تدريجيا يتصاعد الحديث عن الخلاف بين رئيسي الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، و”البرلمان” محمد الحلبوسي، منذ نحو شهر، حول العديد من الملفات، وتفجر ذلك عندما منح الأخير نفسه إجازة 15 يوما، أثناء خوض القوى السياسية داخل وخارج “البرلمان” مفاوضات التصويت على قانون موازنة 2023، التي تسعى حكومة السوداني إلى إقرارها سريعا لحاجتها المالية.

الخلاف تصاعد، بحسب تسريبات سياسية، نتيجة لعدد من القرارات الإدارية التي اتخذها رئيس الوزراء تتعلق بمناصب حكومية وإدارية وأمنية اعتبرها الحلبوسي استهدافا لحزبه “تقدم” الذي يتزعمه، وصولا لقضية إلقاء القبض على عدد من مديري دائرة التسجيل العقاري بمحافظة الأنبار مسقط رأس الحلبوسي، بتهمة التلاعب بأملاك الدولة، وتزوير عشرات الآلاف من سندات الأراضي في المحافظة، لقاء رشاوى بمبالغ كبيرة، بينهم شخصيات مقربة من الحلبوسي.

الأمر الذي دفع الحلبوسي إلى محاولة تعطيل إقرار قانون الموازنة الذي أحالته الحكومة العراقية، إلى “البرلمان” منتصف الشهر الماضي، موازنة ثلاث سنوات مالية 2023، 2024، 2025، ما عطل إقراره بسبب تلك الخلافات التي لم تفلح الأطراف السياسية بحلها رغم المحاولات المتعددة، بحسب التسريبات، وهو ما أثار مخاوف أن يأخذ هذا الخلاف منحنيات ربما تأزم من العملية السياسية، وتفجر الأوضاع في البلاد، على غرار الخلاف الذي شهده عهد حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ورئيس “البرلمان” آنذاك أسامة النجيفي.

لماذا المخاوف من تجدد مشهد المالكي؟

العراق حينها عاش مرحلة من عدم الاستقرار السياسي، الذي تطور إلى تصفية الحسابات وعمليات الإقصاء السياسي الممنهج التي قادها المالكي ضد أغلب قادة المكون السني من الصف الأول، الأمر الذي انتهى باعتقال عدد منهم وملاحقة أخرين، ليتطور الوضع لاستهداف السنة بشكل عام، ما تسبب باندلاع تظاهرات 2013 في المحافظات السنية الستة غرب البلاد، وتستمر الاعتصامات لأكثر من عام، قبل أن يدخل البلاد إثر ذلك إلى نفق “داعش” الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد في حزيران/يونيو 2014 بشكل دراماتيكي، قبل أن تقتحم القوات الأمنية بأمر من المالكي ساحات الاعتصام وتنهيها بالقوة، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى.

اقرأ/ي أيضا: متخصصة بتبييض الأموال وتجارة المخدرات.. ما مصلحة الصين من دعم الكارتلات المكسيكية؟

مع خلاف السوداني والحلبوسي، يحذر البعض من أن ذلك قد ينتهي بأحد الخيارين، أما لجوء القوى السياسية للاتفاق على استبدال أحدهما بشخصية ثانية، وهنا المرشح للإقالة الحلبوسي بحكم العملية السياسية التي تتمتع القوى الشيعية فيها بالأغلبية، أو انزلاق الأوضاع إلى ما لا يحمد عقباه، ما يضع البلاد والعملية السياسية أمام تحد كبير.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي علي البيدر، إنه لا يمكن تسمية ما يحصل بين السوداني والحلبوسي، على أنه خلاف إذا ما تم النظر إلى الخلاف السابق بين رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس “البرلمان” الأسبق أسامة النجيفي، والذي انتهى باستباحة تنظيم “داعش” للكثير من مناطق العراق.

البيدر أضاف، أنه ربما هناك إشكالية تتعلق بفهم صلاحيات كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية، فكل طرف يسعى لأن تكون صلاحياته أكبر فيما يتعلق بتمشية أمور مؤسسات الدولة.

لذا بحسب البيدر الذي تحدث لموقع “الحل نت”، فإن الأزمة تم وأدها؛ خصوصا وأن هناك بيئة سياسية لا تسمح بصناعة أزمة جديدة، بخاصة وأن هذه الأزمة وصلت إلى نقطتها الصفرية ولم يعد لها وجود بأي شكل من الأشكال. 

الفوضى سبب الخلاف

البيدر رأى، أن سبب الخلاف هي حالة الفوضى التي كانت تعيشها البلاد إبان حقبة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، التي أنتجت حالة مشوهة لتنظيم عمل السلطتين، لذلك عمل السوداني على صناعة مرحلة جديدة، ووقف بجنبه الحلبوسي، مع مراعاة أن كل شخص يحترم خصوصية الموقع الذي يتواجد به ويعمل على مفهوم بناء الدولة وفق الإمكانيات المتاحة له.

السوداني والحلبوسي من جلسة التصويت على الحكومة/ المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية

إلى ذلك لفت المحلل السياسي العراقي، إلى وجود جهات سياسية سنية وشيعية تعمل على دفع المشهد السياسي بالضد من الحلبوسي، مبينا أنه بالنسبة للسنة؛ فهم يريدون تحجيمه نتيجة نجاحاته في الشارع السني على حسابهم، وتصدره للمشهد هناك، أما شيعيا فتلك الأطراف تعمل على إضعاف الحلبوسي، بهدف تشويه إدارة البلاد، واختزال إدارتها للسلطة التنفيذية وإبعاد ظهور “البرلمان”، وهذا ما يرفضه الحلبوسي.

اقرأ/ي أيضا: اقتصادات الخليج في 2023.. لماذا يتراجع النمو؟

البيدر تابع، أن تلك الجهات تعتاش على الفوضى؛ لأنه لن يكون لها أي دور في حال استقرار المشهد السياسي مثلما يحدث اليوم، لذا عند تخبطها تفتعل الشائعات دوما.

في غضون ذلك، تحدثت مصادر سياسية لصحيفة “العربي الجديد”، بأن الخلاف سببه، منح السوداني تحالف “العزم” الذي يرأسه مثنى السامرائي، والحليف لـ “الإطار التنسيقي”، مناصب وامتيازات، على اعتبار أنه الكتلة السنية الأكبر، على الرغم من أن تحالف “السيادة” هو من يمتلك أكبر عدد مقاعد في “البرلمان” عن المحافظات الشمالية والغربية، وبواقع ضعف ما يمتلكه تحالف “العزم”.

استمرارا لذلك، احتدم الخلاف أكثر بعد ملاحظة الحلبوسي وجود تمييز كبير في التخصيصات المالية للمحافظات المحررة من سيطرة “داعش” والمحافظات الأخرى، إلى جانب التنصل عن وعود تتعلق بتخصيصات “صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة”، وكذلك ملف إنهاء ملف النازحين والمدن التي تستولي عليها الفصائل المسلحة، ومساعي السوداني استبدال محافظي الأنبار ونينوى المحسوبين على الحلبوسي، بحسب المصادر.

تحالفات هشة

بالتالي إن “اعتراضات الحلبوسي اعتبرها السوداني على أنها تدخل من السلطة التشريعية في عمل حكومته، وطرح ذلك بشكل علني في آخر اجتماع لائتلاف إدارة الدولة”، الذي يضم جميع القوى السياسية من تحالف “الإطار التنسيقي” والقوى السنية، والحزبين الكرديين “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، والذي تشكلت الحكومة باتفاقه على ورقة سياسية تضمن لجميع الأطراف السياسية تحقيق مطالبها.

في المقابل، علق رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري، على ما يحدث بين السوداني والحلبوسي، بالقول إنه من غير المتوقع أن يكون هناك خلاف بين السوداني والحلبوسي، خصوصا أنه كان يفترض على ائتلاف “إدارة الدولة” أن يكون أكثر تماسكا، وبالتالي وجود هذا الخلاف يؤشر أن هذا الائتلاف كان ائتلافا مصلحيا مرحليا لا يهتم بالوعود التي أطلقها.

وبين الشمري خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أن الخلاف بين السوداني والحلبوسي، ستكون له ارتدادات كبيرة، منها تراكم الاعتقاد بأن هذه الطبقة السياسية لن تنتج أي حلول لأزمات ومشاكل العراق، وفشل السلطتين التشريعية والتنفيذية في التقدم بما يرتبط بالمساحات مختلف عن الأداء السابق، إضافة الى انهيار ائتلاف “إدارة الدولة”، فهذا الأمر أصبح شبه مؤكد، حتى وإن لم يعلن ذلك رسميا حتى الساعة.

كما أضاف، أن عدم حل الخلاف بين رئيسي الوزراء و”البرلمان”، سيدفع القوى السياسية لإقالة أحدهما لإنهاء هذا الصراع، الذي يمكن أن يتسبب بمشاكل كبيرة وخطيرة، الحلبوسي هو الأضعف، ولهذا يمكن جدا إقالته، مشيرا إلى أن الحراك لإقالته أصبح واضحا من خلال تهديدات يطلقها بعض قيادات “الإطار” والمنصات الإعلامية المدعومة من قبل أطراف “الإطار”.

في ظل هذا المشهد، يبدو أن العملية السياسية في العراق ما لم يتم حل الخلاف بين رئيسي الحكومة و”البرلمان” في طريقها إلى الدخول لنفق مظلم جديد، وذلك بعد أن تشكلت من بعد عسر طويل، الأمر الذي قد يدخل البلاد في عدم استقرار لن ينتفع منه طرف سياسي أو مدني.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات