في أعقاب التطورات الأخيرة ومجريات الأحداث في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى التصعيد الأخير على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، جرى لقاء لافت بين الأطراف التي تُعرّف وتُصدّر نفسها على أساس أنها “محور المقاومة” وقوات الردع للقوى المحتلة.

هذا اللقاء جمع الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني الموالي لطهران حسن نصر الله، برئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري في بيروت، بهدف بحث الطرفين “جهوزية محور المقاومة وتعاون أطرافه” في المنطقة التي تشهد توترا وتصعيدا عسكريا، وفق ما زعمه بيان أصدره مكتب الطرف الأول.

هذا اللقاء لا بدّ أنه يحمل في طياته أبعادا ودلالات ورسائل ضمنية يمكن استخلاصها وقراءتها في توقيت كهذا، وأيضا تبرز التساؤلات هنا حول الأطراف المعنية بهذا اللقاء سواء داخل لبنان أو على المستوى الإقليمي. وإذا ما يمكن اعتبار هذا اللقاء مؤشرا على وجود رغبة مشتركة بين الطرفين لصنع صورة إعلامية وسياسية بتماسك واصطفاف مواقفهما لا سيما بعد التطورات الأخيرة التي حدثت في جنوب لبنان وغزة من قبل إسرائيل والتصعيد المستمر حتى الآن.

كذلك، تساؤلات حول الجانب الخفي والمعلن في هذه الصورة أو بعبارة أخرى، ما العامل التكتيكي والاستراتيجي الذي يقف خلف الإدارة الإعلامية والسياسية لهذا الاجتماع على خلفية التصعيد الإسرائيلي في منطقتين تحت حكم الطرفين المجتمعين.

دلالات اجتماع “حزب الله” مع “حماس”

في السياق، التقى زعم “حزب الله” اللبناني، مع رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية، وفق بيان أصدره “حزب الله” يوم الأحد الفائت، مفاده أن الطرفين ناقشا “جهوزية محور المقاومة” عقب التصعيدات والتوترات المندلعة في المنطقة، مؤخرا.

تصاعد النيران وسط قطاع غزة عقب غارة إسرائيلية فجر يوم الجمعة 7 نيسان/ أبريل.
مصدر الصورة: (أ.ب)

الحزب المزعوم بمقاومة قوى الاحتلال، أعلن في بيانه المقتضب، أن نصر الله التقى هنية، الذي وصل إلى بيروت يوم الأربعاء، “حيث جرى استعراض أهم التطورات في فلسطين ومجريات الأحداث في المسجد الأقصى والمقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية وقطاع غزة”، كما بحث القياديان الحليفان “التطورات السياسية في الإقليم عموما وجهوزية محور المقاومة وتعاون أطرافه في مواجهة كل هذه الأحداث والتطورات”.

هذا وتشهد المنطقة توترا متصاعدا عقب اقتحام الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى ليل الثلاثاء-الأربعاء الفائت، واعتقالها نحو 350 فلسطينيا تحصنوا فيه خلال شهر رمضان. ويعتكف مسلمون عادة خلال هذا الشهر في المسجد الأقصى لتأدية الصلاة ليلا، وفق تقارير صحفية.

إزاء ذلك توعّدت فصائل فلسطينية في أعقاب ذلك بشنّ هجمات انتقامية على إسرائيل. وأُطلقت ليل الثلاثاء-الأربعاء صواريخ عدة من شمال قطاع غزة باتجاه إسرائيل. ومن ثم في اليوم التالي، الخميس، أُطلق 34 صاروخا على الأقل من محيط مدينة صور جنوبي لبنان باتجاه بلدات في شمال إسرائيل، والتي أُسقطت غالبيتها، واتهمت فصائل فلسطينية بالوقوف خلفها مرجحة أن تكون إنما حركة “حماس” أو حركة “الجهاد الإسلامي”، واستبعدت في الوقت ذاته أي دور لـ”حزب الله”، عدوها اللدود.

هنية يوم الخميس الماضي أكد من لبنان أن الفصائل لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء “العدوان” الإسرائيلي على المسجد الأقصى. في حين ردت مقاتلات إسرائيلية على هذا الهجوم بشنّ سلسلة غارات على أهداف في قطاع غزة، بجانب قصف أهداف في جنوب لبنان، حيث أطلقت الطائرات الإسرائيلية 6 صواريخ مستهدفة مواقع تابعة لحركة “حماس” في مناطق بمحيط مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صور اللبنانية.

فيما يخص لقاء قادة “الحزب” و”الحركة”، يرى منير أديب الخبير في الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي، أنه قد تكون هناك دلالات حول التنسيق الأمني أو العسكري بين “الحركة” و”الحزب” في إطار أو شكل التصعيد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وهذا يعكس حجم العلاقة بين “الحركة” وأذرع إيران سواء مَن مع “حزب الله” في لبنان أو جماعة “الحوثي” في ​​اليمن.

لذلك فإن هذه الدلالات مع فكرة ابتلاع إيران لـ”الحركة” وقبلها حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطيني، ربما تشير إلى رغبة طهران بأن تسير بهذه الخطوات وفق أهدافها ومصالحها السياسية في المنطقة، وأن ما يجمعها مع “حماس” اليوم، هو عداء إسرائيل، وفق تقدير أديب لموقع “الحل نت”.

أيضا ربما ترغب طهران في الرد على تل أبيب من خلال “حماس”، بأنها هي من تسيطر وتدعم كل حركات التحرير والتمرد في المنطقة، بهدف الضغط على الولايات المتحدة الأميركية بطريقة أو بأخرى. وقد تكون هذه رسائل ضمنية مفادها أن طهران ستدعم “حماس” بالذخيرة والصواريخ، وبالتالي القول “سنرد على الضربات الإسرائيلية الموجهة إلينا في الأراضي السورية، بدعم الحركة”، وطبعا هذا الدعم سيكون من خلال أذرعها المتمثلة بـ “حزب الله”، وفق تحليل أديب.

أما توقيت هذه الزيارة فيمكن تفسيره بتصريح الحركة بأنها تستعد لرد عسكري على إسرائيل، بينما هي في الحقيقة استغلال للتصعيد لإيصال رسالة تريدها طهران لإسرائيل وواشنطن، على حدّ قول أديب.

رسائل ضمنية

في المقابل تقول بعض التحليلات إن إسرائيل تعرف جيدا أن الصواريخ التي تم إطلاقها ما هي إلا رسائل وليست أكثر من ذلك، وأذرع إيران تعرف في الوقت نفسه أن الرد الإسرائيلي هو مجرد تحذيرات كالمعتاد. لذلك، يبقى الأكثر تضررا، اللبنانيون والفلسطينيون، الذين يترنحون تحت وطأة الحسابات والتفاهمات السياسية بين الطرفين، وبأدوات عسكرية.

بالعودة إلى لقاء حسن نصرالله بهنية، فإن الأطراف المعنية من وجهة نظر أديب هي إسرائيل وأميركا ودول المنطقة، حيث إن حركة “حماس” هي جزء من المكون الفلسطيني اليوم وفي نفس الوقت مرتمية في الحضن الإيراني، وهذا له مؤشرات ومعاني خطيرة، بمعنى أن طهران نجحت في ابتلاع الحركة وأنها قد تحتل فلسطين فيما بعد، وهذا ما يشكّل خطا أحمرا لإسرائيل.

الجيش الإسرائيلي نفذ يوم الجمعة الماضي غارات على قطاع غزة، وضربات محدودة على المنطقة التي أُطلقت منها الصواريخ في جنوب لبنان. وليل السبت- الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شنّ قصفا بريا وجويا على مواقع في سوريا بعد إطلاق صواريخ منها باتجاه هضبة الجولان المحتلة.

سلاح الجو الإسرائيلي أعلن أن طائراته قصفت أهدافا شملت مجمعا عسكريا تابعا لـ”الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، بالإضافة إلى منظومات رادارات ومواقع مدفعية تابعة لقوات الجيش السوري.

في الأثناء نقلت “وكالة الأنباء السورية الرسمية” (سانا) عن مصدر عسكري قوله إن طائرات إسرائيلية نفذت فجر الأحد الماضي “عدوانا جويا بعدد من الصواريخ من اتجاه الجولان السوري المحتل”، مستهدفة نقاطا في جنوب البلاد.

صورة براغماتية

نحو ذلك، رأى بعض المراقبين حيال هذا اللقاء بين زعيم “حزب الله” وقائد حركة “حماس”، أن هناك رسائل أخرى من وجود هنية في لبنان ولقائه زعيم “حزب الله”، وهو بعث بمؤشرات إلى أوساطهم الشعبية بأن هناك وحدة في التنسيق والمواقف بين “حماس” و”حزب الله”، هدفها ليست سوى رسالة براغماتية بوحدوية “محور المقاومة” ضد القوى المحتلة، على الرغم من أن الأفعال على أرض الواقع عكس ذلك تماما.

أما من حيث الجانب الخفي والمعلن، فإنه ثمة عدة رسائل خفية، لعل أبرزها هي أن إسرائيل نشطت في مواجهة أهداف إيرانية في سوريا مؤخرا، وهذا إن دل فهو دليل على أن طهران تستطيع أن تقلق تل أبيب وتقض مضاجعها وتدعم هذه الحركة وعموم الحركات التمردية في سبيل مواجهة إسرائيل، وفق تقدير أديب. وفي الحقيقة هو سلاح بمثابة ردع بالنسبة لطهران، أي أنها قادرة على أن تدعم الحركة بشكل أكبر ومن ثم إحداث مواجهة بينها، ويعتقد أديب أن إيران قد اتخذت قرار هذه الحرب مع إسرائيل من داخل طهران وليس من لبنان ولكن بشكل غير مباشر.

كل هذه التطورات تأتي في وقت تستعد إسرائيل لنشر تعزيزات أمنية في أعقاب هجومي يوم الجمعة والذي أسفرا عن مقتل ثلاثة أشخاص، بجانب إعلان الشرطة الإسرائيلية أنها ستنشر قوات اضافية من حرس الحدود وسط المدن، بالإضافة إلى الوحدات التي تم استدعاؤها بالفعل في منطقة القدس ومدينة اللد.

إجمالا، يبدو أن من يدفع ثمن هذه التصعيدات والتوترات والمواجهات هم الفلسطينيون واللبنانيون، فمن جهة، أصبحت القضية الفلسطينية بلا مقاومة حقيقية، من جرّاء سير حركات المقاومة اليوم تحت عباءة مشاريع ولاية الفقيه في طهران. ومن جهة أخرى، لبنان البلد المنهار على كل الأصعدة؛ سياسيا واقتصاديا ومؤسّساتيا، بات مرتعا لحزب يتزعم أنه يقود المقاومة منذ سنوات طويلة، لكنه لم ينتج سوى أنه قاد البلد إلى درك مظلم، يهرب أبنائه منه بشتى الطرق، ولم يعد لهذا الحزب سوى التلويح بمشاريعه المقاوماتية البراغماتية في وجه حاضنته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة