في معظم الدول العربية، هناك فكرة نمطية لكل من يمارس حقه في الطعام والشراب أثناء ساعات النهار خلال شهر رمضان، حيث أن معظم المسلمين يكونون في ساعات الصيام، لذلك فإن المجتمعات في هذه الدول تنظر بازدراء لكل من يأكل أو يشرب خلال النهار حتى ولو كان من غير المسلمين.

 إذا أن الامتناع عن الأكل والشرب خلال هذه الأوقات هو شكل من أشكال “احترام مشاعر المسلمين” بحسب منظور هذه المجتمعات، لذلك قد ترى غير الصائمين يتجنبون الأكل والشرب في الأماكن العامة، تجنبا لنظرات الصائمين، وأحيانا خوفا من الملاحقة الأمنية، إذ تفرض بعض الدول العربية عقوبات لمن يمارس الطعام والشراب علنا في رمضان.

مجموعة “مفطرين رمضان”

في سوريا، وتزامنا مع بدء شهر رمضان هذا العام، أنشأ مجموعة من الشباب الذي لا يصومون في رمضان مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحت اسم “مفطرين رمضان”، هدفها كسر الصورة النمطية السائدة،  وللمطالبة بحقهم في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي خلال رمضان بدون التعرض لعقوبات مجتمعية أو نظرات ازدراء من قبل بعض الصائمين.

قد يهمك:  “وأخيرا” بنهاية صادمة.. قصي خولي ونادين نجيم يودعان الجماهير في منتصف رمضان

فكرة المجموعة تقوم على نشر أعضائها لصورهم وهم يتناولون الطعام خلال نهار رمضان في سوريا ومختلف البلدان العربية، لتسليط الضوء على مخاوفهم خلال هذا الشهر، وإنشاء فضاء آمن للناس الذين لا يرغبون في الصيام في رمضان، إلا أن نشر هذه الصور اعتبره البعض محاولة للاستخفاف بمشاعر المسلمين وإهانة لواحدة من أهم الشعائر الإسلامية وهي “صيام رمضان”.

أعضاء المجموعة تعرضوا لحملة هجوم واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّرت فئة واسعة من رواد التواصل الاجتماعي، عن غضبها من تصرفات أعضاء المجموعة عبر “المجاهرة بالإفطار”، معتبرين هذه التصرفات “إهانة للدين الإسلامي”.

أنور خشان قال في تعليق على صور المجموعة، “انك تفطر أو تصوم برمضان هاد أمر بيرجع لك أنت حر، بس انو نشوف جروب ع الفيس لشباب وبنات عم يتسابقوا ليظهروا فجارتهم ويجاكروا الناس قصدا بانهم عم يفطروا بنص الشارع بأماكن عامة، ويشربو مشروب وبشكل فيه استفزاز فهاد امر غير مقبول مطلقا”.

كراهية وتحريض على العنف؟

كذلك تعرض أعضاء المجموعة لحملة من التحريض على العنف، حيث طالب بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في حلب، الأفرع الأمنية التحرك واعتقال هؤلاء الشباب و”الضرب بيد من حديد”، كما عبّر البعض عن استغرابهم من تجاهل قوى الأمن للممارسات التي تجري داخل المجموعة الإلكترونية.

صفحة “شبكة أخبار حي الزهراء في حلب”، طالبت الجهات الأمنية بالتحرك لاعتقال القائمين على المجموعة، وسط تأييد جماهيري واسع على هذا المطلب، وذلك عبر تجاهل السلطة القضائية، إذ اعتبر البعض أن القضاء لن يتحرك بشكل جدي في هذه القضية.

الصفحة قالت في منشورها، “تم رفع دعاوى من قبل المحامين الشرفاء في سوريا على الاشخاص الذين يسخرون من الدين و من أركان الإسلام ، غروب مفطرين رمضان، إلى محامين حلب الشرفاء لا تعذبو حالكم القضاء لن يستجيب لنا ولكم ، نريد قبضة امنية، قبضة من حديد ، برسم فرع امن الدولة، برسم فرع امن العسكري ، برسم فرع امن الجنائي، برسم فرع امن السياسي”.

هذا الهجوم الواسع الذي بدأ منذ إنشاء المجموعة، يبدو أنه تسبب بخوف أعضائها، فأصبحوا يشاركون بأسماء وهمية، كذلك ينشرون الصور بدون إظهار وجههم، وذلك خوفا من التهديدات التي انتشرت عبر الإنترنت.

سخرية أم حرية؟

أعضاء المجموعة أكدوا أن هدفهم ليس السخرية من الشعائر الإسلامية، لكنهم يسعون لكسر الصورة النمطية في رمضان، وجعل مشهد إنسان يمارس حقه في الطعام والشراب خلال هذا الشهر هو أمر طبيعي.

أحمد أبو سمير (اسم مستعار لأحد أعضاء المجموعة)، أكد أن المجموعة عامة، حيث أن فكرة المجموعة كانت لتسليط الضوء على من لا يصومون خلال رمضان، مشيرا إلى أن هدفها تشجيع غير الصائمين في كل مكان على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي دون الخوف من المجتمع.

أبو سمير قال في اتصال هاتفي مع “الحل نت، “لا نهدف إلى السخرية من أحد، للجميع الحق في ممارسة شعائره الدينية الخاصة، لكن من غير المعقول أن أتقيد بشعائر الآخرين، وأشعر بالخوف إذا رآني أحد وأن أتناول وجبة طعام أو أدخن سيجارة، كان لا بد من الإعلان بشكل صريح أننا موجودون، ولا يجب النظر إلينا باحتقار لأننا لا نصوم، يجب أن تكون الحرية للجميع، ولا يجب اعتبار تناولي لوجبة طعام خلال النهار إهانة لأحد”.

مجموعة “مفطرين رمضان” احتلت مكانة بارزة في النقاشات داخل مدينة حلب، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في مختلف البلدان، بين من اعتبر وجود هذه المجموعة “إهانة للدين الإسلامي”، وبين من طالب بتجاهل هذه التصرفات واعتبارها غير موجودة، وبين من طالب بمحاسبة أعضاء المجموعة وسجنهم.

الرفض المجتمعي لفكرة المجموعة، وصل إلى حد التقدم بإخبار للنيابة العامة في سوريا ضد مجموعة “مفطرين رمضان”، واتهامها بـ”الإساءة للأديان”، وقد نشر المحامي غالب محملجي صورة للبلاغ الذي تقدم به، وجاءت الدعوة ضد أعضاء المجموعة وجميع المشاركين فيها بالنشر والتعليق الإعجاب.

محملجي طالب النيابة العامة في حلب، إحالة الإخبار إلى قسم الجرائم المعلوماتية في فرع الأمن الجنائي لإجراء التحقيقات اللازمة وإلقاء القبض على الفاعلين، وتحريك الدعوى العامة بحقهم، مشيرا  إلى أن الاتهامات التي وجهها للمدعى عليهم تعتبر من الجرائم المعاقب عليها في القانون رقم 20 لعام 2022، الخاص بجرائم المعلوماتية وقانون العقوبات.

محملجي قال كذلك عبر صفحته الشخصية في “فيسبوك”، “تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللهِ فأولئك هم الظالمون، بعد التوكل على الله تم تحريك الإدعاء ضد صفحة، #مفطرين_رمضان التي تقوم بالإساءة إلى الأديان بشكل عام و إلى الدين الإسلامي بشكل خاص و التعرض إلى حرمة شهر رمضان المبارك، والتجرؤ على الذات الإلهية و تحريف آيات القرآن الكريم و الاستهزاء بها ونشر الفتنة بين أبناء المجتمع”.

تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول العربية لا تسمح لمواطنيها بممارسة حقهم في الطعام والشراب خلال النهار في شهر رمضان، حتى أولئك الذين لا يرغبون في الصيام خلال أيام الشهر.

في الكويت تفرض الحكومة غرامة 100 دينار وحبس شهر كامل، وفي الإمارات حددت الغرامة بحوالي 2000 درهم إماراتي وحبس شهر على ذمة التحقيق، أما في قطر فقد حددت الدولة غرامة أعلى بالنسبة الدولتين السابقتين وهو 3000 ريال قطري وحبس 3 أشهر كاملة.

أما في المملكة العربية السعودية فيعد هذه الشهر من أهم الأشهر في السنة وتطبق الدولة قوانين صارمة على مواطنيها والأجانب أيضا حيث أن الإفطار علنا قد يكلف المفطر عقوبة بالسجن والجلد، أما بالنسبة للأجانب فمصيره الترحيل الفوري عن أراضي المملكة.

حتى الآن لم تعلّق الجهات الرسمية الحكومية في سوريا على الحادثة، في وقت يؤكد فيه القائمون على المجموعة على مواصلتهم العمل، لإبعاد نظرات الازدراء المجتمعية عنهم، لمجرد ممارسة ما يعتبرونه “حقوقهم الطبيعية” عبر الأكل والشرب وممارسة حياتهم الطبيعية في رمضان، كما غيره من أشهر السنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3.7 3 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات