في الوقت الذي يضيق فيه الخناق على النساء الإيرانيات بقرارات صارمة تتعلق بالحجاب، يلجأ النظام الإيراني إلى التكنولوجيا الصينية لمحاصرتهن والتضييق عليهن من خلال مراقبة مدى التزامهن بقواعد اللباس المفروض في البلاد، ومع الإعلان عن تطبيق “خطة الحجاب” بكاميرات المراقبة السبت الفائت، يدخل قمع حرية المرأة في إيران مرحلة جديدة.

تقرير نشره موقع  “وايرد”  المتخصص بالتكنولوجيا، يقول فيه بأن أجهزة الأمن الإيرانية  تقوم باعتقال النساء حتى بعد عدة أيام من مخالفتهن لقواعد اللباس، حيث يجري تتبعهن ورصدهن باستخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه الصينية المنشأ، ليصار إلى اعتقالهن.

الكاميرات التي قررت إيران نصبها في الشوارع، لتحل محل “شرطة الأخلاق” لرصد النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب قصد متابعتهن، واعتقالهن، مصنوعة في الصين، حسبما نقله تقرير لوكالة “يورونيوز” عن كريغ سينغلتون العضو في مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات” ومقرها الولايات المتحدة، حيث يقول سينغلتون “يشتبه بشدة في أن تلك الكاميرات عالية التقنية جاءت فعلا من الصين”.

النساء اللاتي تصورهن تلك الكاميرات من دون حجاب ستُرسل لهن “رسالة نصية تحذيرية”، قبل معاقبتهن في حال تكرار ذلك، وفقا لما يقتضيه التشريع الإيراني المتشدد بالخصوص، بحسب سينغلتون.

ليست جديدة

الأدوات الإلكترونية لعبت دورا مركزيا في حملة النظام الإيراني القمعية على الاحتجاجات الداخلية المعارضة العام الماضي، حيث استخدم النظام الإيراني، مراقبة الهواتف المحمولة والإنترنت لتحديد المتظاهرين البارزين واعتقالهم. وبحسب ما ورد في تقارير صحفية، باعت بكين لطهران نظام مراقبة قويا قادرا على مراقبة اتصالات الخطوط الأرضية والهواتف المحمولة والإنترنت.

زيارة  الرئيس الصيني إلى إيران (رويترز)
زيارة الرئيس الصيني إلى إيران (رويترز)

أنظمة التعرف على الوجه على نطاق واسع ليس لها تاريخ في إيران، وهي آلية إذا لم يوفرها الصينيون لطهران، فمن المحتمل أن يكون من المستحيل تنفيذها، وتشتهر بكين بإنتاج واستخدام تقنيات المراقبة ضد مواطنيها، وتظهر أحدث التقديرات أنه تم تركيب أكثر من 540 مليون كاميرا في المدن الصينية. وفقا لموقع “إيران وير”.

قد يهمك: طهران تعيد فرض الحجاب والتكنولوجيا الصينية حاضرة.. ما تأثير ذلك؟

بكين ساعدت النظام الإيراني على بناء نظام مراقبة معقد بفضل اتفاقية تعاون سرية مدتها 25 عاما تم إبرامها في عام 2021، حيث وفرت له عدة شركات صينية، تقنية التعرف على الوجوه خلال معاينة فيديو الحشود، ومتابعة الهواتف والرصد، بينما تلقى مسؤولون إيرانيون تدريبات على مسائل التحكم في الجماهير مثل “التلاعب بالرأي العام”.

من جهتها تقول ميلودي كاظمي من منظمة “فيلتر واتش”، وهي مجموعة متابعة للرقابة على الإنترنت في إيران، بأنه “تستمر التكنولوجيا في تقييد حركة النساء في إيران وتمنعهن من التمتع بالحريات الأساسية، مثل الذهاب إلى الأماكن التي يرغبن فيها أو ارتداء الملابس كما يحلو لهن، وتساهم في معاملتهم كمواطنات من الدرجة الثانية، مما يضع النساء عرضة للاعتقال أو الترهيب والتحرش”.

بينما يعلق هنا سينغلتون بأن التكنولوجيا التي توفرها بكين ستساعد النظام الديني في إيران على تشديد الخناق أكثر على النساء، ويؤكد أنه في الوقت الحالي، تبدو هذه التقنيات ضرورية، وإن كانت غير كافية، للأنظمة الاستبدادية مثل إيران للقضاء تماما على جميع أشكال المعارضة.

الاستبداد الصيني

العمل الوثيق بين الصين وإيران تحكمه المصالح وخاصة المالية، حيث تريد الصين من وراء ذلك تجربة تقنياتها خارج حدودها، إذ تشترك شركات المراقبة الصينية، مثل “تياندي” و”هيكفيغن” و”داهوا”، باهتمام كبير في البحث عن أسواق جديدة خارج الصين الرئيسية، التي أصبحت بالفعل “مشبعة” بأنظمة المراقبة المتطفلة، وفقا لسينغلتون.

جزء من تلك الجهود تكمن في اختبار ما إذا كان يمكن نشر التكنولوجيا الصينية في الخارج، يقول سينغلتون في الصدد “لقد تحولت إيران إلى حاضنة في الشرق الأوسط للاستبداد التكنولوجي الصيني، مما يسمح للشركات الصينية تجريب عملها في الخارج لتحديد مدى توافق منتجاتها مع الشبكات غير الصينية، كما أن هناك دوافع جيوسياسية أيضا، حيث تعتمد طموحات بكين جزئيا على تفوقها التكنولوجي”.

العديد من المعدات عالية التقنية تم تطويرها أثناء قمع الصين لمسلمي الإيغور والأقليات العرقية الأخرى، وهو ما تصفه الولايات المتحدة بأنه عملية “إبادة جماعية”، وشملت مراقبة النشاط على الهواتف الذكية وجمع البيانات الحيوية، بما في ذلك الحمض النووي وفصيلة الدم وبصمات الأصابع وتسجيلات الصوت وفحوصات تعابير الوجه، وفقا لموقع “الحرة”.

من جهتها نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن تصدير معدات الفيديو من الصين إلى إيران قد تضاعف في عام 2022، وفي كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، وضعت الولايات المتحدة شركة “تياندي” على قائمة العقوبات لبيعها كاميرات المراقبة لـ”الحرس الثوري” الإيراني. قبل ذلك، أعرب النائب الجمهوري، ماركو روبيو، عن قلقه من استخدام منتجات “تياندي” ضد المتظاهرين داخل إيران.

اقرأ أيضا: بين ثنائية السياسة والدين.. الحجاب يُثير الجدل في إيران

في كانون الثاني/يناير2023، وضع الاتحاد الأوروبي شركة “راديس ويرا تجارت” الممثل الرسمي لشركة “تياندي” في إيران، ومديرها التنفيذي على قائمة العقوبات المتعلقة بمنتهكي حقوق الإنسان، وكانت “إن بي سي” الأميركية قد نشرت، قبل ذلك، تقريرا عن عقد مدته خمس سنوات بين “تياندي” ومؤسسات النظام الإيراني.

رمزية الحجاب

بلا شك أن التعاون ما بين الصين وإيران هو تعاون متزايد ومطرد قائم على اتفاقية استراتيجية كبرى شاملة مدتها 25 عاما، هذه الاتفاقية منذ أن وقعت ربما لم تكن واضحة بالقدر الكافي، لكن زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى الصين مؤخرا، كشفت أن هذه الاتفاقية في طور الاتفاقيات سواء على الجانب الاقتصادي أو في جانب التعامل في المجال النفطي والغاز أو حتى على الجانب الأمني وهذا مهم جدا، بحسب حديث المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني محمد عبادي لـ”الحل نت”.

لذلك إيران تستغل هذه الاتفاقية في استغلال الخبرة الأمنية الصينية في التعامل مع مواطنيها وبالطبع إيران لا ينقصها أن تكون واحدة من أكبر الدول القمعية في العالم فيما يتعلق بحرية الرأي والمواطنين. يعتقد عبادي بأن طهران لو تحتاج لخبرة لقمع الشعب الإيراني بأن الخيار المناسب لها سيكون الصين بناءا على الاتفاقية أو بناء على التلاقي الفكري ما بين الطرفين بأنهم يأمنون بأنه “لا حرية للشعوب وأن الناس يجب أن تطبق ما تراه القيادة الحاكمة”.

فيما يتعلق بالحجاب، يقول عبادي، بأن “إيران لديها موقف من قضية الحجاب وخاصة بعد الانتفاضة الأخيرة التي اندلعت بعد مقتل الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق بتهمة أنها لا ترتدي الحجاب بشكل كاف، لذلك كانت هذه الأزمة شرارة انطلاقة الثورة في إيران والتي استمرت لشهور وطعنت بشرعية نظام ولاية الفقيه”.

لا يمكن أن تكون التظاهرات في إيران في النهاية من أجل خلع الحجاب أو من أجل ارتدائه، بحسب عبادي، حيث أن رمزية خلع الحجاب كانت خطوة وإجراء احتجاجي رمزي للطعن في إيديولوجية النظام وليس الهدف منه، هو خلع النساء الإيرانيات للحجاب.

لذلك يحاول النظام الإيراني في التعامل مع هذه القضية أن يسيطر على الظاهرة حتى لا تكون طعن في شرعيته وطعن في إيديولوجية، لكن هو يعلم تمام العلم أن هذه الأزمة الكبيرة في إيران أزمة ممتدة وعميقة. أزمة اجتماعية وأزمة اقتصادية وأزمة متعلقة بسلطوية النظام. لذلك الأمر أبعد من قضية الحجاب. ويعتقد عبادي بأن التحدي الأهم أمام النظام الإيراني هو الاقتصاد وليس فرض أو إجبار الحجاب.

في النهاية مسألة الحجاب هي خطوة رمزية من قبل المحتجين. الاقتصاد هو الأساس، السلطوية هي الأساس. حيث يرى مراقبون بأن النظام الإيراني ليس لديه القدرة على أن يعطي الشعب الإيراني مستحقاته وليس قادرا على تحسين أوضاعه الاقتصادية المتهالكة وخاصة مع العقوبات الدولية المفروضة عليه، إذ لاتزال طهران تبحث عن مخرج لأزمتها الاقتصادية الكبرى إلى الآن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول ملفات ساخنة