لم ينته العالم بعد من تداعيات جائحة “كورونا”، التي تسببت بأزمات في مناحي الحياة كافة، حتى بدأ الحديث عن فيروس “ماربورغ” المميت الذي يتفشى في غينيا الاستوائية وتنزانيا، إذ توفي 10 أشخاص بالفيروس في شرق غينيا الاستوائية لغاية 4 نيسان/ابريل الجاري، حيث فرضت السلطات حجرًا صحيًا في إحدى المقاطعات لاحتواء الوباء.

منظمة الصحة العالمية دعت في أواخر آذار/مارس الماضي، غينيا الاستوائية إلى إبلاغها بأعداد الإصابات بفيروس ماربورغ خشية تفشيه إلى نطاق أوسع من ذلك المبلّغ عنه، إذ أعربت المنظمة الأممية عن قلقها من تسجيل محتمل لـ”وباء واسع النطاق” قد يؤثر على الغابون والكاميرون المجاورتين.

انتشار “ماربورغ”، الذي ينتمي إلى عائلة الإيبولا، يثير هواجس من تحوله إلى جائحة عالمية، إذ حذرت دول عربية وغربية مواطنيها من السفر إلى جمهوريتي تنزانيا وغينيا الاستوائية إلى حين الإعلان عن السيطرة على المرض.

فيروس فتاك

حمّى “ماربورغ” النزفية مرض وخيم وشديد الفتك بالناس يسبّبه فيروس من الفصيلة نفسها التي ينتمي إليها الفيروس المسبّب لحمى الإيبولا النزفية، وفق منظمة الصحة العالمية. وهناك تشابه تام، من الناحية السريرية، بين حمّى “ماربورغ” النزفية وحمّى “الإيبولا” النزفية على الرغم من اختلاف الفيروسين المسبّبين لهما. وكلاهما نادر، غير أنّهما قادرين على إحداث فاشيات وخيمة تتسم بمعدلات إماتة مرتفعة.

تسمية الفيروس بالحمى النزفية جاءت من كونه يتسبب بأعراض منها إسهال مائي ونزيف من العين أو الأنف والفم أو من الأعضاء الداخلية، وهي لفيروس “إيبولا”، وفق أستاذ ومستشار الأمراض المعدية، ضرار بلعاوي.

فترة حضانة الفيروس من يومين إلى 21 يوما؛ لكن الوسط الحسابي 5 أيام، حيث تبدأ الأعراض الأولية بالظهور وهي غثيان وقيء، هزل وإسهال مائي وهكذا، وبعد 5 أيام تبدأ أعراض أخرى، حيث يزيد الإسهال المائي ويحدث النزيف، وهذا يؤدي إلى انخفاض الضغط ودخول المريض في صدمة وبالتالي فشل الأعضاء، حسب حديث بلعاوي لـ “الحل نت”.

بحسب الخصائص الوبائية للمرض، فإنه يصعب في المرحلة المبكرة للإصابة بالمرض، التمييز بواسطة التشخيص السريري بين مرض فيروس “ماربورغ” والعديد من الاعتلالات الحموية المدارية الأخرى بسبب أوجه التشابه في أعراضها السريرية، وفق ما ذكرت المنظمة الأممية عبر موقعها في أيلول/سبتمبر 2022.

احتمال الوفاة بالمرض عالي جدا، ولهذا سبَّب هلعا لأنه الوفاة من 20 إلى 100 بالمئة، والمتوسط الحسابي 80 بالمئة من المصابين، والسبب يعود إلى عدم وجود علاج أو لقاح لغاية الآن.

بحسب ما يشير بلعاوي، فإن دواء جديدا سيطرح بمسمى الأجسام المضادة وحيدة النسيلة وهناك لقاح أحرز نتائج جيدة في حزيران/يونيو 2022 عن طريق هيئة الصحة الكندية، ومن الممكن طرحه في العام المقبل.

يمكن السيطرة عليه؟

رغم خشية دول العالم من انتشار فيروس “ماربورغ” إلا أن خبراء استبعدوا تحوله إلى جائحة عالمية، إذ إن طبيعة انتشاره تختلف عن فيروس “كورونا”، فهو يحتاج إلى ملامسة مباشرة ولا ينتقل عن طريق الهواء.

الاستشاري ضرار بلعاوي استبعد تحوله إلى جائحة عالمية؛ لأن طرق انتقاله ليست برذاذ العطاس والسعال مثل “كورونا”، بل ينتقل عن طريق الملامسة والتواصل القريب بين إما خفاش الفاكهة مع الإنسان أو من إنسان مصاب، ولهذا ممكن حدوث فاشيات لا تتعدى المئات.

منظمة الصحة العالمية أوضحت أن الفيروس لا يسري بين البشر أثناء فترة حضانته، ويُصاب المرء بالعدوى جرّاء ملامسة دم المريض أو سوائل جسمه الأخرى كالبراز والقيء والبول واللعاب والإفرازات التنفسية التي تحتوي على الفيروس بتركيزات عالية. كما يمكن أن يسري الفيروس عبر المني، فقد تم اكتشاف الفيروس في مني المصابين به بعد شفائهم السريري من المرض بفترة بلغت سبعة أسابيع.

كما تزداد قدرة المصابين على نقل العدوى كلّما تطوّر المرض لديهم، وتبلغ تلك القدرة ذروتها خلال مرحلة المرض الوخيمة.

رغم أن تفشي “ماربورغ” وتحوله إلى جائحة عالمية إلا أن دولا عديدة، بينها السعودية وسلطنة عُمان والكويت والإمارات والبحرين، أوصت مواطنيها بعدم السفر إلى غينيا الاستوائية وتنزانيا إلى حين الإعلان عن السيطرة على المرض، بينما أصدرت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها توجيهات صحية حول تفشّي الفيروس.

الأردن اعتبر أن خطورة انتقال الفيروس إليه منخفضة حاليا؛ نظرا لعدم وجود طيران مباشر مع الدول الموبوءة في إفريقيا، إضافة إلى أن الخازن المتمثل في خفافيش الفاكهة التي تنقل المرض للإنسان غير موجودة، لكنها أوصت بأخذ الحيطة والحذر في حال السفر إلى المناطق الموبوءة من الدول التي أبلغت عن حالات مصابة.

الإجراءات الاحتياطية مهمة جدا، بحسب بلعاوي، خصوصا في هذه الفترة التي يوجد فيها فاشيات، ويجب على شخص يأتي من الدول التي ينتشر فيها الفيروس أن يخضع لحجر لمدة 5 أيام للتأكد من عدم وجود أعراض، على أن تتم متابعته لـ 21 يوما. علاوة على ذلك، يمكن السيطرة على المرض في حال التفشي من خلال متابعة المخالطين ومخالطي المخالطين وأخذ عينات للفحص.

الفيروس ليس جديدا

في ستينات القرن الماضي، عرف العالم فيروس “ماربورغ”، حيث اكتشف لأول مرة في عام 1967، في المدن الألمانية ماربورغ وفرانكفورت وبلغراد بجمهورية يوغسلافيا السابقة، وحدث ذلك بسبب تماس العمال الألمان مع أنسجة قردة “الهجرس” في مجمعات صناعية الذي أخذ العدوى في الأساس من خفاش الفاكهة، وتم الإبلاغ، لاحقاً، عن حدوث فاشيات وحالات متفرقة في أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وجنوب إفريقيا وأوغندا، حيث أصيب 31 شخصاً بالعدوى في هذه الفاشيات، وتوفي سبعة منهم.

رغم عدم حدوث انتشار للمرض على نطاق واسع منذ بداية ظهوره لأول مرة وحتى الآن، إلا أن خطر انتقاله إلى دول أخرى تبقى ضمن الاحتمالات في ظل سهولة تنقل البشر من دولة إلى أخرى خلال ساعات، الأمر الذي يجب تفاديه بموجب وضع إجراءات وقائية صارمة.

بين سنتي 1998 إلى 2000، سجلت الكونغو الديمقراطية 154 إصابة، وتوفي من بينها 128، وفي 2005، سجلت أنغولا 374 إصابة، وتوفي من بينها 329، وفي 2012، سجلت 15 إصابة في أوغندا، وتوفي 4 منها، وفي 2017، سجلت أوغندا مجدداً ثلاثة مصابين، وتوفوا جميعاً، حسب منظمة الصحة العالمية.

عام 2021، أُبلغت غينيا عن اندلاع فاشية مرض فيروس “ماربورغ” لأول مرة في غرب إفريقيا، وأشارت نتائج التسلسل الجيني إلى أن جينومات فيروس “ماربورغ” من غانا مرتبطة بالتسلسل الجيني لفاشية عام 2021، وترتبط بشكل عام بالتسلسلات الجينية التي جرى الحصول عليها من الخفافيش في سيراليون، وفاشية شهدتها أنغولا في 2004. 

في تموز/يوليو 2022، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أول تفشٍّ لفيروس “ماربورغ” في غانا، بعد تأكيد إصابة حالتين، وفي 16 أيلول/سبتمبر 2022، أعلنت وزارة الصحة في غانا، انتهاء فاشية فيروس “ماربورغ” التي تضررت منها مناطق أشانتي وسافانا والمناطق الغربية من البلاد، وذلك بعد مرور 42 يوماً على اكتشاف آخر إصابة مؤكدة في 5 آب/أغسطس، وهي ضعف الفترة القصوى لحضانة عدوى “ماربورغ”، وفق تقييم منظمة الصحة العالمية.

منظمة الصحة العالمية، قال في 29 آذار/مارس الفائت، إنها على دراية بوجود إصابات إضافية بفيروس “ماربورغ” في غينيا الاستوائية، وحثت حكومة البلاد على الإبلاغ عنها بشكل رسمي.

وفق مؤسسة “غافي”، وهي منظمة دولية تعزز الوصول إلى اللقاحات، فإنه يجب على الناس في إفريقيا تجنب تناول لحوم حيوانات الغابة أو التعامل معها، ويجب على الأطباء والأسر أيضاً توخي الحذر أثناء التعامل مع جثة الشخص المصاب، إذ يمكن أن تبقى معدية حتى بعد الوفاة.

تقدير خطر حدوث فاشيات على مستوى البلاد التي سجلت إصابات يبقى مرتفعا لكن نسبة هذا الخطر يقل بالنسبة لدول الإقليم ويكون منخفضا لدول العالم، في حال رفع مستوى الاستجابة في ودعم البنى التحتية للقطاع الصحي وتوفر الأدوات اللازمة لذلك.

بناء على ما سبق، فإن احتمالات تحول فيروس “ماربورغ” إلى جائحة يبقى ضعيفا في ظل آلية انتقاله من إنسان لآخر من خلال التلامس المباشر، وهو رهن اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحصر انتشاره في مناطق تفشيه الحالية، إضافة إلى رفع الوعي لدى الناس، خاصة الكوادر الطبية التي تتعامل مع المصابين بشكل مباشر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات