في تدهور يومي وشبه مستمر، هي حال الأوضاع الاقتصادية في سوريا، وبدلا من أن تخفف الحكومة من وطأة هذه الظروف، فإنها تصدر قرارات تزيد من تعميق الأزمات التي تعيشها البلاد منذ سنوات، مثل أزمة المحروقات والكهرباء وغيرها. ونتيجة لذلك، انضمت صناعة المثلجات أو الآيس كريم “البوظة” إلى قائمة ضحايا الانكماش الاقتصادي، حيث تم إغلاق العديد من مصانع “البوظة” وتناقص الإنتاج بشكل كبير.

خلال الفترة الماضية ومع ارتفاع درجة الحرارة، شهدت أسعار بعض السلع مثل الفواكه الصيفية وغيرها ارتفاعات غير مسبوقة، حيث فوجئ عدد من السوريين بارتفاع أسعار أنواع “البوظة” المباعة في الأسواق، بنسبة 40 بالمئة عن العام الفائت.

إقبال ضعيف على “البوظة”

رئيس مجلس إدارة “الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات والمرطبات” في دمشق، بسام قلعجي، قال لصحيفة “تشرين” المحلية يوم أمس الثلاثاء، إن الإقبال على شراء “البوظة” تراجع بنسبة 80 بالمئة، لتبقى 20 بالمئة فقط تشكّل حركة خفيفة في السوق.

ارتفاع أسعار “البوظة” في سوريا- “إنترنت”

قلعجي اعتبر أن “البوظة” أصبحت من المواد الكمالية وليست أساسية، لذلك عزف المواطن عن شرائها بعد ارتفاع سعرها 50 بالمئة، مبينا أن سبب الغلاء يعود إلى ارتفاع التكاليف من سكر وحليب ومسكة والمكسرات كالفستق الحلبي واللوز والكاجو، إضافة لغلاء مسحوق الكاكاو الذي يُستخدم في بعض الأصناف لتصنيع البوظة المنكّهة بالشوكولا.

هذا فضلا عن وجود تكاليف إضافية وهي مادة المازوت التي تُشترى من السوق السوداء لتشغيل المولدات بحكم انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة، لكن في الآونة الأخيرة لم يحصل العاملون فيها سوى على 25 بالمئة فقط من مخصصاتهم ما أدى إلى الحد من نشاطهم الإنتاجي وانخفاض المبيعات إلى 10 بالمئة، حيث فُقدت أصناف “البوظة” الجاهزة من المحال التجارية والأكشاك لعدم قدرة البرادات على تفريزها، وصعوبة تأمين وقود للمولّدات التي تحتاج للعمل ساعات طويلة خلال النهار، وانحصر البيع في فروع الأسماء المعروفة لعدم القدرة على تخزين البضائع التي تحتاج إلى تبريد.

صاحب أحد محلات بيع المثلجات في دمشق، كان قد بيّن في تصريحات صحفية سابقة أن ارتفاع الأسعار هو نتيجة تكلفة المواد الداخلة في صناعتها مثل الحليب والمكسرات والسكر وغيرها، مضيفا بالقول “هذا الارتفاع جاء تزامنا مع قدوم فصل الصيف، وأخاف أن يستمر الارتفاع في الأشهر المقبلة الأمر الذي يؤدي إلى عزوف الناس عن الشراء وقلة حركة البيع، فأغلب الناس شعروا بالفرق وبالتالي سعر كاسة البوظة بات يتراوح بين 5000 إلى 6000 ليرة سورية، فكل طابة بـ 2000 ليرة”، وهو ما حدث بالفعل اليوم.

أحد باعة “البوظة” أوضح من جانبه أن ارتفاع الأسعار أمرٌ ليس بيدهم ولا يستطيعون التسعير كما يحلو لهم فارتفاع أسعار المواد الداخلة في صناعة البوظة والمثلجات يجبرهم على التقيد بالتسعيرة التي تضعها مديرية التموين، أضف إلى ذلك أن معظم المحلات لديها مولدات كهربائية تضطر إلى تشغيلها للحفاظ على برودة البوظة.

كيلو “البوظة” بـ 50 ألفا

في المقابل، تتراوح كلفة كيلو البوظة بين 35- 45 ألف ليرة سورية، ويباع بنحو 50 ألف ليرة، كما تباع كرة البوظة الواحدة بألفي ليرة، و”الكورنيه” بـ 6 آلاف ليرة، و8 آلاف ليرة للكأس الواحدة بوزن 100 غرام، طبقا لحديث قلعجي.

أما أسعار “رول البوظة” بالمكسرات، فإن الرولات هي ثلاثة أنواع؛ “رول بفستق مبشور سعر الكيلو منه وسطيا بـ 45 ألفا، ورول بفستق مكسر بسعر 40 ألفا، والنوع الأخير نطلق عليه رول إكسترا ويكون بحبات الفستق الكاملة وسعره وسطيا 60 ألفا؛ ورول الفواكه 55 ألفا ويحتوي على فاكهة مجففة ومنكّهات”.

إحدى ربّات المنزل ذكرت أن أولادها كانوا يشترون “البوظة” كل يوم أما بعد أن ارتفع سعرها اكتفت بشرائها لهم بمعدل مرة كل أسبوع، مؤكدة أن غالبية الأولاد يرغبون بشراء المثلجات ولكن ذلك سيكلف كثيرا في حال تم شراء المثلجات كل يوم.

كما وبيّن أن الأسعار في العام الماضي كانت أقل بنسبة 50 بالمئة، في حين كانت قبل نحو عقد لا تتجاوز 250 ليرة لكيلو البوظة، و50 ليرة للكورنيه و30 ليرة للكأس. وأكد قلعجي وجود 4 معامل فقط تعمل في مجال المثلجات من أصل 20 توقفت نتيجة الظروف الصعبة، حيث إن المعامل الكبيرة تقلصت بسبب انتقالها إلى عدرا الصناعية بحكم توفر الكهرباء الصناعية التي تؤمن حاجتها.

عدد المشتركين بالجمعية من صنّاع “البوظة” والحلويات والمرطبات ومعامل الحلاوة الطحينية والسكاكر ومعامل الثلج وحلاوة الجبن ومعامل معجنات الحلويات حتى اليوم هم بحدود 350 مشتركا بدمشق  من أصل 890 منتسبا منذ تأسيس الجمعية، حيث إن أغلب العاملين في المصلحة باعوا محالهم أو غيروا مصلحتهم.

حجم استهلاك “البوظة” اليومي في دمشق خلال ذروة فصل الصيف يُقدّر بحوالي 600 طن، وفقا لما ذكره العاملون في مجال تصنيع “البوظة” العربية، وهناك أربعة معامل معروفة في دمشق تنتج ما بين 50- 70  طنا يوميا عدا إنتاج الورشات الصغيرة الأخرى التي تنتج بعضها يوميا نحو 5 أطنان وتبيع إنتاجها كاملا.

غلاء الكوكتيلات

في إطار جملة الارتفاعات التي ضربت مختلف السلع والخدمات في سوريا، شهدت أسعار العصائر الطبيعية والكوكتيلات وسلطات الفواكه ارتفاعا ملحوظا، حيث زادت أسعار هذه المواد بنسبة بلغت 35 بالمئة، مقارنة بأسعار الصيف الماضي، وذلك تزامنا مع ارتفاع أسعار الفواكه ومختلف تكاليف صناعة هذه المواد.

موقع “أثر برس” المحلي، أشار في تقرير سابق له، إلى أن دخول الفاكهة الاستوائية في صناعة سلطات الفواكه كان سببا في زيادة أسعارها، إذ يتم استخدام فاكهة غير موجودة في فصل الصيف وتكون من النوع الاستوائي.

وفق تقرير الموقع المحلي، فقد سجّل صحن سلطة الفواكه المتوسط، سعر 30 ألف ليرة، ويزيد بحسب طلبات المستهلكين، ويمكن أن يصل سعره إلى 40 أو 50 ألف ليرة، الأمر الذي سيجعله بعيدا عن متناول معظم السوريين من ذوي الدخل المحدود، وذلك رغم أهمية هذه الأطعمة خلال فصل الصيف وفترات ارتفاع درجات الحرارة.

الكوكتيلات في سوريا- “صفحة محل أبوعبدو”

بعض أصحاب محال بيع سلطات الفواكه والكوكتيلات، ابتكروا طرق جديدة لمحاولة التغلب على ارتفاع الأسعار، وانخفاض الطلب على منتجاتهم، حيث لجأ البعض إلى صنع أطباق صغيرة من سلطات الفواكه، بحيث يتم بيعها بسعر 15 أو 20 ألف، لكن بأحجام أقل من المعتاد، ليتمكن الجميع من شرائها.

طبق “الإمبراطور” هو من أشهر أطباق سلطة الفواكه في سوريا، وهو عبارة عن طبق يحوي فواكه مختلفة، يُضاف إليه القشطة والعسل والشوكولا، ويصل سعره إلى 60 ألف ليرة سورية.

أما أسعار العصائر، فقد تسبب ارتفاع أسعار الفاكهة بارتفاع أسعارها هي الأخرى، حيث يُباع كوب العصير الكبير بـ 12 ألفا لكوكتيل الموز مع الحليب والوسط بـ 8 آلاف ليرة والمدعوم بـ 14 ألف ليرة، وعصير البرتقال مع الجزر بـ 10 آلاف ليرة، والتوت الشامي بـ 6 آلاف ليرة سورية، بحسب تقرير الموقع المحلي.

“عيشة على كف عفريت”

على إثر هذا الغلاء الكبير والذي بات يفوق كل التوقعات، إلى جانب وصول الليرة السورية لحاجز الـ 9 آلاف مقابل الدولار الواحد، بات المواطنون في سوريا يعانون الأمرّين من ضعف في القدرة الشرائية، وسط ندرة فرص العمل وانخفاض الرواتب والأجور، إذ يبلغ متوسط الرواتب حوالي الـ 160 ألف ليرة سورية، أي نحو 20 دولارا أميركيا، في حين أن المصروف المعيشي الشهري لأسرة مكونة من 4 أفراد، يُقدّر بنحو 6 ملايين ليرة سورية، أي نحو 700 دولار.

العديد من السلع الغذائية خرجت من قائمة استهلاك عشرات آلاف العائلات السورية، خاصة تلك التي أصبح سعرها بعيدا عن متناول دخل المواطن، كالمكسرات والحلويات الفاخرة. هذا الأمر أدى إلى انخفاض الطلب بشكل كبير على هذه المواد، ما يعني تهديدا لخطوط إنتاجها، الأمر الذي يوحي بكساد اقتصادي كامل بسبب انعدام القدرة الشرائية للمواطن.

بعض التجار ممن تحدثوا إلى “الحل نت”، أكدوا أن ارتفاعا جديدا في الأسعار قد يحدث في أي لحظة في الأسواق السورية في مختلف السلع والخدمات، وذلك بعد قرار الحكومة السورية مرة أخرى برفع أسعار المحروقات للقطاعين العام والخاص، لتفاقم بذلك من مشاكل قطاع الصناعة والإنتاج.

نتيجة هذا الغلاء وجّه عدد من السوريين نداء إلى “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” للتخفيف من أزمة ارتفاع الأسعار، خصوصا أن الرواتب والمداخيل الشهرية لا تتحمّل ارتفاع الأسعار. كذلك ومنذ سنوات طويلة، يطالب العديد من المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم أعضاء في “مجلس الشعب” السوري، الجهات الحكومية برفع مستوى الرواتب والأجور، بحيث تتناسب مع الواقع المعيشي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات