في وقت سابق عندما شنّت فصائل المقاومة الفلسطينية هجوما على إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية، قام “حزب الله” اللبناني الموالي لطهران، باعتقال مجموعة من المنتمين لهذه الفصائل المقاومة بهدف تهدئة التوترات وعدم الدخول في صدامات مع الجانب الإسرائيلي أو أن يكون هدفا في مرمى الأخير. وهذا إن دل على شيء فهو أن الحزب ليس جبهة مقاومة أو قوة ردع كما يزعم دائما إنما مجرد لاعب سياسي براغماتي بغض النظر عن دعايته المؤدلجة بخصوص إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

هذا التصرف الذي قام به “حزب الله” يكشف زيفه إدعاءاته التي تخالف ممارساته السياسية الانتهازية أحيانا، بل ويكشف عن وجهه الحقيقي المرن الذي لا يظهر في خطابات زعيمه حسن الله وهي الخطابات التعبوية المفخخة التي يتوجه بها لحواضنه بهدف تهييج مشاعرها الطائفية. بالتالي هذا يثير مخاوف من تكرار هذا التصرف إزاء التصعيد الأخير على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، حيث أُطلق 34 صاروخا من محيط مدينة صور اللبنانية باتجاه بلدات في الشمال الإسرائيلي، بعد ظهر يوم الخميس الماضي في تصعيد هو الأكبر من نوعه منذ عام 2006.

الجيش اللبناني أعلن العثور على منصات صواريخ وعدد من الصواريخ المعدّة للإطلاق في محيط بلدتتي زبقين والقليلة، وفي ظل عدم صدور أي رواية رسمية من أي جهة لبنانية أو فلسطينية تتبنى عملية إطلاق الصواريخ من لبنان، نقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر أمنية لبنانية قولها إن الفصائل الفلسطينية المتمركزة في لبنان، وليس جماعة “حزب الله” المسلحة، تقف وراء الهجمات الصاروخية.

من هنا تثار تساؤلات أخرى حول شكل التصعيد وكيف سيكون الوضع الأمني والسياسي والإقلمي في الأيام المقبلة، وكذا التوقعات إزاء ذلك التوتر الجديد، وما إذا كان سيتحول إلى حرب دامية مثل التي جرت في عام 2006 في لبنان.

إدعاء المقاومة في لبنان

يوم الخميس الماضي، أُطلقت عدة صواريخ من لبنان على شمال إسرائيل، وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه تم رصد إطلاق قذيفة صاروخية من لبنان اتجاه إسرائيل وتم اعتراضها بنجاح من قبل الدفاعات الجوية.

في حين قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنه على ما يبدو تم إطلاق نحو 30 صاروخا خلال الساعة الماضية باتجاه إسرائيل والقبة الحديدية اعترضت 15 منها، ووقع 3 إصابات جراء القصف. وكان الجيش قد فعل صفارات الإنذار للتحذير من إطلاق محتمل في شمال إسرائيل على حدود لبنان.

ردا على ذلك، شنّت مقاتلات إسرائيلية، في وقت متأخر من يوم الخميس، سلسلة غارات على أهداف في قطاع غزة حسب مصادر فلسطينية وإسرائيلية، على أثر إطلاق وابل من الصواريخ من لبنان في هجومٍ نسبته إسرائيل إلى ناشطين فلسطينيين.

كذلك، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في وقت مبكّر من صباح يوم أمس الجمعة، إن الجيش قصف أهدافا في جنوب لبنان، وأطلقت الطائرات الإسرائيلية 6 صواريخ مستهدفة مواقع تابعة لحركة “حماس” في مناطق بمحيط مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صور جنوبي لبنان.

البيان أردف أن الغارات جاءت ردا على الانتهاكات الأمنية لحركة “حماس” خلال الأيام الماضية، محمّلا “حماس” مسؤوليّة كل النشاطات “الإرهابية” من قطاع غزة.

الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عامر السبايلة، يقول إنه طالما لم تتبن أي جهة حتى الآن إطلاق الصواريخ بتجاه إسرائيل، فإن فكرة الصواريخ مجهولة الهوية تعد التكتيك الأمثل لعدم تقدير الوضع الإسرائيلي ولكن في لحظة معينة يعتقد السبايلة لموقع “الحل نت” أن هذا التكتيك سيفقد من قيمته، ذلك لأن تل أبيب في النهاية ستحاول إرسال رسالة واضحة باستهدافاتها الراهنة.

المتحدث الدولي باسم الجيش الإسرائيلي، ريتشارد هيشت، قام بتغيير طفيف في الرواية التي ألقي فيها اللوم على حركة “حماس” في إطلاق الصواريخ من لبنان، قائلا إن المسؤول عن الإطلاق إما “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” الفلسطيني، لكنه أكد أن الهجوم جاء من منظمة فلسطينية، وليس من “حزب الله” الموالي لإيران.

في أعقاب ذلك، بدأت اتصالات دولية لمنع التدهور إلى حرب شاملة. وحرص “حزب الله” على بث رسائل يقول فيها إنه لا يقف وراء هذا القصف، وإن جهات مجهولة ربما فلسطينية في لبنان تولت هذا الإطلاق للتعبير عن غضبها من الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى.

بالاستناد إلى نفي “حزب الله” الهجوم اليوم، واعتقاله السابق لأشخاص في الفصائل الفلسطينية في حادثة مشابهة بالسابق، فمن المرجح التصدي للتصعيد من داخل لبنان وتوقيف العناصر المتورطة أو الحد من نشاطهم بشكل أو بآخر، ذلك لأن كل المعطيات والآراء تصب في مساعي الحزب بالتوجه نحو تأمين وضعه السياسي والحصول على استحقاقات أكبر لملء نفوذ واسع بلبنان، وذلك ضمن مشروعه الطائفي والأيدولوجي بأن تكون لبنان جزءا من “الجمهورية الإسلامية”.

هذا يعني أن الحزب يزعم المقاومة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي كما يروج طوال الوقت، وقد كرر ذلك زعيم الحزب، حسن نصرالله في معظم تصريحاته وتهديداته، ولكن لا يوجد أي “مقاومة” حقيقية على أرض الواقع.

التصعيد جاء في عيد الفصح اليهودي وغداة صدامات عنيفة دارت في المسجد الأقصى بالقدس الشرقية بين مصلين فلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية وتوعدت في أعقابها فصائل فلسطينية بشن هجمات انتقامية.

تصعيد إسرائيلي كبير؟

في المقابل، قُتلت إسرائيليتان بالرصاص وأصيبت ثالثة بجروح خطيرة يوم أمس الجمعة في هجوم على سيارتهنّ في الضفة الغربية الفلسطينية. ويأتي ذلك بعدما شنّت إسرائيل غارات على جنوب لبنان وغزة.

في السياق، وقُبيل بدء الغارات، أكدت الفصائل المسلحة في غزة في بيان مشترك “جهوزية المقاومة للمواجهة والرد بكلّ قوة على أي عدوان، والدفاع عن شعبنا في كلّ أماكن وجوده”.
بيان “حركة حماس” التي تسيطر على غزة، أردف “نُحمّل الاحتلال مسؤولية عدوانه على القدس وغزة، وندعو قوى شعبنا وفصائله إلى الوحدة في مواجهةٍ مفتوحة مع الاحتلال.. وما ستؤول إليه الأمور في المنطقة”، وفق ما نقلته “الشرق الأوسط“.

بدورها، أكدت كتائب “عزّ الدين القسام” في بيان تصدي دفاعاتها الجوية للطيران الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة. بينما توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الخميس، بجعل أعداء بلاده يدفعون ثمن كل اعتداء، في أعقاب إطلاق وابل من الصواريخ من لبنان.

بالعودة إلى السبايلة، فإنه وفق تقديره لفكرة التصعيد والمواجهة المباشرة يلاحظ أن حركة “حماس” و”حزب الله” حتى اليوم معنيان بتقديم عذر مباشر لإسرائيل بالاستهداف الذي حصل، وبالتالي التكتيك الأفضل لإسرائيل غالبا ستكون الساحة السورية التي سيتم الرد فيها على “حزب الله” وميليشيا إيران ككل، أي باستهداف نقاط الحزب هناك.

السبايلة يتوقع أن تصعّد إسرائيل بشكل أكبر لعملياتها في الأيام القادمة، من فكرة أن أي مكان يمكن أن يشكل خطرا عليه، باعتبار أنه مضطر أمنيا، كما وأن إسرائيل ترغب بإرسال رسالة مفادها أن كلفة أي اعتداء عليها سيكون ثمنها كبيرا.

بالتالي من الممكن أن نشهد في الأيام القادمة تصعيدا إسرائيليا باتجاه استخدام القوة في المحيط بالمنطقة ككل، بحيث تسعى إلى استهداف الأماكن التي تخرج منها الصواريخ ورفع كلفة هذا التصرف على البلد نفسه، على حدّ تعبير السبايلة.

المتضرر الأكبر

في المقابل، وجهت عدة دعوات دولية لضبط النفس وعدم التوجه نحو تصعيد أكبر، حيث دعت قوة “الأمم المتحدة المؤقتة” ( يونيفيل) في جنوب لبنان إلى تجنّب التصعيد، ووصفت الوضع الراهن بأنه خطير للغاية. وقالت في بيان يوم الخميس إن “الوضع الحالي خطير للغاية. واليونيفيل تحث على ضبط النفس وتجنّب المزيد من التصعيد”.

كما أن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، أكد رفض بلاده أيَّ تصعيد عسكري من أراضيه، مشددا في بيان، عقب استقباله وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروزيتّو، على إدانة لبنان وشجبه عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، موضحا أن بلده يرفض مطلقا أي تصعيد عسكري ينطلق من أرضه واستخدام الأراضي اللبنانية لتنفيذ عمليات تتسبب بزعزعة الاستقرار القائم.

في ما يبدو أن ملف غزة وحركتي “الجهاد الإسلامي” و”حماس”، يظل يضغط بتوتراته على كافة الأطراف المنخرطة فيه لطالما كانت إحدى النقاط الرئيسية في موضوع الاستثمار السياسي بالداخل الإسرائيلي، ومن ثم، يمكن حدوث تصعيدات لأيام معدودة ولكن غير مرجح حدوث حرب مفتوحة طويلة الأمد، ذلك لجهة عدم رغبة “حزب الله” بالوقوف أمام إسرائيل أو فتح جبهة معادية ولاسيما في هذا التوقيت الصعب، فلديها ما يكفيها من حروب استنزافية لصالح إيران، سواء في اليمن أو سوريا أو سعيها في الهيمنة السياسية الكاملة على لبنان، مع الأخذ في الحسبان الاتجاه للتهدئة في هذه المساحات الأخيرة بعد الاتفاق الثلاثي برعاية الصين. لذا فالأمر لا يعدو كونه مجرد مرحلة مؤقتة، ولكن ربما الفصائل المقاومة الفلسطينية تدفع أثمانا، سواء من الضربات الإسرائيلية أو عبر اعتقال “حزب الله” لعدد كبير منهم أو شنّ حملة ضدهم للحد من قوتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة