رغم انتهاء شهر رمضان وعيد الفطر، لا تزال أسعار اللحوم ومنتجاتها تسلك منحىً تصاعدي في الأسواق السورية، إذ يشتكي مربو الماشية من ارتفاع تكلفة الأعلاف وتحكّم التجار بأسعار المنتجات في ظل غياب مصانع لتصنيع المنتجات الحيوانية في المنطقة، بالإضافة إلى عدم وجود دور رقابي ودعم حكومي في هذا القطاع، مما يفاقم مشاكل وعوائق مربي الثروة الحيوانية.

كل هذه الظروف والمعوقات لابد أن يكون لها تأثير سلبي على مربي الماشية، حيث إن جزءا منهم عزفوا عن مزاولة هذه المهنة وقام آخرون ببيع أجزاء من مواشيهم من الأبقار والأغنام والجاموس، ليتمكنوا من تربية ما تبقى لهم من ماشيتهم وإعالة أُسرهم ولو بالحدود الدنيا. ولا شك أن هذه الأمور تؤثر على المستهلكين أيضا، حيث ترتفع أسعار اللحوم والمنتجات الحيوانية بين فترة وأخرى دون أي محاسبة أو رقابة.

يتحكمون بـ أسعار الحليب

نحو ذلك، اشتكى عدد من مربي الثروة الحيوانية بمنطقة الغاب من غلاء الأعلاف وتحكم تجار الحليب بأسعاره في ظل عدم وجود معامل لتصنيع المنتجات الحيوانية بالمنطقة، موضحين أن ذلك من أبرز المشكلات التي يعانون منها، حسبما توضحه صحيفة “الوطن” المحلية، في تقرير لها نُشر اليوم الأربعاء.

هذا ويرى المربون أن الخدمات التي تقدمها “مديرية الزراعة السورية”، جيدة نوعا ما، في حين بيّن مدير “الثروة الحيوانية بالهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب” الدكتور مصطفى عليوي، أن المديرية بكل كوادرها وفنّييها تتابع الوضع الصحي لقطعان الثروة الحيوانية، وتنفذ حملات وقائية لتحصينها ضد الأمراض.

بحسب عليوي، فإن أعداد الثروة الحيوانية بالغاب، يبلغ نحو 29021 رأسا من الأبقار عند المربين، ونحو 500 رأسا في محطة أبقار جب رملة التابعة للمؤسسة العامة للمباقر، ونحو 256855 رأسا من الأغنام، و97487 رأسا من الماعز، ونحو 604 رؤوس من الجاموس عند المربين، ونحو 210 رؤوس في محطة الجاموس بالهيئة.

الخبراء يرون أن تكاليف الإنتاج للماشية أصبحت كبيرة لدرجة أنها لا تترك هامش ربحٍ للمربي، بالإضافة إلى استغلال التجار لمنتجاتهم وسيطرتهم على الأسعار، وسط غياب الرقابة والتموين وحتى الجانب التسويقي الحكومي من كل هذا، الأمر الذي دفع الكثير من مربي المواشي للعزوف عن المهنة، وكذلك تراجع عدد العاملين في هذا القطاع، لضعف العوائد المادية فيه، وسط غلاء المعيشة.

كذلك، على إثر هذا الغلاء في أسعار اللحوم ومنتجاتها نتيجة استغلال التجار وتحكمهم بالأسعار مما أدى إلى خروج اللحوم بأنواعها عن القدرة الشرائية للمواطن، وسط اتساع الفجوة بين قيمة الرواتب والأجور وأسعار اللحوم الرائجة في الأسواق.

كما وأكد عدد من المواطنين للصحف المحلية في وقت سابق، أنهم تراجعوا عن شراء اللحوم الحمراء والبيضاء أيضا منذ مدة، على حين أوضح أصحاب المحال أن عددا من الزبائن بات يلجأ إلى شراء كميات قليلة تتناسب مع المبلغ الذي يمكن أن يدفعوه.

كما أن العديد من المسؤولين في الحكومة ومنهم رئيس “جمعية اللحامين” أدمون قطيش، كشف في تصريحات سابقة، عن تراجع كميات اللحوم المستهلكة في العاصمة دمشق وعموم سوريا، نظرا لأن الأسعار غير ثابتة ومتغيرة تغيُّرا شبه أسبوعي

غياب الدور الحكومي

عليوي يقول إن المديرية تعمل على تحسين واقع الثروة الحيوانية وتطويره، بما ينعكس على حياة مربيها المعيشية، وأنه من الضروري أن تتخذ الحكومة عدة إجراءات منها زيادة كمية المقنن العلفي للرأس الواحد وفتح دورات علفية باستمرار، وتأمين الوقود من المازوت أو فحم الكوك، للمربين بالسعر المدعوم جزئيا إن أمكن، أو تأمينه بسعر التكلفة.

عليوي أردف أنه يجب على الحكومة زيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل العلفية حسب الخطط الواردة من الوزارة، والتشجيع عليها، بجانب تشجيع الصناعة من المنتجات الحيوانية وخاصة الحليب، نظرا لأهميته وسرعة فساده، وزيادة وحدات التصنيع الريفية القائمة على المنتجات الحيوانية، وفتح أسواق ومعارض لتصريف المنتجات الحيوانية.

المواشي في سوريا- “إنترنت”

العديد من المعنيين والمراقبين صرحوا في وقت سابق أن الحلول موجودة للتغلب على الغلاء والنقص في الأعلاف وغيرها من الأمور اللوجستية لتدعيم الثروة الحيوانية، ولكن الجهات الحكومية لا تأخذ بها، وأولها تشجيع استيراد أعلاف الثروة الحيوانية وتشجيع تربية الأبقار والأغنام من خلال تقديم قروض بدون فوائد للمربين الذين فقدوا قطعانهم، بجانب الحد من عمليات تهريب اللحوم.

إضافة إلى تشجيع الزراعات العلفية، فضلا عن أهمية القيام بصناعات علفية حديثة تعتمد على استثمار المخلفات الزراعية المهدورة وتحويلها إلى مواد علفية، معزّيين ذلك لتدهور العائد من الإنتاج الحيواني إلى غياب معلومات السوق واضطرابات العرض والطلب وعدم وجود رؤية واضحة في هذا الإطار من قِبل الجهات المعنية، كما أن هناك تراجعا واضحا في الصناعات الخاصة بمنتجات الثروة الحيوانية.

“أسعار كاوية”

في سياق الأسعار، فإن كيلو لحم المسوّف بحسب التقارير المحلية، قد وصل إلى 75 ألف، أما سعر لحم العجل فسجّل أيضا 75 ألف ليرة للكيلو الواحد، حيث لم تسجل هذه الأسعار أي انخفاض منذ انتهاء شهر رمضان الفائت، مع وجود اختلافات طفيفة في الأسعار بين محافظة وأخرى.

كما أنه منذ مطلع الأسبوع الماضي سجلت أسعار الفروج ارتفاعات جديدة، حيث وصل سعر كيلو الشرحات إلى 60 ألف ليرة سورية، بعد أن كان لا يتجاوز 52 ألف قبل 15 يوما، كما وصل سعر كيلو الفروج المنظف إلى 35 ألف ليرة بزيادة بلغت 3 آلاف.

زيادة كبيرة بالتكاليف، التي ستؤثر في العملية الإنتاجية في منشأة دواجن طرطوس، بعد توقف “المؤسسة العامة للأعلاف” برفد قطاع الدواجن بالأعلاف، من الذرة وفول الصويا، بسبب عدم توفر الرصيد لدى المؤسسة. وهذا يعني عجز المؤسسة الحكومية في دعم أو تأمين قطاع الدواجن، وهو ما سيؤثر سلبا على الأسعار بالأسواق قريبا.

مدير منشأة  دواجن في محافظة طرطوس، دريد إبراهيم أكد لصحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الثلاثاء، أن تكاليف كبيرة سوف تتكبدها “مؤسسة الدواجن” نتيجة شراء الأعلاف من الأسواق، فطن الصويا في المؤسسة 6 آلاف ليرة بينما تجاوز سعره 8 آلاف ليرة في الأسواق، وبالتالي انخفاض نسبة أرباح المنشأة، مشيرا إلى أن المنشأة ملتزمة بالسعر التمويني لطبق البيض المحدد بـ 23500 ليرة، ولا يمكن زيادة السعر، رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج إلا بقرار من التموين.

هذا وبلغ إنتاج المنشأة خلال الربع الأول من العام الحالي 4 ملايين و130 مليون بيضة بقيمة مليار و465 مليون ليرة، وبلغت قيمة الأرباح 200 مليون ليرة بنسبة تنفيذ 93 بالمئة، ولفت إبراهيم إلى أن انخفاض نسبة التنفيذ من المخطط البالغ 5.4 ملايين بيضة، يعود إلى عدم توفر الصيصان خلال الشهر التاسع من العام الماضي، ما أدى إلى انخفاض تنفيذ الخطة بنسبة 7 بالمئة.

الظروف المعيشية الخانقة التي يعيشها غالبية السوريين، نتيجة ارتفاع تكلفة جميع السلع بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى استغلال كبار التجار الذين يسيطرون على الأسواق، وغياب الدعم الحكومي، الأمر الذي سيترك آثاره السلبية على الحياة المعيشية برمتها في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات