع وفئاته، ماديا وبشريا ومعنويا، كما ساهمت في تدمير البنى الاقتصادية الوطنية والبنى الخدمية، فضلا عن بنى المنظومة التعليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة