في زيارة فتحت الباب على العديد من الملفات بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، من بينها مستقبل علاقات البلدين التي تواجه بعض التحديات خلال العامين الماضيين، يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلبينكن، إلى الرياض الأسبوع القادم لعقد محادثات تركز على قضايا اقتصادية وأمنية، وذلك في ثاني زيارة لمسؤول أميركي رفيع المستوى إلى السعودية خلال شهر واحد.

زيارة بلينكن تأتي في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لإصلاح علاقاتها مع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وذلك بعد أن زار الشهر الماضي، مستشار الأمن القومي لـ البيت الأبيض” جيك سوليفان المملكة، حيث ستركز زيارة وزير الخارجية على سُبل دفع العلاقات بين بلاده والسعودية.

إذ تركز الولايات المتحدة الأميركية على مستقبل علاقاتها مع السعودية، حسبما قاله المتحدث باسم “مجلس الأمن القومي” بـ “البيت الأبيض” جون كيربي، حيث تنظر واشنطن إلى علاقاتها مع السعودية على أنها شراكة استراتيجية مهمة.

ما تتضمن زيارة بلينكن

زيارة بلينكن إلى المملكة، ستبدأ في السادس من حزيران/يونيو وتنتهي في الثامن منه، وتأتي بعد فتور العلاقات بين البلدين بسبب تباين وجهات النظر حول بعض القضايا؛ أهمها قرار منظمة “أوبك بلس” العام الماضي، بخفض إنتاج النفط وسط ارتفاع كبير في أسعار الطاقة تسبب به الغزو الروسي لأوكرانيا.

خلال زيارته، سيعقد بلينكن، بحسب بيان لوزارة الخارجية الأميركية، اجتماع وزاري بين الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي“، يوم الأربعاء المقبل، لمناقشة الأمن والتكامل في الشرق الأوسط، كما من المقرر أيضا أن يستضيف بصورة مشتركة مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اجتماعا حول تنظيم “داعش” يوم الخميس المقبل.

ذلك يأتي بينما يقود الطرفان وساطة لوقف إطلاق النار في السودان، حيث تجري حاليا محادثات في السعودية، التي ساعدت في إخراج الأميركيين من السودان بأمان عندما اندلع الصراع بين قوات الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، في نيسان/أبريل الماضي، وبينما يسعى الطرفان إلى الحفاظ على الهدنة غير المعلنة في اليمن، حيث عزا كيربي الفضل إلى السعودية في الحفاظ على الهدنة اليمنية، قائلا “هناك الكثير على جدول الأعمال في هذه العلاقة الثنائية، علاقة ثنائية مهمة في الشرق الأوسط“.

وسط ذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن، الزيارة تهدف إلى إرساء دور الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وتأثيرها على أسعار النفط، وذلك بموازاة مواجهة النفوذ الصيني والروسي وتعزيز الآمال في تطبيع سعودي إسرائيلي، وذلك من خلال إعادة ترتيب العلاقات التي تضررت بعض الشيء بين الطرفين، بخاصة بعد دعوة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن إلى “إعادة ضبط” العلاقات مع السعودية بعد قرارها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي خفض إنتاج النفط.

على صعيد آخر، يستقرأ البعض الزيارة في سياق جهود الولايات المتحدة الأميركية في الحد من التحول في العلاقات بين السعودية والصين، التي أصبحت الآن أكبر مشتر للنفط السعودي وأكبر مورد للسعودية، بالإضافة إلى تأكيد واشنطن على الالتزام بتوفير الأمن للمملكة العربية السعودية، في الوقت الذي تشعر فيه بتهديدات من قبل جماعة “الحوثي” المدعومة من إيران.

ثلاث محاور يبحثها بلينكن في السعودية

حول ذلك، أوضح المحلل السياسي عقيل عباس، إن الزيارة في الإطار الرسمي تأتي لمكافحة الإرهاب، مثل أنشطة “داعش“، لكن واقعا هناك سياق أوسع من هذه المهمة المعلنة الرسمية، حيث تشتمل ثلاثة محاور، المتمثلة أولا بقضية الدفاعية عن السعودية وتوفير الأمن لها من التهديدات التي تواجهها، لافتا إلى أن المحور الثاني يتعلق بتوفير الإجابات عن القلق السعودي من الملف النووي الإيراني.

الرئيس الأميركي جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان/ إنترنت + وكالات

عباس وفي حديث لموقع “الحل نت“، بيّن أن السعودية تبحث عن إجابات حول الدور الأميركي تجاه السلوك الإيراني المزعزع في المنطقة، مبينا أن ذلك سيمثّل مناقشات حول مهام وأدوار القوى البحرية الأربعة التي شكلتها أميركا العام الماضي، مع السعودية والإمارات ومصر في البحر الأحمر والخليج، لمكافحة تهريب السلاح والمخدرات، وهذه كان الهدف منها في الأساس لمنع تهريب إيران الأسلحة لـ“الحوثيين“، فهذا سيمثل المحور الثاني من الزيارة التي تريد السعودية جهودا أميركية أكبر بصدده.

أما المحور الثالث، بحسب المحلل السياسي، يتمثل بالرغبة الأميركية في إقناع السعودية على إقامة علاقات مع إسرائيل، لاسيما وأن “الكونغرس” ومسؤولين أميركيين كانوا قد تحدثوا عن رغبتهم في ذلك، كما سيشمل هذا المحور مناقشات اقتصادية غير معلنة، حيث يجري الحديث عن تعميق السعودية لعلاقاتها مع الصين وإمكانية اعتماد العملة الصينية اليوان في التبادلات النفطية، وهذا بكل تأكيد لا يتوافق مع تطلعات الولايات المتحدة الأميركية، على اعتبار أنها تريد استمرار شراكتها مع السعودية.

عباس، لفت إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تريد استمرار اعتماد الدولار في التعاملات النفطية، وفق الاتفاقية المبرمة مع السعودية منذ سبعينيات القرن الماضي، في عهد الرئيس الأميركي السابق نيكسون، مؤكدا أن الولايات المتحدة الأميركية لا تنظر بأريحية لتوسع العلاقات بين الرياض وبكين، بالتالي هذه الملفات الأساسية لزيارة بلينكن، وهي الرغبة في الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية.

عباس، اختتم حديثه بالقول، إن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية قد تعرضت إلى اهتزازات على مدى العامين الماضيين، وصولا إلى أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا وقضية ضخ النفط، التي ترغب أميركا في أن تزيد السعودية وحلفائها ضخه لتعويض نقص النفط الروسي، بالتالي أن هذه الزيارة تأتي لترآب الصدع بين الجانبين.

حيثيات علاقة السعودية وأميركا

هذا وسبق لمسؤولين آخرين أن زاروا، في نيسان/أبريل الماضي، الرياض، والتقوا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مثل بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في “مجلس الأمن القومي”.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن/ إنترنت + وكالات

زيارة ماكغورك جاءت آنذاك بعد يومين من حديث هاتفي أجراه مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان، مع ولي العهد، حيث كانت التوجهات الخارجية الجديدة للسعودية محور هذه الاتصالات التي لا يبدو أنها تمخضت عن حلحلة نهائية للتوتر في علاقة الجانبين، لذلك من الظاهر أن بلينكن، الذي لم يتأكد بعد بأن سيلتقي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يتولى حاليا مهمة إنهاء التوتر.

العلاقات بين السعودية وأميركا المستمرة منذ حوالي 8 عقود من الشراكات الاستراتيجية، توترت منذ تسلم بايدن السلطة في العام 2021، على خلفية قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وعلى الرغم من أن ذلك التوتر قد هدأ بعض الشيء مع زيارة بايدن إلى السعودية في تموز/يوليو 2022، إلا أنه سرعان ما عاد ليتجدد.

تجدد تصاعد التوتر جاء بسبب قرار “أوبك بلس” بعد ثلاثة أشهر من زيارة الرئيس الأميركي للسعودية، بخفض إنتاج النفط، قبل أن يتطور بعد تعمّق العلاقات بين الرياض وبكين، والتي تجلت في رعاية الأخيرة لاتفاق صلح بين السعودية وإيران.

لكن بالرغم من ذلك، وليس سرا، فإن الروابط بين البلدين لا تزال عميقة بما فيه الكفاية لتحقيق مثل هذه العودة، الأمر الذي قد يتجلى في زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اليومين القادمين، وذلك بالنظر إلى مستوى التوتر الذي بدأ يؤثر على مصلحة البلدين والمنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات