الارتفاع المفاجئ في سعر الذهب عيار 21، الذي وصل إلى 500 ألف ليرة سورية للغرام، صدم الجميع داخل سوريا. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو التنبؤات بأن هذا المسار التصاعدي لن يتوقف عند هذه النقطة؛ بل سيواصل الذهب رحلته غير المسبوقة، ليصل إلى ارتفاعات لا يمكن تصورها.

غسان جزماتي رئيس “جمعية الصاغة” في دمشق، أكد في تصريحه لصحيفة “البعث” المحلية، أمس الثلاثاء، أن التحليلات التي تتوقع تزايد ارتفاع أونصة الذهب عالميا تستند إلى التضخم الذي حصل في الولايات المتحدة الأميركية، وإفلاس البنوك التي وصل عددها إلى 6 أو 7 بنوك، الأمر الذي أفقد ثقة المواطن بهذه البنوك.

وبالتالي فإنه طالما تُبيّن البيانات الأميركية ارتفاع أرقام ومعدلات التضخم والبطالة فإن ارتفاع سعر أونصة الذهب سيبقى مستمرا، ولكن ما علاقة ارتباط أسعار الذهب العالمية بأسعاره داخل سوريا.

سعر الذهب سيستمر في الارتفاع؟

وفقا لتقرير “مجلس الذهب العالمي” الأخير، ينظر العديد من المستثمرين الآن إلى الذهب باعتباره جزءا أساسيا من المحفظة نظرا للسيولة وإدارة المخاطر وخصائص الحفاظ على الثروة. ولذلك برزت عدة دولة كمستهلكين رئيسيين للذهب، مع وجود طلب قوي على أغراض الاستثمار وكذلك المجوهرات.

محال الذهب في سوريا - إنترنت
محال الذهب في سوريا – إنترنت

عن حركة البيع والشراء داخل سوريا أشار جزماتي، إلى زيادة الطلب على الليرات والأونصات وعلى المصوغات بشكل عام، لكن الطلب أكثر المصوغات الثقيلة أي عيار 21، والسبب في ذلك أن نسبة خسائرها قليلة مقابلة بالمصوغات عيار 18 التي تسمى عند الصاغة “فنية” وهي تعتبر تقليدا للبضائع الإيطالية فهي بنفس المستوى والجودة.

المفاجئ بحسب جزماتي أن ارتفاع سعر الذهب زاد الإقبال عليه وشرائه، موضحا سبب ذلك أنه في كل حالة ارتفاع للذهب فإن الإقبال عليه يزداد، وبالمقابل ففي حال انخفاض سعره يزداد بيعه، فـ “الغالي مرغوب” بحسب تعبيره.

بناء على ذلك، فإنه لا يتم تحديد سعر الذهب بمعزل عن سوق الذهب العالمي، بل يرتبط ارتباطا وثيقا به. فتقلّبات أسعار الذهب العالمية لها تأثير مباشر على الأسواق المحلية، بما في ذلك سوريا، مما يؤدي إلى تغيرات الأسعار. 

علاوة على ذلك، فإن هيكل ديناميكيات سوق الذهب العالمية، ينعكس على الارتفاع الدراماتيكي لأسعار الذهب في سوريا، كما أن انخفاض سعر صرف الليرة السورية والتي وصلت إلى 9 آلاف أمام الدولار الواحد أدى إلى الإقبال على طلب الذهب.

إلى أي مدى سيرتفع سعر الذهب، هو السؤال الذي لا إجابة دقيقة له بحسب حديث تاجر الذهب محمد زريقات، لـ”الحل نت”، إذ إن هناك عوامل عديدة تؤثر على تقلبات الأسعار، لكن الاتجاه الصعودي سيستمر حتى الربع الثالث من العام الجاري.

دور الولايات المتحدة في ارتفاع أسعار الذهب

أسعار الذهب ارتفعت بشكل مطّرد في الأشهر الأخيرة، مما أثار فضول وقلق المستثمرين في جميع أنحاء العالم، أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار الذهب هو التأثير المتزايد لاقتصاد الولايات المتحدة على الاتجاه التصاعدي، والعلاقة بين معدلات التضخم والبيانات الاقتصادية الأميركية ومعدلات البطالة.

محال الذهب في سوريا - إنترنت
محال الذهب في سوريا – إنترنت

العامل الأكثر أهمية في هذه الديناميكية بحسب زريقات هو اقتصاد الولايات المتحدة. فعندما يكون الاقتصاد قويا، تكون أسعار الذهب عادة منخفضة، ومع ذلك، فإن السوق المالية العالمية متقلبة، ويرجع ذلك أساسا إلى الحالة غير المستقرة للاقتصاد الأميركي بسبب سياسة “الفيدرالي الأميركي”..

ربما العامل الدافع الأكثر أهمية وراء ارتفاع أسعار الذهب هو التضخم، فمع ارتفاع التضخم، يرتفع سعر الذهب أيضا، فغالبا ما يعتبر الذهب وسيلة تحوط ضد التضخم وهذا الشعور هو فقط للحفاظ على قيمة الأصول، مما يؤدي حتما إلى ارتفاع أسعار الذهب.

معدل البطالة في الولايات المتحدة هو آخر عامل مهم في فهم العلاقة بين اقتصاد الولايات المتحدة وارتفاع أسعار الذهب، إلا أن الاقتصاد الأميركي أضاف 253 ألف وظيفة جديدة في نيسان/أبريل الماضي بحسب بيانات “مكتب إحصاءات العمل الصادرة” الجمعة الماضية، فيما انخفض معدل البطالة إلى 3.4 بالمئة، بأدنى مستوى منذ عام 1969.

البيانات الصادرة أظهرت استمرار تباطؤ أسعار الغذاء والطاقة في الولايات المتحدة، إلا أن أسعار المساكن ما تزال مرتفعة، ما يؤشر إلى الحاجة لمزيد من الانتظار حتى يهدأ التضخم. حيث يكافح “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” لترويض التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة بقوة وبأسرع وتيرة منذ عقود، وصولا إلى هدفه البالغ 2 بالمئة.

الأسبوع الماضي، رفع “الفيدرالي” سعر الفائدة للمرة العاشرة في 14 شهرا، وسط توقعات أن تكون الزيادة الأخيرة قبل الاستقرار عند نسب التضخم الحالية البالغة 5 – 5.25 بالمئة. هذا أدى انخفاض الذهب في المعاملات الفورية أمس الثلاثاء، بنسبة 0.25 بالمئة عند 2010 دولارات للأوقية. وتراجع مؤشر الدولار بنسبة 0.06 بالمئة عند 101.81 نقطة.

ماذا يعني ذلك بالنسبة للسوريين؟

ارتفاع سعر الذهب خلال الفترة الماضية بات من أبرز العوائق أمام الزواج لنسبة كبيرة من السكان بسوريا، لدرجة أن الناس صاروا يستأجرون الذهب لإحياء حفل الزواج به ومن ثم استرجاعه للصائغ، وذلك للحفاظ على العادات والتقاليد المجتمعية السائدة.

محال الذهب في سوريا - إنترنت
محال الذهب في سوريا – إنترنت

عدد من الشبان أوضحوا أنهم باتوا مضطرين للاستدانة لشراء المحبس، حيث يصل سعر أصغر خاتم يزن 3 غرامات إلى قرابة مليوني ليرة مع أجرة صياغته. كما واشتكى بعض الشبان من تزايد الضغوط عليهم، من جراء تحوّل مهور الزواج “بين ليلة وضحاها” من الليرة السورية إلى الليرة الذهبية، ما يدفع ببعضهم إلى سحب قرض لإكمال مراسم الزواج.

سعر غرام الذهب قد سجل مستوى غير مسبوق لم يُسجل مسبقا في تاريخ سوريا، إذ وصل الغرام الواحد قبل أيام إلى نصف مليون ليرة سورية. وسجل سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا اليوم الأربعاء، 500 ألف ليرة للمبيع، 499 ألف ليرة للشراء، في حين بلغ سعر الغرام عيار 18 قيراطا 428571 ليرة للمبيع، و 427571 للشراء.

كون الذهب يُعد سمة أساسية في الزواج بالنسبة للسوريين فإن خبراء في علم الاجتماع، أكدوا أن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني وارتفاع تكاليف الزواج لأرقام خيالية، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، ذات دخل مستقل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

رئيس “جمعية الصاغة” في محافظة اللاذقية، مروان شريقي، أوضح في تصريحات صحفية أن معظم العرسان في سوريا يضطرون للاستدانة لشراء المحابس وسط هذا الغلاء، وأن هناك زبائن تنزل سوق الذهب للسؤال عن سعر المحابس وحينما يعرفون السعر يحسبون المدة التي ستمكّنهم من جمع المبلغ لإتمام فرحتهم، ما يتسبب لهم بالإحباط.

بناء على ذلك يبدو أن ارتفاع أسعار الذهب سيؤدي حتما لحدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري، وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأسري، وحوادث الموت والفقدان والهجرة.

بالتالي، تلعب الولايات المتحدة دورا مهما في الارتفاع المستمر لأسعار الذهب بسبب عوامل مثل معدلات التضخم ومعدل البطالة والبيانات الاقتصادية. إن فهم العلاقة بين هذه العوامل وما تعنيه للسوريين يمكن أن يساعد جميع الأطراف على اتخاذ قرارات مستنيرة. لذا من الضروري تقييم الأداء السابق، وضمان تنويع الموارد، ومراقبة الاتجاهات والتطورات الجديدة، والتي ستؤدي في النهاية إلى نتائج مرضية وعوائد طويلة الأجل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات