مع ارتفاع وتيرة الصراع بين المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وروسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى، توجهت بعض الدول العربية لتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، فيما يبدو انحرافا بالاتجاه لبعض الدول العربية من الغرب نحو الشرق، الذي يروج لإسقاط النظام العالمي القائم منذ عقود، دون طرح جدي لمنظومة سياسية حقيقة.

توجه الدول العربية نحو محور روسيا والصين الذي استغل عددا من الدول الفقيرة في جميع أنحاء العالم بشتى الوسائل، وصفه محللون بأنه “خطوة متهورة”، خاصة وأن ملامح الصراع ما زالت تصب لصالح المحور الغربي الذي ما زال يمتلك زمام الأمور حول العالم، لذلك فإن المراهنة على صعود محور روسيا والصين سيكون بمثابة انتحار سياسي لبعض الدول العربية.

في نيسان/أبريل من عام 2021، أظهر تصويت الدول العربية في “الجمعية العامة للأمم المتحدة” حول قضية تعليق عضوية روسيا بمجلس حقوق الإنسان الأممي، مزاجا متعاطفا إلى حد ما مع موسكو، فقد امتنعت 12 دولة عربية عن التصويت، ذلك ما وصفه محللون بأنه أقرب إلى رفض القرار، بينما ليبيا وجزر القمر هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان صوّتتا لصالح القرار.

المراهنة على سقوط النظام العالمي؟

هذا التوجه العربي نحو روسيا والصين، يعني بشكل أو بآخر يعني أن هذه الدول تراهن كذلك على نجاح روسيا والصين في إسقاط النظام العالمي، الأمر الذي لا يوجد له أي مؤشر على نجاحه حتى الآن، ما يعني أن هذه الدول ستكون في طليعة الدول الخاسرة في حال فشلت موسكو وبكين في ما تسعى إليه عبَر شنّ عمليات غزو عسكرية والتهديد تارة بالأسلحة النووية وتحدي النظام العالمي وإغراق الدول الفقيرة بالديون من أجل السيطرة عليها، فهل يكون رهان الدول العربية خاسرا على موسكو وبكين.

بالتأكيد فإن العلاقات الصينية العربية على سبيل المثال ليست بجديدة، لكنها كانت تتمتع بطابع تجاري واقتصادي فيما مضى، لكن الأعوام القليلة الماضية شهدت انفتاحا من بعض الدول العربية، لا سيما المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي توجهت لتعزيز علاقاتها مع كلّ من روسيا والصين حتى مع عدم تحقيق هذه العلاقات لمحاور إيجابية بالنسبة للخليج.

الجزائر كذلك كانت من بين الدول التي عززت علاقاتها مع روسيا مؤخرا، ورغم أنها سعت في مرحلة ما إلى إيصال رسالة للعالم تؤكد من خلالها الحياد والتعاون مع جميع الأطراف الدولية، إلا أنها أفسحت المجال أمام موسكو، وجعلت من نفسها بوابةً للروس من أجل التوسع في إفريقيا.

أما المملكة العربية السعودية، فقد غازلت روسيا في مناسبات عدة، لا سيما عندما قرر الغرب محاربة روسيا اقتصاديا، فكانت القرارات المتعلقة بإنتاج النفط دائما ما تصب في مصلحة روسيا، في وقت أكدت فيه المملكة أن قراراتها نابعة من مصالحها الاقتصادية والوطنية، إلا أن ذلك تسبب في تحفّظات أميركية ملحوظة.

أبرز أسباب التوجه

الصحفي والباحث في العلاقات الدولية عامر المالكي، أوضح أن بعض الدول العربية لم تعد ترى في المعسكر الغربي الصديق الدائم والحليف المستمر، لا سيما بعد تراجع اهتمام واشنطن بقضايا الشرق الأوسط، فضلا عن ظهور مصالح مشتركة بين الدول العربية وكلّ من روسيا والصين، لكنه أشار إلى أن الرهان على نجاح موسكو وبكين على إسقاط أو إضعاف النظام العالمي القائم حاليا هو ضرب من الخيال، بالتالي فإن الدول العربية ستكون خاسرة وستدفع فاتورة باهظة في المستقبل.

المالكي قال في حديث مع “الحل نت”، “منذ منتصف العام الماضي، بدأ تحرّك فعلي من الدول العربية باتجاه المعسكر الشرقي، شجّع كلّ من روسيا والصين على التوجه نحو حكومات العرب وتقديم عروض تعزيز العلاقات، تتضمن احترام خصوصيات الدول، حتى ولو ارتقت إلى ارتكاب هذه الدول لانتهاكات متعلقة بحقوق الإنسان”.

روسيا والصين كانت تغض الطرف عن أي شأن داخلي في هذه الدول وتهتم بالعلاقات الخارجية والمصالح المشتركة فقط، وهذا ما أُعجب به بعض الدول العربية وشجّعها على التوجه نحو الشرق.

كانت أبرز الدول المعجبة بالعروض الشرقية، دول الخليج وتونس والجزائر، وبعد الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة من ملفات الشرق الأوسط، يبدو أن دول الخليج باتت تشعر بالخطر، لذلك بدأت بالبحث السريع عن حلفاء جدد، وقد رأينا المملكة العربية السعودية تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع إيران أملا باحتواء المخاطر الإيرانية، رغم أن السعودية كانت من أشد المطالبين بمواجهة مشاريع إيران في الشرق الأوسط، وكانت تُجاري أميركا في هذا الملف.

قد يهمك: ضياع “حزب الله” وخيارته.. مصير مأساوي للبنان بعد مكاسب الحزب السياسية

ظن البعض أن النموذج العالمي الحاكم والقطبية الأميركية ربما تتبدد لكثير من الأسباب، وحاولوا أن يكتسبوا مكان عند الشرق بشكل مسبق أو على الأقل أن يلعبوا اللعبة التركية بكونها على كل الحبال وتتحرك بين القوى العالمية ذهابا وإيابا، لكن جميع المؤشرات الدولية تؤكد أن المحور الغربي لا يزال ممسكا بزمام الأمور الدولية، حتى إن روسيا التي تقود ما يسمى بـ”محور الشرق” أصبحت معزولة دوليا بفعل العقوبات الغربية، إثر غزو قواتها للأراضي الأوكرانية.

الرهان الخاسر

حول ذلك زاد المالكي قائلا، “من العجيب أن تتوقع هذه الدول سقوط النموذج الغربي أو انهياره بهذا الشكل، لأن الغرب وإن كان يمر بمرحلة ضعف فإنه ما زال القوة المسيطرة عالميا، وعلينا التفريق بين الملفات، فما يعانيه الغرب هو ضعف اقتصادي بشكل ما وضعف اجتماعي في بعض الدول الغربية ولكن تظل القوى الغربية هي المسيطرة وأساطيل الولايات المتحدة المنتشرة في العالم قادرة على تحويل أي صراع لصراع عسكري وحسمه فورا  حتى ولو كان اقتصادي”.

برأي المالكي، لا يمكن الاعتماد على قوى بأنها ستكون المسيطرة إلا إذا كان هناك قوة عسكرية تحمي هذه المصالح وروسيا والصين ليس لديهم هذه الأسلحة النوعية والتكتيكية للحفاظ على مصالحهم وتأمينها، نعم هي قوى كبيرة ولكنها الآن أقصى ما يمكن فعله هو أن تراوغ الهيمنة الغربية أو تدّعي تهديدها ولكن لا أن تصبح بديلا عنها ليس فقط لأن الغرب ليس ضعيفا كفاية الآن ولكن أيضا لأن القوى الشرقية لم تقدم النموذج الأمثل.

بالتالي فإن الدول العربية ستخسر في حال راهنت بشكل أو بآخر على نجاح “المعسكر الشرقي”، ووقفت بصفّه دون إبقاء قناة للرجوع إلى الوراء، خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية وفق رؤية المالكي “لن تقبل بسياسة ساعة معي وساعة ضدي”، متوقعا أن تعود العلاقات الشرق أوسطية الأميركية، لكن أيضا على المحور الغربي أن يحل بعض الثغرات التي نشأت في العلاقات مع دول الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية لإرضاء مصالح الدول العربية.

العرب راهنوا من قبل على الاتحاد السوفياتي وفشلوا، وبحسب محللين فإن الرهان على محور يحكمه رجل لجأ إلى المرتزقة لتوسيع نفوذه حول العالم، ويهدد مرارا باستخدام الأسلحة النووية وتدمير العالم مصيره الخسارة بالتأكيد.

كذلك فإن على بعض حكومات الدول العربية، الأخذ بعين الاعتبار أن النظام العالمي يأخذ سنوات طويلة لكي يتشكل، هذا فضلا عن أن الولايات المتحدة الأميركية اتخذت العديد من الإجراءات مؤخرا، لمجابهة تمدد النفوذ الصيني، فأخذت تجمع حلفاءها في الشرق والغرب، وقامت بعدة إجراءات من شأنها دعم النظام الدولي القائم.

روسيا والصين استغلت بعض الثغرات في العلاقات العربية الغربية إن صح التعبير، لاجتياح الشرق الأوسط من بوابات عدة أبرزها البوابة الاقتصادية وبوابة المخاوف الأمنية، وهذا مبرر كافي ربما للدول العربية التي تهتم لمصالحها بالتأكيد، لكن استمرار بعض الدول في المراهنة على نجاح محور الصين وروسيا الذي لم يقدم سوى نماذج من الاستبداد والدكتاتورية سيجعلها تخسر الكثير، خاصة في ظل أن  النظام الدولي لا يزال قائما رغم ضعفه في بعض المجالات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة