بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2022، ارتفعت التجارة الثنائية بنحو 44.9 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021. بشكل عام في عام 2022، ارتفع حجم التجارة بين روسيا وإيران بنسبة 20 بالمئة ووصل إلى حوالي 4.9 مليار دولار أمريكي، حسب موقع “Russia Briefing”. وتتأمل الدولتان بلوغها مستوى 40 مليار دولار خلال السنوات القادمة ضمن جهودهما للقفز على خدمة الرسائل المصرفية “سويفت”، مع ابتداع الطرق للتهرب من العقوبات المفروضة على كلتا الدولتين، اللتان نالتا بجدارة صفة الدولة المنبوذة عالميا.

سابقا، فشل الأباطرة والبلشفيين الروس في الوصول إلى مياه الخليج العربي والمحيط الهندي. وحاليا يوفر  النظام الإيراني لشبيهه في موسكو فرص أكبر في الوصول إلى هذه المياه، من خلال ممر شمال – جنوب، ضمن جهود الدولتين للتهرب من العقوبات المفروضة عليهما، وضمن سياستهما المشتركة للتوجه شرقاً، للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى، وإلى السوق الهندية، الشريك الأهم لروسيا، والتي لم تنضم للعقوبات المفروضة على الأخيرة. 

فبالنسبة لموسكو، اكتسب تعزيز علاقاتها مع إيران أهمية خاصة، بعد أن قيدت العقوبات الغربية قدرتها على التعاون الدولي. فالإدانة العالمية للحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا قللت من خيارات بوتين وأجبرته على العمل مع الدول التي هي في وضع مماثل لروسيا. قبل الحرب، كان لروسيا شركاء أكثر جاذبية من إيران. كانت التجارة والأعمال مع أوروبا والولايات المتحدة أكثر ربحية. وبحسب أحد الخبراء الروس “قبل الصراع في أوكرانيا، لم يكن لدى السلطات الروسية خارج الوكالات الحكومية الموجهة نحو السياسة الخارجية، مثل الشركات الحكومية والخاصة، سبب وجيه للتعاون مع شركائها الإيرانيين. والآن أصبحت إيران من بين أفضل الخيارات المتاحة والمرغوبة للتعاون الدولي”. ووفقا لمستشار المرشد الأعلى الإيراني “العقوبات هي السياق الذي يسهل التعاون بين روسيا وإيران”.

منذ الأشهر الأولى لحربها العدوانية على أوكرانيا، تجري موسكو اتصالا وثيقا مع طهران لمناقشة كيفية تجارة النفط في ظل العقوبات. وبحسب رويترز، نقلا عن الجزيرة انكليزية، فإن الجانب الروسي يريد معرفة كيفية تعامل إيران مع النقل والتجارة والبنوك، مع مناقشتهما لإنشاء شركات وبنوك وصناديق مشتركة.

لقاء المنبوذين

“روسيا تبحث عن طرق بديلة لاستخدامها كلما تعرضت للضغوط، إيران هي أحد الطرق. إن مسار الموانئ الجنوبية الإيرانية أكثر فعالية من حيث التكلفة للأغراض التجارية من دخول البحر الأبيض المتوسط من البحر الأسود أو من قناة السويس. إن الوصول إلى دول أفريقيا وجنوب شرق آسيا أكثر فعالية من حيث التكلفة من طريق إيران إلى روسيا، والتي يمكن أن تزيد من قوتها التجارية” حسب نائب الأمين العام لبيت “سامات”، عرمان خالقي في إيلنا الاقتصادي.

مضيفا، “هناك طريق بحري بين إيران وروسيا دون وسطاء من دول أخرى، ويمكن للروس شحن بضائعهم العابرة إلى موانئ أنزلي وأمير آباد وغيرها. نظرا لأن بندر أنزلي قريب من القضبان، فمن الممكن نقل البضائع مباشرة عبر خطوط السكك الحديدية وإلى الموانئ الجنوبية لإيران ومن هناك إلى وجهات التصدير الروسية الأخرى.

مؤخرا، وصل إيغور لويتين، المساعد الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى طهران لإجراء لقاءات اقتصادية، سيلتقي خلالها كلا من محمد مخبر النائب الأول للرئيس الإيراني، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأدميرال علي شمخاني ووزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بذرباش.

الباحث في مركز “الحوار السوري”، محمد نذير سالم، يؤكد على دور إيران الجوهري في مساعدة روسيا الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها. مضيفا لها الهند والصين، الساعيتان بقوة للحصول على نفط روسي رخيص. وهو ما يؤدي بالنتيجة لإفادة موسكو أيضا. وبالنسبة للخدمات الإيرانية للاقتصاد الروسي المختنق بالعقوبات، تقدمها إيران ضمن منهج تحديها المستمر والتراكمي للهيمنة الغربية على العالم. موضحا ذلك بعملية بيع/نقل المسيرات الإيرانية لدعم روسيا في حربها العدوانية على أوكرانيا.

ويضيف سالم في حديثه “للحل نت”، كانت طهران أكثر تحمسا لممر شمال جنوب من روسيا، والتي زادت حماستها للممر بعد تعرضها للعقوبات. ولهذا الممر فوائد تجارية لعدد كبير من الدول، وسيكون ممر بري بالدرجة الاولى مع بعض الممرات البحرية للتبادل التجاري بين هذه الدول، وبالتالي بين إيران وروسيا. وتنبع أهميتها لدى الأخيرتين من صعوبة الرقابة عليه بريا، بمعنى خروجه عن نطاق العقوبات وعدم إمكانية إخضاعه للرقابة الشديدة، مما يسهل عمليات تمرير شحنات الأسلحة من خلاله. ويبقى اعتباره رئة للاقتصاد الروسي المختنق سؤال اقتصادي صعب الاجابة حاليا، فمسألة اعتبار السوق الآسيوية التي ينتهي إليها ممر شمال جنوب بديلا عن سوق الطاقة الأوروبي الذي خسرته روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، مسألة مشكوك فيها. فكما ذكرنا أنفا، هذه الدول تشتري النفط الروسي بأسعار رخيصة، يساعد روسيا على التفلت من العقوبات والتخفيف من وطأتها، دون أن يعوضها عن خسارة السوق الأوروبي.

ممر شمال-جنوب، هو مشروع نقل دولي تم التوقيع على الوثيقة الأولى لإنشائه عام 2000، من قبل كلا من إيران والهند وروسيا. وفي عام 2016، انضمت للمشروع كلا من سلطنة عُمان، وتركيا، كازاخستان، أرمينيا، قرغيزستان، طاجيكستان، بيلاروسيا، أوكرانيا، سوريا، وبلغاريا. ويتكون الممر من شبكة خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية يبلغ طولها 7200 كيلومتر، ويبدأ من بومباي في الهند ليربط المحيط الهندي ومنطقة الخليج مع بحر قزوين مرورا بإيران، ومنها إلى سان بطرسبرغ الروسية، ثم إلى شمال أوروبا، وصولا إلى العاصمة الفنلندية.

بينما تضع إيران اللمسات الأخيرة على النقاشات الجارية حول شراء الغاز الروسي وإجراء ترتيبات التبادل، ضمن مساعيها لاحتلال المركز الإقليمي للغاز. لذا تقتنص الفرصة الحالية (عزلة روسيا) للعب دور أكثر نشاطا في إعادة تصدير الغاز الروسي، بعد تحرير جزء منه للاستخدام الداخلي.

وبحسب الأكاديمي والخبير بالشأن الروسي، ديمتري بريجع، فإن العلاقات بين روسيا وإيران كانت دائما وثيقة في السياسة والاقتصاد، ولكن يتطلب التحقق من أي معلومات جديدة بشأن مساعدة طهران لموسكو في مسألة التهرب من العقوبات. إيران تساعد روسيا بالفعل وفي الكثير من الاقتصادية وحتى الأمور العسكرية المرتبطة بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، حيث هناك اتفاقيات عسكرية بين روسيا وإيران التي من هدفها تعزيز القدرات العسكرية لروسيا وإيران.

بريجع في حديثه “للحل نت” يخالف سالم بالقول، بأن ممر شمال-جنوب، هو مسار بحري يمر عبر المحيط القطبي الشمالي، والذي يربط بين الموانئ الآسيوية والأوروبية. ولكن ينبغي الانتباه إلى أن هذا الممر ليس ممرا بريا (ممر شمال جنوب له ثلاث مسارات منها برية ومنها بحرية، ويبدو كل ضيف يتحدث عن رؤيته لمسار من مسارات الممر)، وبالتالي لا يمكن أن يكون ممرا للاقتصاد الروسي المختنق بالعقوبات. ومع ذلك، فإن الممر شمال-جنوب يعد ممرًا هامًا للتجارة الدولية، ويمكن أن يساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول.

جمعتهم العقوبات؟

 في كانون الثاني/يناير الماضي، وقع البنكان المركزيان في إيران وروسيا اتفاقا لربط أنظمة الاتصالات والتحويل الوطنية بين البنوك للمساعدة في تعزيز التجارة وتسهيل المعاملات المصرفية في الاتجاهين، وفقا لموقع أخبار غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية

بموجب الاتفاق، سيستخدم 52 فرعا للبنوك الإيرانية وأربعة بنوك أجنبية لم يذكر اسمها نظام الاتصالات المحلي بين البنوك الإيرانية، المعروف روسيا باسم SPFS وإيرانيا باسم SEPAM، للتواصل مع 106 بنوك باستخدام النظام الروسي لنقل الرسائل المالية.

SPFS هو المقابل الروسي لنظام التحويل المالي SWIFT طوره البنك المركزي الروسي وعمل به منذ عام 2014 عندما هددت واشنطن بفصل موسكو عن نظام سويفت، نتيجة لاحتلالها شبه جزيرة القرم. وبحسب فلاديسلاف جريشين، الذي وقع الاتفاق مع الجانب الإيراني نيابة عن البنك المركزي الروسي، أن الاتفاقية ستساعد في تعزيز التجارة الثنائية ومن السمات المميزة لها أنه لا يمكن فرض عقوبات عليها.  وتأمل الدولتان، روسيا وإيران، من خلال الاتفاق المذكور، القفز على العقوبات المفروضة عليهما 

“تتحول وزارة النفط الإيرانية من التنافس إلى التعاون التفاعلي مع روسيا، ويمكن لمثل هذا التعاون أن يساعدنا في تحقيق هدفنا المتمثل في دبلوماسية الطاقة”، حسب حسين حسين حسينده، عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني. 

وكانت شركة “غازبروم” الروسية قد وقعت مع شركة النفط الوطنية الإيرانية مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار لمشاريع النفط والغاز والتعاون التكنولوجي، خلال زيارة الرئيس الروسي إلى طهران صيف العام الماضي، وهي الزيارة الخارجية الوحيدة التي أجراها بوتين بعد حربه العدوانية على أوكرانيا.

من الممكن أن يحدث تحول في العلاقات بين الروسية الإيرانية من العلاقة التنافسية إلى العلاقة التشاركية أو تفهم الآخر في مجال الطاقة، حسب بريجع، خاصة إذا تم التركيز على الاستفادة المتبادلة في مجال الطاقة، والتعاون في مجالات أخرى. والأهم توافر الإرادة السياسية من الجانبين لتحقيق هذا التحول في العلاقات بين روسيا وإيران، والتي تتوقف على عدة عوامل، بما في ذلك العوامل السياسية والاقتصادية والتنظيمية..

بدل الانصياع للقانون الدولي وممارسة الرشد السياسي، تخطو موسكو وطهران خطوات مشتركة للالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، نتيجة سلوكهما الزارع للهواجس في محيطهما الجيوسياسي. وبعد أن كانت موسكو منفذ إيران للتهرب من العقوبات المفروضة عليها، قلب الغزو الروسي لأوكرانيا الآية، وأصبحت طهران رئة الاقتصاد الروسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات