الأعباء غير متناسبة نهائيا في “حزب الله”، ففي الوقت الذي يعيش فيه عناصره المحاربون في سوريا وعوائلهم في لبنان ظروف معيشية متدنية حيث وصل الحال ببعضهم إلى الانشقاق عن صفوفه وفضح ممارساته وانتهاكاته في المناطق التي يتواجد بها هناك، تعيش قيادات من “الحزب” حياة مرفهة في أميركا اللاتينية التي باتت مؤخرا بمثابة الملعب الخلفي لأنشطة “حزب الله” المشبوهة في نقل الأسلحة وتجارة المخدرات وتبييض الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية للميليشيات المدعومة من طهران.

المفارقات بين الحياة التي يعيشها قادة “حزب الله” وحياة عناصره المقاتلين تمثل تباينا كبيرا في المستوى المعيشي والاجتماعي والاقتصادي لهؤلاء، ففي الوقت الذي يعيش فيه القادة حياة فاخرة ومرفهة مع العديد من المزايا المالية، يعيش أتباعهم في سوريا ظروفا معيشية قاسية ويفتقرون لأبسط الخدمات الأساسية، وخصوصا مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، دون أي مبالاة من قيادة “الحزب” تجاه أي حل لذلك.

هذه المفارقات تسبب بمشاكل عدة داخل “حزب الله”، بما في ذلك تراجع الدعم له من قبل أنصاره الذين يرغبون في تحسين أوضاعهم المعيشية، وانشقاق من بعض أعضائه وهروب بعض المقاتلين من صفوفه. بالإضافة إلى ذلك، فإن تفاوت الحالات المادية بين القيادة وأتباع “الحزب” قد يؤدي إلى زيادة الاحتقان وقد يولد ذلك ثورة داخلية من الأعضاء الذين يشعرون بالظلم وعدم المساواة.

علاوة على ذلك، فإن هذه المفارقات قد تؤدي إلى نقص في الدعم المالي لـ”الحزب” وانخفاض الانضباط العسكري والمعنوي بين أتباعه، مما قد يؤثر على قدرتهم على مواصلة القتال في سوريا وأداء مهامهم الأخرى في لبنان والمنطقة، وخاصة بعد مقتل العديد منهم خلال العام الفائت فقط.

ليس جديد

نشاط “حزب الله” في أميركا اللاتينية ليس جديد فهو نشاط قديم منذ الثمانينات و”الحزب” ينشط في تجارة المخدرات وتهريب السلاح وهو شريك أساسي كبير مع المافيا هناك سواء في بيرو أو فنزويلا أو كولومبيا، فالحركات المسلحة والجماعات المتطرفة سواء السنية أو الشيعية تعتمد في جزء كبير من تمويلها وبناء ثروتها على هذه التجارة، بحسب حديث الباحث في الشأن الإيراني علي رجب، لـ”الحل نت”.

صورة عناصر من حزب الله ( قناة العربية)
صورة عناصر من حزب الله ( قناة العربية)

عمليات الإتجار بالمخدرات وتهريبها من قبل “الحزب” عبر القارات المختلفة سواء في أميركا اللاتينية أو عبر إفريقيا إلى أوروبا ودول الخليج على الوجه الخصوص زادت وتيرتها مؤخرا، حيث ضبطت السلطات الخليجية خلال الأشهر الأخيرة، وخاصة السعودية والكويتية إضافة إلى الأردنية العديد من محاولة تهريب المخدرات وخاصة “الكبتاغون” إليها عبر طرق عدة سواء في صناديق الطماطم أو التفاح، ما أثر على صادرات لبنان من الخضار والفاكهة إلى دول الخليج.

قد يهمك: أموال “حزب الله” القذرة.. كيف استغل رجال أعمال لتحقيق مكاسب غير مشروعة؟

 يضيف رجب أنه بالنظر إلى قائمة العقوبات الأميركية بشكل خاص على قيادة “حزب الله” فنجد أن هناك العديد منهم تم فرض عليه عقوبات بسبب تجارة المخدرات، وتحويل أميركا اللاتينية مركزا لإنتاج المخدرات وتهريبها إلى دول عدة كجزء من مصادر التمويل والثراء الذي يتمتع به أولئك القادة.

من جهته يرى الكاتب المتخصص في العلاقات الإيرانية العربية محمود جابر، في حديثه لـ”الحل نت”، بأن الاتفاق السعودي الإيراني الأخير برعاية صينية سيلقي بتبعاته على كل الجماعات التابعة لإيران ومنها “حزب الله” ويعتقد بأن أغلب المقاتلين أو رموز “الحزب” باتوا يتحسبوا لما هو آت من جديد، أو شروط غير معلومة، حيث سيصبح “الحزب” ورجاله عرضة للمطاردة الإقليمية والدولية، وبالتالي البحث عن مهرب أو مخرج خارج دول الإقليم وبعيدا عن المطاردة هو الحل الأمثل وهذا ما يفسر هجرة البعض لدول أميركا اللاتينية.

انشقاقات في صفوف “الحزب

انشقاقات بعض عناصر “حزب الله” وخصوصا المقاتلين في سوريا، قد ألقت الضوء على العديد من الممارسات والانتهاكات التي يرتكبها “الحزب” في المناطق التي يعمل فيها، وقد نشرت قناة “الآن” قبل أيام قليلة تقرير مصورا لعنصر منشق عن “الحزب” تحدث عن الانتهاكات والتجاوزات التي يرتكبها في مناطق تواجده وخصوصا في سوريا ما دفع به إلى الانشقاق والهرب.

القمع السياسي والديني يعتبر من أبرز أدوات “حزب الله” وفق رجب، فـ”الحزب” يتعامل مع معارضيه بذات الأسلوب القمعي الذي تعامل به تنظيم “داعش” المتطرف مع معارضيه سابقا، وقد انتقدت العديد من المنظمات الدولية “الحزب” بسبب ممارساته القمعية السياسية والدينية. ففي المناطق التي يتواجد فيها يقوم بمراقبة الناس والتضييق عليهم، ويستخدم العنف والترهيب ضد المعارضين والمنتقدين له.

السيطرة على الاقتصاد اللبناني تعتبر من أبرز الانتهاكات التي يقوم بها “الحزب”، حيث يتحكم في عدد كبير من الأعمال التجارية والصناعية في لبنان، بما في ذلك التجارة غير الشرعية والمخدرات، وتوجد شبهات بأن “الحزب” يستخدم تلك الأعمال لتمويل أنشطته وتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية.

علي رجب لـ”الحل نت”.

التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى مثل العراق واليمن وسوريا، أيضا يعتبره رجب من التجاوزات التي يمارسها “الحزب”، والذي يعتبر ذراع إيران اليمنى في المنطقة، ويتمثل هذا التدخل في تزويد الميليشيات المتحالفة مع “الحزب” بالأسلحة والمال والتدريب، ويتم استخدام هذه الميليشيات لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية تخدم مصالح “الحزب” بالأخير.

الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين في لبنان تُعد هي الأخرى من أبرز التجاوزات لميليشيا “حزب الله”، حيث تشهد العديد من المناطق اللبنانية التي ينتشر فيها “الحزب” تواجد عدد كبير من اللاجئين السوريين، وقد تم اتهام “الحزب” بارتكاب انتهاكات عديدة ضدهم، تم توثيقها من قبل منظمات حقوقية لبنانية على مدى السنوات الأخيرة الماضية.

تفاوت بين القادة والعناصر

العديد من مقاتلي “حزب الله” وعائلاتهم يعانون من فقر وصعوبات معيشية كبيرة جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة في كلا من لبنان وسوريا، بينما يتمتع قادة “الحزب” بثروات هائلة ونمط حياة مرفه، وبحسب رجب، يمكن أن تؤدي هذه الفجوة بينهم إلى تفاقم الانقسامات داخل “الحزب” وخفض مستوى الدعم الذي يتلقاه من قبل أتباعه. كما أنها قد تؤثر على قدرة المقاتلين على الاستمرار في القتال والتحرك والتنقل بسبب نقص الموارد والمساعدات المادية التي يحتاجون إليها لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

اقرأ أيضا: بين المساوامات السياسية وتعنت ميليشيا “حزب الله” العراقي.. سكان “جرف الصخر” إلى أين؟

علاوة على ذلك، فإن التفاوت الكبير في الثروات والموارد بين قادة “الحزب” ومقاتليه، أدى إلى تدهور السمعة العامة له، يقول رجب، بأن نسبة كبيرة من مؤيديه باتوا ينظرون له بنظرة دونية، بسبب هذا التفاوت الواضح سواء في العلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية، وفق تعبيره.

بشكل عام، يمكن القول إن تفاوت الظروف المعيشية بين قادة “حزب الله” ومقاتليه وأتباعه باتت تمثل تحديا كبيرا أمام “الحزب” وقدرته على الحفاظ على وحدته والاستمرار بإقناع مؤيديه بشعار “المقاومة” الزائف الذي لطالما استغلهم به على مدى سنوات طويلة، وهذا الأمر بالتحديد سيفقده الكثير سواء من الناحية المعنوية أو المادية. من وجهة نظر رجب.

كشف المستور

إن انكشاف الفوارق في صفوف “حزب الله” بين عناصره وقاداته وممارساته أثر بشكل كبير على صورته وسمعته في لبنان وعلى الصعيد الدولي أيضا، بحسب حديث المحلل السياسي علي رجب، فقد عرت هذه الفوارق حقيقة “الحزب” الذي يظهر نفسه ككيان يعمل في خدمة الفقراء والمحرومين ويحارب الفساد والظلم الاجتماعي، بينما هو عكس ذلك تماما، والدليل هو الثراء والرفاهية التي يتمتع بها بعض قادته ومسؤوليه في الخارج، في الوقت الذي يقتل فيه قاداته وعناصره الميدانيين في سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أثرت هذه الفوارق على تحالفات “حزب الله” في لبنان وخارجه، وزادت من حدة الانتقادات التي وجهتها بعض الأطراف لـ”الحزب”، والتي ركزت على انتهاكاته لحقوق الإنسان واستغلاله للموارد الاقتصادية والسياسية لتحقيق أهدافه الخاصة.

دوليا، قد أثارت هذه الفوارق مخاوف المجتمع الدولي حيال تمويل الحزب لأنشطته وانتشار نفوذه في العديد من الدول وخاصة في أميركا اللاتينية، وخاصة بعد تصنيف بعض الدول لـ”حزب الله” كمنظمة إرهابية.

بشكل عام، فقد أثرت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية داخل “حزب الله” على صورته ومصداقيته في العيون العامة، وزادت من الضغوط الداخلية والخارجية على “الحزب” للتغيير والإصلاح، إلا أن الأخير يتعنت في ذلك، وهو ما قد يكسبه المزيد من الخسائر على كافة الأصعدة.

آثارها على لبنان والمنطقة

الفوارق بين داخل “حزب الله” والتحولات التي طرأت على ديناميكياته الداخلية إلى يمكن أن تؤثر على الصراعات السياسية والاجتماعية في لبنان والمنطقة أوسع بعدة طرق، بحسب رجب، إذ ممكن أن تؤدي هذه الفوارق إلى تفاقم الانقسامات داخل “الحزب”، مما يؤثر على قدرته على تنفيذ أجندته السياسية في لبنان.

هذه الفوارق قد تؤدي إلى تفاقم الصراعات بين الطوائف المختلفة في لبنان، خاصة بين الشيعة والسنة، وقد تؤدي إلى تحول الصراعات السياسية إلى صراعات دينية، حيث ستدخل البلد في دوامة لن يخرج منها مطلقا، وفق رجب، وأيضا قد تؤثر هذه الفوارق على صورة “حزب الله” وسمعته في الداخل والخارج أمام مؤيديه، وقد تدفع بعض الدول إلى تصعيد الضغط عليه بمزيد من الحظر والعقوبات.

يضيف رجب هنا، بأنه ممكن أن تؤدي أيضا إلى انتفاضات واحتجاجات داخل لبنان وخارجه، خاصة إذا تبين أن الفساد والاختلاسات التي يقوم بها قادة “الحزب” قد تمت بتبرعات من الناس ومناطق فقيرة في داخل لبنان أو في الخارج، وقد تتفاقم إلى خلافات داخلية أكبر داخل المجتمع الشيعي، والتي قد تؤدي إلى تشكل تيارات شيعية جديدة تتنافس على النفوذ مع “حزب الله”.

أخيرا، تُمثل دول أميركا اللاتينية “الكنز الخفي” لـ”حزب الله” اللبناني، فتعتبر السوق الرائج له في تجارة المخدرات وغسيل الأموال، كما تُصنف من أهم مصادر تمويل نشاطاته، التي لم تعد مخفية حتى من قبل قيادات الحزب نفسه، إلا إنه مؤخرا ازداد الضغط على تقيد عمليات “الحزب” المالية من قبل الولايات المتحدة، بسبب قانون مكافحة تمويل “حزب الله” دوليا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

المزيد من مقالات حول ملفات ساخنة