تزامنا مع الانهيار الاقتصادي المتواصل في سوريا، واستمرار انخفاض قيمة الليرة السورية، أصبح كل ارتفاع في أسعار السلع والخدمات الأساسية في البلاد، يشكل عبئا إضافيا على السوريين، في وقت لم يعد فيه راتب الموظف الحكومي يكفيه لأيام قليلة من الشهر.

مع قدوم فصل الصيف يبدأ السوريون عادة في غسل وتنظيف أساس المنزل، لا سيما السجاد المستخدم خلال فصل الشتاء، وهي خدمة تقدمها عادة محلات متخصصة في غسل السجاد، إلا أن ارتفاع الأسعار هذا العام، دفع العديد من العائلات إلى غسل السجاد في المنزل أو تأجيل العملية إلى الشتاء القادم.

عبئ إضافي

موقع “أثر برس” المحلي، نقل عن أصحاب هذه المتاجر تأكيدهم أن فترة بداية الصيف، تعتبر “موسم رابح، لكثرة الطلب على غسل السجادات والحرامات”، حيث يقومون باستلام الأمتعة وبعضهم لديه ورشة تنظيف خاصة، وآليات مخصصة لغسيل هذا النوع من الأمتعة.

بحسب تقرير الموقع فقد بلغت تكلفة غسيل السجاد نحو 7 آلاف ليرة سورية للمتر الواحد، وهذا يعني أن السجادة التي تسمى “ستاوية” في سوريا، تبلغ تكلفة غسيلها نحو 41 ألف ليرة، عدا عن أجرة توصيلها، بالتالي فإن كل عائلة ستدفع ربما مبلغ يتجاوز مئتي ألف ليرة سورية (ضعف الحد الأدنى من الراتب الحكومي) لغسيل سجاد المنزل بأكمله.

أما تكلفة غسيل “الحرامات الشتوية”، فتبلغ 25 ألف ليرة سورية للقطعة الواحد بصرف النظر عن حجمها، حيث تقوم الورشات بغسيل هذه الأمتعة عبر غسالات آلية كبيرة. هذا ودفعت هذه الأسعار كثير من العائلات إلى الاستغناء عن هذه الخدمة وغسيل أمتعتها في المنزل.

دلال الأحمد معلمة مدرسة تعمل في دمشق، تؤكد أنها ألغت فكرة غسيل السجاد في ورشة الغسيل هذا العام، بعدما صُدمت بالأسعار، مشيرة إلى أنها ستعود إلى الطريقة القديمة وهي غسل السجاد والحرامات في المنزل.

الأحمد قالت في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “في السابق كانت مساحات المنازل كبيرة وتساعد على غسل السجاد في المنزل، لكن الآن الوضع صعب، ومع هذا الارتفاع الكبير في أسعار غسل السجاد سأضطر لغسلها في المنزل رغم صعوبة الأمر، العملية تحتاج تقريبا نصف مليون ليرة إذا أردت غسل جميع الأمتعة في ورشة الغسيل”.

 رئيس جمعية كي الملابس محمد فراش، أوضح في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، أن الجمعية غير مختصة بتسعير تنظيف السجاد والحرامات بل وظيفتها التسعير على الملابس؛ ولكن صاحب المصبغة يحسب تكلفة غسيل الحرام على حسب حجمه أو متر السجاد، مضيفا، “نحن نترك له حرية تسعيرها حسب التكلفة”.

فراش تحدث عن ارتفاع التكاليف المالية على أصحاب المحلات والورش، حيث ارتفعت الضريبة التي تفرضها وزارة المالية بنسبة 200 بالمئة،  فمن كان يدفع 60 ألف ضريبة محل لعام كامل صار يدفع ما يقارب 2 مليون ليرة مع الفروقات.

الوضع نحو الأسوأ؟

الوضع المعيشي في سوريا يزداد سوء يوما بعد يوم، مع فقدان رواتب الموظفين لقيمتها بسبب انهيار العملة المحلية، فبعض العائلات السورية لا يكفي دخلها الشهري، آجار المنزل، فيما يضطر رب المنزل إلى إيجاد وظيفة أخرى، ومحظوظ من يملك قريب يرسل له باستمرار مبلغ من المال على شكل حوالة خارجية بشكل دوري.

سقف الرواتب الحكومية بحسب صحيفة “الوطن” المحلية، لم يعد يكفي إيجار غرفة في أحد أحياء عشوائيات دمشق، ومع امتداد الأزمة الاقتصادية الخانقة لأكثر من ثلاث سنوات ذهبت أغلب مدّخرات الناس أدراج الرياح، وعليه فإن هذه المرأة تمثّل حال أغلب موظفي القطاع العام، ولا حلول في المدى المنظور.

تقرير الصحيفة المحلية، أكدت أن الراتب التي تدفعه، المؤسسات الحكومية لا يكفي أياما معدودة، بل أصبح لا يكفي مصروف يوم واحد فقط، كما صرح رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، وأحيانا لا يكفي الراتب نفقات نقل وانتقال من مكان السكن إلى مكان العمل، ما يجعل الموظف يفضل الحصول على إجازة بدل الالتحاق بالعمل، وبناء عليه نشهد آلاف طلبات الاستقالة من العمل الوظيفي من أجل البحث عن عمل آخر لدى القطاع الخاص، أو من أجل الهجرة خارج الوطن.

جميع المؤشرات الاقتصادية في سوريا، توحي بأن القادم هو أسوأ، خاصة في ظل استمرار ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وعدم تحسّن الأجور والرواتب، فضلا عن ضعف الأداء الحكومي وترهله، وبالتالي إلى مزيد من خرق القانون وتجاوزه، والمزيد من الفقر الذي سيؤدي إلى زيادة انتشار الجريمة وتفاقمها والمزيد من الفساد والرشاوى العلنية بعد أن كانت سرية وغير معلنة.

مع تدهور قيمة أجور ورواتب القطاعات الحكومية، يلجأ الموظفون في قطاعات الحكومية إلى الاستقالة بشكل كبير خلال السنوات الماضية، الأمر الذي دفع الحكومية إلى التشدد في قبول الاستقالات، حيث وصلت العديد من التعاميم لمؤسسات الحكومة تقضي بمنع قبول الاستقالات، إلا على نطاق ضيق.

بعض التعاميم طالبت القضاء، بتطبيق أحكام المادة 364 من قانون العقوبات المعدلة بمقتضى المرسوم التشريعي ذي الرقم /46/ لعام 1974، بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن الراتب الشهري مع التعويضات لمدة سنة كاملة، كل من ترك عمله أو انقطع عنه من العاملين في الوزارات أو الإدارات أو المؤسسات أو الهيئات العامة أو البلديات أو أي من جهات القطاع العام أو المشترك، قبل صدور الصك القانوني بقبول استقالته من المرجع المختص، وكذلك من عُدَّ من هؤلاء بحكم المستقيل لتركه العمل أو انقطاعه عنه مدة خمسة عشر يوماً.

استقالة أصحاب الكفاءات

نتيجة لتدني الأجور والرواتب في القطاع الحكومي، فقد شهِد الأخير خلال السنوات الماضية، آلاف الاستقالات لأصحاب الكفاءات في مختلف الاختصاصات، ذلك ما اعتبره خبراء، “مؤشرا واضحا على تردي الحالة المعيشية وبحث أصحاب الاستقالات عن فرص عمل بديلة“، محذرا من تحول “لاستقالات إلى ظاهرة تسهم في تفريغ المؤسسات العامة من الخبرات والعاملين الذين لديهم مؤهلات“.

الحكومة في دمشق تقف عاجزة أمام انهيار قيمة الرواتب والأجور أمام المواد الغذائية والسلع الأساسية للأسر السورية، فضلا عن انهيار العملة المحلية، الذي أفقد الرواتب في سوريا نسبة كبيرة من قيمتها، وهذا ما دفع المئات من موظفي المؤسسات الحكومية السورية إلى الاستقالة مؤخرا.

مع تدني قيمة الرواتب والأجور وانهيار العملة المحلية في سوريا، فمتوسط الراتب الحكومي لا يتعدى 150 ألف ليرة سورية ( 20 دولار أميركي) شهريا، وهو لا يكفي مصروف عائلة لبضعة أيام فقط، ومع استمرار ارتفاع الأسعار للسلع والمواد الأساسية، ازدادت الفجوة بين أجور الموظفين، وحجم الإنفاق، الذي لا يساوي سوى 15 بالمئة، من راتب الموظف في أفضل الأحوال.

خبراء وباحثون في الاقتصاد السوري أكدوا في وقت سابق أن الحكومة السورية عاجزة عن تطبيق أية آليات من شأنها تحسين الوضع المعيشي، وهي ترفض الاعتراف بذلك وتقدم الوعود المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، أما بالنسبة لزيادة الرواتب، فتطبيق هكذا قرارات سيكون بمثابة الضربة القاضية لأسعار مختلف السلع والخدمات. 

فزيادة الأجور في المرحلة الحالية ستعني بشكل أو بآخر زيادة الأسعار بنفس النسبة وربما أكثر، وذلك لعدم وجود خطة مجدية تخدم قطاع التجارة والصناعة بما يضمن زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالي تمكين المواطن من شراء المزيد من السلع والخدمات بعد الزيادة.

الحكومة السورية عادة تلجأ إلى زيادة الرواتب والأجور، كنوع من “إبر المخدر” للمواطن، والتي تترافق عادة مع زيادة مماثلة في أسعار السلع والخدمات الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات