صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، قالت يوم الأحد الفائت بأن مسؤولين إيرانيين أبلغوا سوريا بأنه يتعين عليها الآن دفع المزيد مقابل شحنات النفط الإضافية، مع اقتراب ذروة الطلب في فصل الشتاء، مما سيزيد السعر إلى مثلي سعر السوق الذي يصل إلى أكثر من 70 دولارا للبرميل.

 الصحيفة نقلت عن أشخاص مطّلعين على الأمر قولهم إن إيران رفضت أيضا تسليم شحنات جديدة بالدفع المؤجل وطلبت من سوريا الدفع مقدما مقابل إمدادات النفط الجديدة، حيث تعاني سوريا، وفقا لما نقلته الصحيفة عن محللين، من أسوأ حالات نقص إمدادات الطاقة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 10 سنوات.

في حين أن القسم الأكبر من احتياجات النفط السوري تلبيها إيران، فإن هذا الطلب المفاجئ يطرح تساؤلات حول الدوافع الإيرانية، وإذا ما كان هناك خلافات بين إيران وسوريا، وهل يجبر الواقع الجديد الأسد للتوجه نحو دول الخليج وخاصة الإمارات.

واقع اقتصادي إيراني سيء

إيران تعرضت لضربة جديدة للحد من نفوذها في الشرق الأوسط، وهذه المرة من اقتصادها المتعثر الذي لم يعد قادرا على إمداد حلفائها بالنفط الرخيص، مثل سوريا، حيث استخدمت إيران النقد والنفط الرخيص لتوسيع نفوذها في سوريا، بحسب الصحيفة الأميركية.

ناقلة نفط إيرانية في سوريا

في إيران، يعيش ثلث السكان في حالة فقر، في ظل العقوبات الدولية المفروضة على طهران والتضخم الاقتصادي الذي بلغ 50 بالمئة، فضلا عن الاضطرابات الشعبية التي انطلقت منتصف نوفمبر الماضي، بعد مقتل الشابة مهسا أميني أثناء اعتقالها لدى “شرطة الآداب” الإيرانية.

حميد حسيني، المتحدث باسم اتحاد مصدري النفط والغاز والبتروكيماويات في طهران، قال في تصريحات صحفية، “نحن أنفسنا الآن تحت الضغط. لا يوجد سبب للبيع لسوريا بأسعار منخفضة”.

أيضا في الوقت الذي كان حجم النفط الذي أرسلته طهران إلى دمشق في الربع الأخير من عام 2022 مماثلا للعام السابق، فقد رفضت زيادة المعروض لتلبية الطلب المتزايد في سوريا، وقالت مصادر “وول ستريت جورنال” إن خط الائتمان الذي سمح لسوريا في السابق بالدفع لاحقا، سرعان ما استنفد بعد أن رفعت إيران السعر من معدل 30 دولارا للبرميل، ما دفع إيران إلى فرض رسوم على حليفها مقدما.

الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، عدنان زماني، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن القرار الإيراني المذكور ومطالبة إيران لسوريا بالدفع وفق التسعيرة الجديدة جاء تحت وقع الضغوط الداخلية في الشارع الإيراني، فطهران باتت تواجه أزمة غير مسبوقة في الشهور الأخيرة وتحاول ربما سد جانب من حاجتها للنقد الأجنبي عبر هذا الطلب، كما أنها قد تسعى من وراء ذلك إلى تهدئة الشارع المحتج الذي يتهمها بالتفريط في موارد البلاد لصالح حكومة دمشق دون عائد اقتصادي على إيران.

إقرأ: مؤتمر “بغداد 2” في عمّان.. مشاركة إيرانية مفرغة المضمون؟

زماني أضاف، أنه ليس لطهران حصة كبيرة في الاقتصاد السوري ومعروف أن القطاع الاقتصادي في سوريا موزع بين روسيا وتركيا، وينحصر الدور الإيراني هناك على الجانب الأمني والعسكري، وقد أثبتت ذلك تصريحات نواب في البرلمان الإيراني الذين انتقدوا الإنفاق الكبير لبلادهم على الأوضاع في سوريا دون أن يكون لها نفع كبير من الناحية الاقتصادية.

خلافات إيرانية سورية؟

بحسب مصادر الصحيفة الأميركية، فإن القرارات الإيرانية زادت من تضرر الاقتصاد السوري الذي يعتمد على إيران في أكثر من نصف احتياجاته النفطية، والنتيجة أن سوريا تعاني أسوأ نقص في الوقود منذ العام 2011.

من جهة ثانية، تشير العديد من المعطيات على الأرض إلى وجود بعض الخلافات بين طهران ودمشق، خاصة بعد التقدم الذي جرى خلال الفترة الماضية في مسار عملية التطبيع بين تركيا وسوريا، ما تعتبره إيران خسارة لها وتكريس للدور التركي.

زماني أشار إلى أنه ليس هناك أدلة مؤكدة تثبت وجود خلافات بين طهران ودمشق، لكن ذلك ليس مستبعدا لاسيما في ظل التطورات الجديدة والحديث عن رغبة روسيا وتركيا وسوريا للعمل بشكل ثلاثي للتّوصل إلى حلّ للخلافات بين أنقرة ودمشق دون اعتبار لموقف إيران ورأيها، فهذا الأمر قد يغيظ الجانب الإيراني ويجعله متخوفا من الخطوات القادمة في المشهد السوري في وقت تمرّ فيه إيران بأضعف مراحلها السياسية داخليا وخارجيا.

هل يتجه الأسد لدول الخليج؟

يوم السبت الماضي، التقى الرئيس السوري، بشار الأسد، في دمشق بوزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، حيث تعهّد الأخير بالحفاظ على علاقات قوية بين بلاده وسوريا.

لكن على الرغم من التصريحات السياسية لعبد اللهيان، فإن شحنة النفط الإيرانية التالية والتي من المفترض أن يتم إرسالها إلى سوريا لن تصل قبل شهر آذار/مارس المقبل، فيما كانت الشحنة الأخيرة وصلت منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهذا ما سيخلق فجوة كبيرة في سوريا بالنسبة للمحروقات وهو ما سيساهم في مضاعفة معاناة السوريين.

لقاء الأسد وعبدالله بن زايد

فمع توقع استمرار العقوبات على مبيعات إيران النفطية بعد تعثر محادثات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 العام الماضي، تخفّض إيران بشدة نفطها لمعظم العملاء.

من جانب آخر، استقبل الأسد، في مطلع الشهر الحالي، وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، عبدالله بن زايد، في دمشق في أحدث بادرة على تحسّن العلاقات بين الأسد ودولة عربية، حيث تناول الاجتماع التطورات في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.

زيارة بن زايد الثانية لدمشق في الظروف الحالية قد تشكل فرصة للحكومة السورية لإيجاد بدائل، فحسب “وول ستريت جورنال”، مع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، ومحاولة إيران تحقيق الاستقرار في اقتصادها، يبدو أن لدى الأسد مساحة أقل للمناورة، وقد يبحث في النهاية عن المساعدة من بعض جيرانه، بما في ذلك خصوم إيران، الولايات المتحدة والإمارات والسعودية.

في هذا السياق، يرى زماني، أنه من الواضح أن حكومة دمشق تبحث عن مُنقِذ لها يخرجها من أزمتها الاقتصادية الطاحنة، وهي تدرك جيدا أن إيران ليس لديها ما تقدمه على الصعيد الاقتصادي، كما ترى حكومة دمشق  حليفتها الكبرى روسيا غارقة في أزمة أوكرانيا وقد لا تستطيع أن تقدم لها العون والمساعدة الاقتصادية، فلهذا تفضل دمشق اللجوء إلى دول الخليج وعلى رأسها الإمارات، كما أنها مستعدة لتقديم تنازلات لأنقرة للتوصل إلى اتفاق معها يساعد في تخفيف عن أزمتها الاقتصادية.

أزمة في المحروقات تتفاقم يوما بعد يوم في سوريا، ترافقها أزمة اقتصادية كبيرة لم تعد تنفع معها أساليب الحكومة السورية في محاولة تخدير السوريين من خلال تصريحات لا تعدو عن كونها وعود غير قابلة للتحقق، وذلك في ظل انخفاض الدعم المُقدَّم لدمشق من حلفائها الرئيسيين روسيا وإيران، وهو ما قد يدفعها للتوجه نحو الخليج العربي والسعودية الذين لديهم شروطهم التي تثقل كاهل حكومة دمشق التي تعمل على المساومة في محاولة لعدم تقديم أي تنازلات لحل الأزمة.

إقرأ أيضا:نهج الترابط الثلاثي.. تركيا تتقرب من دمشق بدعم روسي وإيراني؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة