منذ الإعلان الترويجي لمسلسل “رسالة الإمام” الدرامي التاريخي، قبل شهر رمضان، تعرض للهجوم والانتقاد، نظرا لأنه يتناول السنوات الأخيرة من حياة الإمام محمد بن إدريس الشافعي، أحد أشهر علماء الفقه والتفسير، والتي قضاها في مصر. ومع عرض حلقاته الأولى في موسم الدراما الرمضانية 2023، لاقى العمل إقبالا كبيرا، بعد غياب مسلسل “معاوية” عن السباق في ظروف غامضة، لكنه حصد مقدما الكثير من الهجوم والتربص فور الإعلان عن بدء تصويره.

على ما يبدو أن هذا القلق خلق حالا من “التصيد” على قدر الانتظار التي اختلطت بتوجهات بعضها سياسي وبعضها ديني، وقليل منها فني، لكن جرت العادة أن الثغرات في الأعمال ذات الطابع التاريخي يتم تضخيمها والتركيز عليها يكون بلا هوادة، لذا فأبعاد المهمة كانت جلية للغاية لدى صنّاعها قبل أن يقدِموا عليها.

مسلسل “رسالة الإمام”، طالته انتقادات حادة وأحدث حالةً من الجدل بعد عرض أولى حلقاته، لما تضمن من معلومات خاطئة وغير صحيحة عن حياة الإمام الشافعي، على حد قول متابعين. حيث تم تركيز منتقدي المسلسل على “أخطاء تاريخية” قالوا إنهم رصدوها فيه ووصفها كثيرون منهم بأنها “كارثية”، بجانب اتهام الشاعر السوري حذيفة العرجي، صنّاع العمل بنسب أبيات شعرية كتبها قبل عشر سنوات للإمام، وجاء على لسان بطل المسلسل، الذي يحكي قصة صاحب المذهب الشافعي الذي توفي قبل نحو 1240 عاما.

العمل من سيناريو وحوار 7 كتّاب تحت إشراف المؤلف محمد هشام عبية، وإخراج السوري ليث حجو، وإنتاج شركة “ميديا هب – سعدى جوهر”، وبطولة نخبة من الفنانين في الوطن العربي، منهم خالد النبوي، أروى جودة، نضال الشافعي، خالد أنور، وليد فواز، جيهان خليل، حمزة العيلي، أحمد الرافعي، سلمى أبو ضيف، خالد القيش وهفال حمدي، والأردنية فرح بسيسو وآخرون

اتهامات “حذيفة العرجي”

نحو ذلك، كتب العرجي، عبر حسابه على موقع منصة “تويتر”، سلسلة تغريدات، أولا مقطع فيديو من المسلسل يظهر فيه بطل العمل الفنان المصري خالد النبوي الذي يجسد شخصية “الإمام الشافعي”، وهو يقرأ بعض الأبيات الشعرية، مصحوبا بتعليق قال فيه إن بعض القراء أرسلوا له هذا المقطع، لافتا إلى أن “النبوي، ومعه ممثلة أخرى، يتغنيان في المقطع ببيتين من الشعر كان قد كتبهما في بدايته قبل عشر سنوات، مع نسبتها للإمام الشافعي”. وقصد العرجي بيتين شعريين يقولان “وتضيقُ دُنيانا فنحسَبُ أنَنا سنموتُ يأساً أو نَموت نَحيبا.. وإذا بلُطفِ اللهِ يَهطُلُ فجأة يُربي منَ اليَبَسِ الفُتاتِ قلوبا”.

الشاعر السوري أوضح أن هذين البيتين شهيران، وطالما نُسبا للشافعي، وسبق أن أوضح هذا الخطأ، حتى أنه قال إن الإمام أحق بهما منه، وإنه أكبر من كل قول يُنسب إليه. وهاجم الشاعر السوري، القائمين على العمل، وقال لك أن تتخيل ما سيكون من كوارث أخرى، لا سيما أنهم “صنّاع المسلسل” لم ينتبهوا لتفصيلة بسيطة كهذه، كان من الممكن تلافيها بتصفح ديوان الشافعي.

كما وسخر الداعية البحريني، حسن الحسيني، من المقطع، معلقا على تغريدة العرجي، بأن “الإمام الشافعي يتغنّى بأشعارك في القرن الثاني الهجري”، مضيفا أنه “عندما يلجأ كاتب المسلسل الكسول إلى غوغل، بدل الرجوع إلى ديوان الشافعي، هكذا تكون النتيجة!!”.

ردا على هذه الاتهامات، قال هشام عبية، في تصريحات لموقع “الحرة”، إن المسؤول عن التدقيق في نص السيناريو والحوار داخل المسلسل هو الأستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة، أحمد عمار”، مضيفا “لدي شكوك أن هذين البيتين كتبهما هذا الشاعر السوري، لأنني تابعت جدالا بشأنهما على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنهما كُتبا قبل تاريخ زعمه كتابتهما عام 2014”.

قد يهمك: مسلسل “ليلة السقوط”.. دراما واقعية توثق جرائم “داعش” في العراق – الحل نت 

فيما قال عمار في منشور على منصة “فيسبوك “بخصوص ذلك، وقال إن ثبت أنهما له، فأقول إن هذا خطأ لا يغتفر حقيقة، ولا يمكن الدفاع عنه بأي صورة من الصور، وإلا اعتبر ذلك مشاركة في الخطأ مرة جديدة، مضيفا أن “الخطأ، في الحالة العادية، ليس خطأ المدقق اللغوي، إذ إن مهمته ضبط النص الفصيح بنية وإعرابا، وليس البحث عن مرجع هذا النص، لأن هناك من هو مسؤول عن ذلك”.

مع ذلك، قال إنه يعتذر بكل وضوح عن هذا الخطأ الكبير رغم أنه ليس المسؤول الأول على الأقل، عنه. وأضاف أن المسلسل عمل فني يمكنكم مشاهدته والحكم عليه، أو حتى العزوف عنه، وأجمل ما في رسالة الإمام سمو أخلاقه.

أخطاء “تاريخية”!

كذلك، طال المسلسل انتقادات أخرى، إذ وصفه متابعوه بتدني مستوى اللغة واقترابها من العامية على لسان الشافعي، في حين انتقد آخرون ما اعتبروه أخطاء تاريخية. فقال أشرف حسن، المحاضر والباحث في اللغة العربية في جامعة “بيرن” بألمانيا، في سلسلة تغريدات على منصة “تويتر” “في مسلسل رسالة الإمام نرى حوارا في قصر الخليفة العباسي، الذي يُفترض أن يكون المأمون، مع الإمام الشافعي سنة 198 هـ، ويتكلمان فيه عن خلق القرآن”.

حسن أردف “حقيقة 1، الخليفة المأمون دخل بغداد سنة 204 هـ، رغم توليه الخلافة سنة 198. حقيقة 2، الخليفة المأمون اعتنق القول بـ”خلق القرآن” سنة 212 هـ، وبعدها بدأ ما عُرف بـ”فتنة خلق القرآن” أو “المحنة. حقيقة 3، الإمام الشافعي توفي سنة 204 هـ في مصر، والإمام الشافعي لم يقابل المأمون”.

خالد فهمي، أستاذ اللغويات بآداب “المنوفية”، قال إن ما يحصل في مسلسل الشافعي عبث يرقى إلى مستوى الجريمة، مضيفا عبر صفحته على “فيسبوك”، أن هناك جريمة لغوية، فالشافعي قرشي ولسانه الفصحى أو العربية وليس اللهجة المصرية المعاصرة، كما أن هناك جريمة أخرى تتضمن مخالفات فيما يتعلق بسيرته الذاتية وملكاته الفقهية والعلمية.

الناقد الفني محمد عبد الخالق، أكد من جانبه أن المراجعة التاريخية للمسلسل كان يعوزها المزيد من التدقيق، سواء على مستوى الوقائع والأحداث، أو على مستوى اللغة، وكيفية نطق المفردات اللغوية في تلك الحقبة الزمنية.

عبد الخالق أردف في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط“، أن ثمة العديد من الباحثين والمؤرخين الذين أوردوا بتفاصيل مدهشة عددا لافتا من الأخطاء في هذا السياق، لا سيما تسرّب عدد من الأبيات الشعرية إلى ديوان الإمام الشافعي عبر الإنترنت والتعامل معها على أنها من مؤلفات الإمام، وهي ليست كذلك، وهو ما كان يتطلب تحقيقا علميا للديوان واللغة في ذلك العصر.

بينما تحدث آخرون عما اعتبروها أخطاء أخرى وقع فيها المسلسل، ومن بين المشاهد التي أثارت الجدل، كان لجوء الشافعي إلى راهب للحصول منه على دواء لزوجته، رغم أنه من المعروف أن الإمام كان يعلم بأمور الطب. وتوضيحا على ذلك قال عبية في حديثه للموقع الإعلامي، أن هذا المشهد جاء في سياق درامي اختاره صنّاع العمل، “وهو أنه خلال رحلته إلى مصر، مر بسيناء مع زوجته ودخل إلى دير وطلب الدواء من راهب، مشيرا إلى أن هذه الحادثة غير مذكورة بالفعل في الكتب التاريخية، ولكن ليس هناك ما ينفيها”.

كذلك، هوجم العمل بعد تجسيد شخصية السيدة نفيسة بنت الحسن حفيدة النبي محمد، إذ رفض بعضهم تجسيد تلك الشخصية التي تمتلك مكانة كبيرة في نفوس المصريين، مشيرين في تغريدات على منصة “تويتر” متعددة إلى أنه أمر لا يليق. حيث اعتبر الداعية خالد الجندي في برنامجه التلفزيوني أن أي هجوم على المسلسل بخاصة من المحسوبين على التيارَين “الإخواني والسلفي” هدفه النيل من “جهة الضمان” التي قامت بمراجعة العمل، لافتا إلى أن عملا دراميا محبوكا يتناول سيرة الإمام الشافعي يمثل لهؤلاء أزمة كبيرة، ومن المعروف أن مشيخة “الأزهر” تراجع من خلال علمائها الجوانب الفقهية في المسلسل الذي يتناول السنوات التي قضاها الإمام في مصر.

مشهد لجوء الشافعي إلى راهب للحصول منه على دواء لزوجته، أخذت الصورة من موقع “الحرة”

باقي أعضاء فريق العمل فضلوا التزام الصمت، كما لم تبادر الشركة المنتجة “ميديا هب” بإصدار بيان يوضح موقفها من توالي الانتقادات، واكتفت بوضع تنويه جديد بشكل واضح بداية من الحلقة السادسة يقول “المسلسل رؤية درامية مستوحاة من أحداث تاريخية وبعض أحداث وشخصيات العمل من وحي خيال المؤلف للضرورة الدرامية وأنها رؤية درامية بحتة حيث يتحدث بها بعض الأبطال توافقا مع أصولهم القبطية المصرية”.

آراء النقاد

في سياق البيت الشعري المنسوب خطأ للشافعي، يعتبر الناقد الفني إيهاب التركي أنه من ضمن السلبيات المحبطة، لكنه كذلك يؤكد أن التعلم من الأخطاء مهم، مشيرا إلى أنه لا يتوقف كثيرا أمام أخطاء قد تمرّ على المشاهد غير المتخصص في تفاصيل تتعلق بالحقب الزمنية القديمة بقدر ما يتوقف أمام تقديم أعمال سردية تقدم رؤية درامية نمطية من حيث المضمون، وفق تقرير لموقع “اندبندنت”.

الناقد الفني استدرك بالقول “نحن نرى الشخصيات التاريخية كما نحب وليس كما كانت، أو ليست بملامح إنسانية لها ملامح بشرية عادية، ولهذا نرى شخصيات الأعمال التاريخية إما شريرة أو خيرة، وهذا يتوقف على موقفنا المحدد سلفا من الشخصية التاريخية ومن الحكاية السائدة المعترف بها شعبيا لدى الأغلبية”.

هذا ويبدو أن هذا يتعلق بالتعامل مع الأعمال التاريخية التي تتطلب جهودا كبيرة وخصوصية قبل التنفيذ وأثناءه، إذ يرى الناقد طارق الشناوي أن التفوق في إنتاج الدراما التاريخية له علاقة بالجهد المبذول أولا قبل بداية التصوير بفترة كافية، سواء أكان جهدا بحثيا أو توثيقيا أو في ما يتعلق بالتحضيرات، فضلا عن ضرورة منح مساحة من الوقت أكثر من نوعيات أخرى من الدراما، حتى في ما يتعلق بالموسيقى ينبغي الاستعانة بموسيقار لديه رؤية غير تقليدية لتكون ملائمة لأجواء الحقبة التاريخية محل النقاش، طبقا لـ”الإندبندنت”.

هذا وكان مسلسل “رسالة الإمام” يحمل اسم “الإمام الشافعي”، وتم استبداله وتغييره إلى “رسالة الإمام” حسب طلب جامعة “الأزهر” بمصر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات