بعد مرور أكثر من شهر على اندلاع المواجهات العسكرية في السودان، بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” المعروفة بدعمها الذي تتلقاه من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، استطاع الجانبان التوصل إلى هدنة، حيث دخلت حيز التنفيذ الإثنين ولمدة أسبوع واحد.

الهدنة تضمنت وقفا كاملا لإطلاق النار في السودان، ذلك في وقت قد يشكل غياب عامل الثقل بين الجانبين المتصارعين، أبرز التحديات أمام نجاح الهدنة واستمرارها، ما يطرح التساؤلات حول قدرة الجانبين على التوصل إلى صيغة توافقية من أجل إنهاء التوتر الأمني في البلاد.

الهدنة في السودان ليست الأولى من نوعها منذ بدء التوتر الأمني، منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي، لكنها الأولى التي تمت برعاية دولية، حيث جاء إعلانها عبر كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية، في محاولة للتوصل إلى وقف دائم للقتال وحل النزاع بالطرق الدبلوماسية.

هل تستمر الهدنة؟

الهدنة في السودان يُتوقع لها هذه المرة أن تستمر على الأقل لمدة أسبوع، من أجل فتح قنوات الحوار بين طرفي النزاع، خاصة بعد أن أكد الجيش السوداني التزامه الكامل بوقف إطلاق النار في البلاد، كذلك أشارت “قوات الدعم السريع”، إلى وقف الاشتباكات مع القوات المسلحة في البلاد، لكن تقارير إعلامية سجلت بعض الانتهاكات وسط العاصمة السودانية خلال الساعات الأولى من دخول الهدنة حيّذ التنفيذ.

بحسب إعلان واشنطن والرياض، فإن الهدنة ستضمن إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية، كذلك اتفق الطرفان على تسهيل المرور الآمن لمقدمي المساعدات الإنسانية، مما يسمح بتدفق المساعدات دون عوائق من موانئ الدخول إلى السكان المحتاجين.

ليس معروفا حتى الآن ما ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء مدة الهدنة، خاصة وأن حالة الإرهاق التي أصابت كلّا من الجيش و”قوات الدعم السريع” جراء المعارك والاشتباكات لأكثر من شهر، كفيلة ربما بإلزامهما باتفاق وقف إطلاق النار، وذلك لالتقاط الأنفاس، والعودة ربما إلى حالة المواجهات المباشرة، التي يحاول فيها كل طرف الانتصار بشكل نهائي على الآخر.

الصحفي والمحلل السياسي السوداني جمال الدين علي، رأى بأن مصلحة جميع الأطراف حاليا، تكمن في استمرار وقف إطلاق النار في السودان، خاصة في ظل التبعات السلبية على الجميع داخل وخارج البلاد، مشيرا إلى أن الإشكال الحقيقي يكمن في طريقة التعامل مع طرفي النزاع، خاصة في ظل استغلال المرافق الحكومية في القتال، حيث يجب أن تكون جميع القوات العسكرية تحت مظلة مركزية واحدة.

قد يهمك: إدراج قضية “سد النهضة” في القمم العربية.. ما فائدة مصر والسودان؟

علي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “بداية لا أحد حقيقة يرفض وقف إطلاق النار، ولا أحد يدعو إلى استمرار الحرب، الكل في السودان وخارج السودان يدعو إلى وقف الحرب، التي أصبحت تلقي بظلالها بشكل واضح على كل الإقليم بسبب التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، وحركة المواطنين داخليا وخارجيا، نحن نعلم أن السودان فيه أكثر من ٣ مليون لاجئ، من إريتريا وأثيوبيا وجنوب السودان وغيرها، هؤلاء إذا ما رجعو إلى بلادهم ستحصل الكثير من المشاكل، إضافة إلى السودانيين الذين بدأوا بالخروج من العاصمة السودانية الخرطوم”.

تبعات خرق الهدنة

السودان شهدت على مدى الشهر الماضي قتالا عنيفا بين الجيش و”قوات الدعم السريع” في صراع على السلطة، بعد 18 شهرا من انقلاب عسكري أدى إلى ضرب مساعي وآمال الانتقال إلى الحكم المدني، في وقت شهدت فيه العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، فرارا لآلاف المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا.

علي أوضح كذلك أن استمرار التهدئة، يتوقف على مدى جدّية الوسطاء في التعامل مع طرفي الصراع بالحجم الحقيقي، خاصة في ظل انتشار “قوات الدعم السريع” في الأحياء السكنية، وسيطرتها على المشافي والمرافق العامة.

حول ذلك أضاف، “غير معروف حتى الآن فيما إذا كان الوسطاء قادرين على فرض التهدئة على جانبي الصراع، بحيث إجبار قوات الدعم السريع الخروج من الأماكن التي استولت عليها، وفيما إذا كان المراقبون الدوليون قادرون على التعامل مع هذا المظهر الأمني المختل بشفافية داخل الخرطوم. بالتأكيد سوف تصمد هذه الهدنة وسنصل إلى معالجة حقيقية للوضع الأمني المشوّه الذي يعيشه السودان”.

من وجهة نظر علي فإن المساواة بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” لن تؤدي إلى حل الخلل الأمني في البلاد، لذلك لا بد من حل مشكلة المجموعات العسكرية التابعة لـ”قوات الدعم السريع”، وإلا ستكون الهدنة مجرد حل مؤقت قبل أن يتجدد الصراع في أقرب فرصة”.

عن ذلك أردف قائلا، “في تقديري أن هذه الهدنة ستنجح، في حال كانت هناك إرادة من الخارج وعقوبات تُفرض على من يخترقها، وهنا سوف تصمد وربما تقود إلى وقف إطلاق نار شامل وتؤدي إلى تسوية أمنية وليس تسوية سياسية. نحن نتكلم عن حالة أمنية ينبغي السيطرة عليها، ومن ثم هنالك قوة مدنية هي التي تلعب في كيفية إدارة المشهد السياسي من بعد 15 نيسان/أبريل”.

لكن المؤشرات في السودان، لا توحي حتى اللحظة بإمكانية قبول “قوات الدعم السريع” حلّ نفسها، أو الانخراط في الجيش السوداني، خاصة وأنها تحاول مؤخرا هزيمة قوات الجيش والسيطرة على العاصمة السودانية، بدعم مباشر من روسيا.

دور الدعم الخارجي

الدعم الخارجي الذي تقدمه بعض الدول الخارجية كروسيا الداعمة لـ “قوات الدعم السريع”، يعتبر من أبرز عوامل ترجيح إطالة أمد الصراع في السودان، إضافة إلى عدم إبداء أي طرف استعداده للتهدئة، فحتى الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية بوساطات خارجية، لم يلتزم بها أحد على الأرض.

العاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)

جميع المؤشرات منذ البداية توحي بأن هذا الصراع سيمتد ولن يُحسم في وقت قريب، فموازين القوى الظاهرية وإن كانت تميل لصالح الجيش السوداني إلا أن الجيش لم يتمكن من حسم هذه المعارك ضد “قوات الدعم السريع”، لذلك يؤكد محللون أن قبول الأخير بالانخراط بالجيش مرهون بالجهات الخارجية الداعمة لها.

عديد من المخاوف بدأت تظهر بدخول السودان في نفق إطالة أمد الصراع العسكري فيها، خاصة مع عدم قدرة أحد الجانبين على حسم النزاع بشكل عسكري، إضافة لعدم قبول أحد منهما تسوية تفضي إلى وقف القتال، فضلا عن عدم الالتزام بأي هدنة تم الإعلان عنها سابقا، فهل تدخل السودان مرحلة إطالة أمد الصراع.

استمرار العنف في السودان من شأنه أن يقضي على العملية السياسية إلى الأبد، وهي عملية كان من المفترض أن تُرسي أسس الديمقراطية في البلاد بعد الإطاحة بعمر البشير وقاعدته السياسية في 2019، بعدما أمضى ثلاثة عقود في السلطة.

مع استمرار الصراع في السودان، ارتفعت احتياجات البلاد للمساعدات، لا سيما مع تدفق اللاجئين وتوافد النازحين من مناطق الاشتباكات، حيث توقعت الأمم المتحدة أن يبلغ عدد الفارين من البلاد مليون لاجئ خلال هذا العام، وأعلنت أن هناك حاجة إلى 3.03 مليار دولار لتقديم مساعدات عاجلة إلى الناس في البلاد الذي مزقته الصراعات.

المواجهات في السودان، بدأت منتصف الشهر الماضي، فبعد أيام من التأجيل الثاني لتوقيع اتفاق نهائي بشأن العودة إلى الحكم المدني، بسبب خلاف على دمج “قوات الدعم السريع” في الجيش النظامي، هزت انفجارات في 15 نيسان/أبريل العاصمة الخرطوم. وتبادل كل من “قوات الدعم السريع” والجيش، الاتهامات بالمسؤولية عن بدء الهجوم أولا.

المواجهات الدائرة حاليا في البلاد هي نتيجة مباشرة للصراع على السلطة بين أفراد القيادة العسكرية، حيث يختلف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قائد “قوات الدعم السريع”، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، وذلك بعد أن تعاونا على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين البرهان ونائبه “حميدتي”؛ هي الخلاف حول خطة ضم “قوات الدعم السريع” التي تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يبلغ 100 ألف عنصر، إلى الجيش وحول من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.

حتى الآن، لا يبدو أن هناك مؤشرات إيجابية على استمرار الهدنة في السودان، خاصة فيما إذا تُرك الحل بيد طرفي النزاع داخل السودان، في ظل أن كل طرف سيحاول الانتصار بالمعركة بشكل كامل، ولن يقبل التنازل للجلوس على طاولة المفاوضات، إذ إن التسوية يبدو أنها مرتبطة بالجهات الخارجية الداعمة بكل طرف ومدى استعدادها لإرساء الاستقرار في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات