العديد من الدول الإقليمية في الشرق الأوسط، ضاعفت جهودها مؤخرا لإعادة علاقاتها مع دمشق المعزولة دوليا منذ سنوات، وأبرز هذه الدول هي الإمارات وتركيا، التي تمهّد للقاء محتمل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد.

بين الرغبة التركية والرفض الأميركي لأي تطبيع مع دمشق، تسعى تركيا كذلك إلى كسب الدعم الروسي والإيراني لفتح قنوات بين أنقرة ودمشق، فهل تكون الجهود التركية مدعومة من قِبل موسكو وطهران سببا في إعادة تأهيل بشار الأسد إقليميا ودوليا، وهل يحدث اللقاء المرتقب بين أردوغان والأسد.

تركيا تبحث عن دعم روسي إيراني

الجهود التركية بدأت مؤخرا في محادثات مع روسيا، وذلك لعقد قمة ثلاثية بين موسكو وأنقرة ودمشق، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أسابيع أنه تلقى “ردا إيجابيا” من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذه المبادرة.

لكن يبدو أن إيران، لم تبدِ بعد دعمها للتقارب التركي مع دمشق، إذ ترى طهران أن التقارب التركي مع دمشق، قد يهدد مصالحها في سوريا، لذلك لم تعلن دعمها عن أية مبادرة حتى الآن على الرغم من إبداء الرغبة المشتركة لأنقرة ودمشق.

في محاولة لدمج إيران في عملية التقارب، هناك مساعي من دمشق لإقناع طهران في دعم نهج الترابط التركي الروسي، يمكن قراءة ذلك من دعوة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إيران على ضرورة الانخراط في أي مبادرة سياسية لمكافحة الإرهاب والوصول إلى حل سياسي في سوريا.

وكالة “تسنيم” الإخبارية، نقلت مضمون اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير اللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد، حيث أكد الجانبان على ضرورة تعزيز العلاقات بين مسؤولي الحكومتين ودعم المبادرات السياسية.

لقاء بين أردوغان والأسد؟

العديد من المؤشرات أصبحت واضحة على زيادة التقارب بين أنقرة ودمشق، خاصة بعد لقاء وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو الأسبوع الماضي، وهو أول اجتماع على المستوى الوزاري منذ 2011. ومن المتوقع أن يجتمع وزيرا الخارجية هذا الشهر.

 كذلك ألمح أردوغان إلى استعداده للقاء الأسد، في إطار التقارب وعودة العلاقات مع دمشق، وهو الذي كان من أشد منتقدي الرئيس السوري على مدار السنوات الـ 12 الماضية، منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بسام الأحمد، لم يستبعد حدوث اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، لكنه أشار كذلك إلى أن التقارب بين أنقرة ودمشق ليس هدفه إعادة تأهيل الأسد إقليميا أو دوليا، خاصة في ظل الرفض الأميركي.

الأحمد قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “لا أعتقد أن التقارب مع دمشق، هدفه إعادة تأهيل الأسد، الجانب التركي لديه أولويات تتعلق بقضية اللاجئين السوريين والقضية التركية، وهذه هي محددات التقارب مع دمشق.

قد يهمك: زيارة أوروبية إلى المغرب.. حل للأزمات أم وصول إلى نقطة “اللاعودة“؟

في المقابل، فإن لقاء أردوغان والأسد وإن حصل، سيكون فرصة مواتية لدمشق للتسويق بأن هناك قبول إقليمي للرئيس السوري، وذلك بغض النظر عن الأهداف التركية من هذا اللقاء، لكن هذا القبول سيصطدم بالتأكيد بالرفض الأميركي.

ردة فعل أميركية

بالتالي ستكون تبعات اللقاء التركي السوري، متمحورة حول ردة الفعل الأميركية، التي ستدفع بالتأكيد حلفائها في الشرق الأوسط إلى العمل على رفض أي مبادرة من شأنها إعادة تأهيل الأسد، بدون تحقيق شرط القبول بحل سياسي شامل في سوريا.

حول ذلك أضاف الأحمد، “تركيا تعتمد على تصدير أزماتها للخارج، لديها أزمات اقتصادية وانتخابات حساسة فضلا عن قضية اللاجئين، وهذا جانب من جوانب المصلحة التركية في عودة العلاقات مع دمشق“.

عن الموقف الإيراني، أوضح الأحمد أن “موقف إيران ضعيف نسبيا في القبول أو الموافقة على المبادرات فيما يتعلق بالملف السوري“، لكنه أشار أيضا إلى أنه “لا يمكن تمرير شيء في سوريا، إلا على الأقل بوجود رضا إيراني، وبالطبع موافقة روسية كاملة“.

فيما يخص تطور عملية إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، لفت الأحمد إلى أنه “ورغم الجهود من قبل أطراف عدة في هذا الملف، غير أنه يوجد فيتو أميركي لتعطيل هذه الجهود، بالتالي إي خطوات لإعادة التطبيع مع بشار الأسد ستواجه برفض أميركي حاد“.

الأحمد ختم حديثه كذلك بالإشارة إلى انعكاسات تطورات الملف على المنطقة بالقول، “هناك ردة فعل أميركية بالتأكيد، وهذا التطور أوضح حقيقة الموقف التركي وأسقط كافة الأقنعة، لذلك يجب كذلك على السوريين العمل من أجل مصلحتهم في بناء دولة تجمعهم، بصرف النظر عن مصالح الدول الأخرى“.

منذ أسابيع تسعى أنقرة لترتيب لقاء ثلاثي يجمع أردوغان مع الأسد في موسكو بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقت تتركز فيه الشروط التركية لعقد هذه القمة بحسب محللين، على نقطتين أساسيتين، وهما “ورقة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، إذ تحاول أنقرة منذ سقوط مدينة حلب بيد القوات السورية، منع قيام كيان كردي في سوريا“.

أما النقطة الثانية فتتمحور حول الوجود السوري في تركيا، إذ تشكل هذه النقطة ورقة ضغط داخلية في تركيا.

حتى الآن لا يبدو واضحا كيف ستواجه تركيا الرفض الأميركي لأي محاولات تطبيع مع دمشق، لا سيما وأن التصريحات الأخيرة لواشنطن، هي تعبير وتأكيد على موقف الإدارة الأميركية من محاولات التطبيع مع دمشق، فهل ستأخذ أنقرة هذه التحذيرات على محمل الجِد، وبالتالي عدم الذهاب بعيدا في العلاقات مع الحكومة السورية.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال في تصريحات نقلها موقع “فرانس 24″ قبل أيام، إن بلاده لا تدعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تُعرب عن دعمها “لإعادة الاعتبار لبشار الأسد“، واصفا الأخير بـ“الديكتاتور الوحش” حسب تعبيره.

برايس دعا جميع الدول إلى دراسة سجل حقوق الإنسان “المروع” لحكومة دمشق وقواتها، خاصة على مدى السنوات الـ 12 الماضية، مشيرا إلى أن “القوات السورية تواصل ارتكاب الفظائع وتمنع وصول مساعدات إنسانية منقِذة للحياة إلى محتاجيها في المناطق الخارجة عن سيطرتها“.

الولايات المتحدة الأميركية تشترط لإعادة الانفتاح على دمشق والسماح بإعادة الإعمار، التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وفق قرار الأمم المتحدة 2254، وهو القرار الذي واجه العديد من العراقيل خلال السنوات الماضية.

من الممكن أن تكون القمة الثلاثية التي تسعى أنقرة ورائها، سببا في الخروج في آلية جديدة بعيدا عن قرارات الأمم المتحدة السابقة للتوصل إلى حل سياسي في سوريا.

من المؤكد أن الدعم الروسي والإيراني التي تبحث عنه تركيا للتطبيع مع دمشق، سيصطدم بالرفض الأميركي، في حين أن بعض المحللين يرون أن هناك احتمالية تغيير الموقف الأميركي، وذلك بناء على مخرجات القمة المحتملة، ويتوقف ذلك على قدرة تركيا في إقناع الجانبين الروسي والسوري بآلية جديدة للحل السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.