حالة انعدام الثقة بين المغرب والجزائر، ساهمت خلال السنوات الماضية في فشل العديد من الوساطات لحل الخلافات بين الجارتين العربيتين المغرب والجزائر، فساهمت قضية الصحراء الغربية والاختلاف على الترسيم الحدودي، في تعميق فجوة الخلاف بين الجارتين الواقعتين في إقليم شمال إفريقيا، على الرغم من أن الجانبين يشتركان بخط حدود يمتد لأكثر من 1500 كيلو متر، ويتشاركان نفس اللغة والتاريخ.

استمرار هذا العداء التاريخي، ينذر كذلك بعواقب وخيمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية، ناهيك عن التأثير على عامل استقرار المنطقة في دول المغرب العربي، في ظل وجود العديد من المؤشرات التي قد تؤدي إلى مزيد من التوتر والتصعيد خلال الفترة القادمة.

وسائل إعلام جزائرية بدأت مؤخرا الحديث عن اجتماعات على أعلى مستويات في إسرائيل بمشاركة أجهزة المخابرات المغربية، فيما يبدو اتهاما جزائريا بمشاركة المغرب في زعزعة أمن واستقرار الجزائر، الأمر الذي يوحي بتعميق حالة انعدام الثقة بين البلدين، فهل تكون هذه الاتهامات مقدمة لمزيد من التصعيد.

اتهامات غير مباشرة

صحيفة “الخبر” الجزائرية، أفادت بأن اجتماعا على أعلى مستوى عُقد في إسرائيل، ضم أجهزة مخابرات إسرائيل وفرنسا والمغرب، معتبرة أن هدف المشاركين في الاجتماع تتركز على “زعزعة أمن الجزائر وتونس”، الأمر الذي يوحي بتصعيد جزائري محتمل ضد الجارة المغربية.

مصدر الصورة (رويترز)

الصحيفة نقلت عما سمتها “مصادر موثوقة”، قولها إن ” معلومات مؤكدة تشير إلى انعقاد اجتماع في إسرائيل، أمس، جمع أجهزة مخابرات إسرائيل وجهاز المخابرات الفرنسي ممثلا بخمسة مسؤولين رفيعي المستوى و12 مسؤولا من الاستخبارات المغربية، وقد حدد جدول أعمال الاجتماع نقطة واحدة تتناول زعزعة الاستقرار في الجزائر وخلق الفوضى في أربع ولايات جزائرية”.

على الرغم من أن مصدرا رسميا في الجزائر لم يتبنَ حديث الصحيفة المذكورة، إلا أن هذه الاتهامات توحي ربما بتعميق حالة انعدام الثقة بين الجزائر والمغرب، خاصة في ظل فشل جميع مساعي تهدئة التوتر بينهما، كان آخرها دخول السعودية على خط المفاوضات، وتخلّلها زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، العاصمة الجزائرية، قبل أسابيع.

الكاتب والباحث السياسي بودراع رضا، رأى أن عدم تبني الرواية بشكل رسمي، يوحي ربما بتوجه حكومي جزائري لإشغال الجزائريين عن الأزمات الداخلية لا سيما على المستوى الاقتصادي، مشيرا إلى أن مستوى التوتر بين الجزائر والمغرب وصل إلى حد يجعل الحوار والتفاوض هو الخيار الأنسب للجانبين، من أجل تفادي أي تصعيد يمكن أن يودي بالمنطقة إلى سيناريوهات مجهولة.

رضا قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أنا أرى أن التسريب، جاء من باب الحرب النفسية على الشعب الجزائري، الذي أصبح يعيش حالة من الاحتقان والغضب اليومي بسبب تردي الأوضاع الحياتية وضعف القدرة الشرائية وأيضا انكشاف البنية التحتية الهشة أمام السيول المطرية التي شهدتها مختلف المدن الجزائرية، بهدف كبح أي حراك شعبي على غرار ما حصل في 2019”.

عداء تاريخي

التوتر بين الجزائر والمغرب، وصفه رضا بأنه “مأساة جيلية مرتبطة بالظاهرة الاستعمارية، في ظل استمرار حالة العداء بين المنظومات الحاكمة في البلدين، والتي بالتأكيد لا تشمل العداء بين الشعبين”، لذلك فإن حل جميع المسائل العالقة يجب أن يتم عن طريق فتح قنوات حوار حقيقية، ويكون الجانبان في مسعى حقيقي لإيجاد آليات من شأنها تخفيف التوتر.

رضا استبعد أن يكون الجانبان الجزائري والمغرب وفق المعطيات الراهنة، جاهزان للحوار والتفاوض، وذلك في ظل التنافس الخارجي بينهما، والذي بلغ مستويات مهددة للجميع، كذلك فإن تغيير العقيدة العسكرية للجيش الجزائري من أن فرنسا هي العدو التاريخي إلى كون المغرب هو العدو التاريخي، يضعف كثيرا من فرص التفاوض خلال الفترة القادمة.

بالنظر إلى العداء التاريخي والمواقف المتباينة والمتراكمة، لا توحي جميع المؤشرات بأن استقرارا في العلاقات الثنائية يمكن تحقيقه في الأمد القريب، وهنا أوضح رضا أن “الجانبين بحاجة لجيل جديد من القادة يتجاوزون الإرث العدائي القديم والمعقّد، للوصول إلى مقاربات أكثر مرونة وحكمة”.

كذلك فإن من أبرز القضايا التي تقطع الطريق على قنوات الحوار، تدخّل الدول الخارجية في شؤون جميع الدول الإفريقية، وذلك في ظل تحول دول إفريقيا إلى محطة تنافس القوى الدولية.

حل بوساطة عربية؟

بالعودة إلى جهود الوساطة بين الجانبين، ​​فقد زار مؤخرا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، العاصمة الجزائرية، والتقى بحسب ما ذكرت صحيفة “العلم المغربية”، عددا من المسؤولين في مقدمتهم الرئيس عبد المجيد تبون، وركّزت المباحثات على الأزمة مع المغرب، حيث أبدى بن فرحان استعداد بلاده لرعاية مشاورات مباشرة بين الرباط والجزائر

مشاورات بصفة غير رسمية، هي الصيغة التي اقترحها الوزير السعودي، على الرغم من أن المصادر التي نقلت تفاصيل الزيارة وهي مصادر مغربية، أشارت إلى عدم تجاوبٍ يُذكر من قبل المسؤولين الجزائريين، في حين لم تعلّق الحكومة الجزائرية على تفاصيل الزيارة حتى ساعة نشر هذا التقرير.

أي مبادرة،  لن تنجح إلا إذا كان الطرفان لديهم رغبة في استعادة العلاقات، التي كانت طوال الوقت متوترة على مدار تاريخ الدولتين، ودائما ما كانت هناك اتهامات وحالة من عدم الثقة بينهما، إما اتهامات بالتدخل بالشؤون الداخلية السياسية وإما التدخل في دعم قضية “البوليساريو”، حتى المعارك بينهم والنزاع وصل أحيانا لاستعدادات مباشرة من أجل المواجهة العسكرية.

في التوقيت الحالي وبالنظر إلى آخر تطورات الخلاف، لا يبدو أن كلًّ من المغرب والجزائر متعاونتين مع أي وساطة، وعلى الرغم من إعلان الجانبين أمام المجتمع الدولي وأمام الرأي العام الداخلي، أنهما متقبلان لأي وساطة تساهم في إنهاء الخلافات، لكن على أرض الواقع نجد أن كل طرف متمسك بمطالبه وشروطه لبدء أي نوع من أنواع المفاوضات.

العلاقات بين الجانبين، تشهد توترا منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

ذروة الخلاف بين الجانبين كانت منذ تموز/يوليو عام 2021 حتى الآن، حيث تصاعدت حملات الهجوم اللفظي بين البلدين عندما أعلن عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل في تقرير مصيرهم ردا على الدعم الجزائري لجبهة “البوليساريو”، وهو ما أثار غضب الحكومة الجزائرية التي سارعت لاستدعاء سفيرها لدى المغرب للتشاور. 

جذور الخلاف

تقارير إعلامية نفتها المغرب تحدثت في وقت سابق حول تورط الرباط باستخدام برنامج “بيغاسوس” للتجسس الإلكتروني؛ لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين الجانبين، وأدى إلى اتهام الجزائر المغرب بدعم جماعتين تدرجهما الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية وهما “رشاد” و”ماك” الانفصالية في منطقة القبائل، وحمّلته بدون دليل مادي، مسؤولية الحرائق التي اجتاحت الحياة البرية في الجزائر. 

أساس الخلاف بين الجانبين تمثّل خلال العقود الأخيرة، بصراع على الحدود المشتركة، لكن دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” فاقم أزمة الصراع الثانية، وأفضل مرحلة من العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر كانت المرحلة التي يمكن وصفها بـ”مرحلة الفتور”، بخلاف ذلك فقد كانت العلاقات متوترة جدا حتى وصلت في بعض الأحيان إلى المناوشات العسكرية.

قد يهمك: الانقسام داخل الائتلاف الحاكم بالمغرب.. هل يطيح بحكومة أخنوش؟

الجزائر تتهم المغرب بممارسة أعمال عدائية ضدها اضطرتها لقطع العلاقات كليا، وتمّ إعلان ذلك في 24 آب/ أغسطس 2021، تتمثل هذه الأعمال بـ”الاستيلاء على أراض جزائرية إلى قيام دبلوماسي مغربي بالحديث عن حق تقرير المصير لشعب القبائل الشجاع”، في حين تبرّر المغرب هذه التصرفات بدعم الجزائر لجبهة “البوليساريو”.

التوتر بين المغرب والجزائر زاد حدته، إثر عودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ضمن صفقة تضمّنت اعترافا أميركيا بمغربية الصحراء، إضافة لإقامة الرباط علاقات مع تل أبيب في مجالات عسكرية وأمنية، كما أوقفت الجزائر تصدير الغاز إلى المغرب، وأغلقت أجواء البلاد أمام الطائرات المغربية في أيلول/سبتمبر من العام 2021.

لكنّ الخصومات بين المغرب والجزائر تعود إلى بداية الاستقلال، حيث كانت هناك حربٌ عُرفت بحرب “الرمال” عام 1963، وقد بدأت جذور الخلاف بين البلدين بعدما ضمَّت سلطات الاستعمار الفرنسي منطقتَي بشار وتندوف إلى الأراضي الجزائرية، وهما منطقتان ترى المغرب حقها التاريخي فيهما، وأنهما جزء من أراضيها التاريخية.

لا يبدو حتى الآن أن حلّ الخلافات العالقة بين المغرب والجزائر أو التخفيف من حدتها، سيتحقق عبر مبادرة عربية كانت أو دولية، فيما إذا لم يكن هناك رغبة حقيقية من الجارتين، بالجلوس على طاولة مفاوضات واحدة، وبالتالي استعداد كلا الجانبين لتقديم تنازلات للوصول إلى صيغة حل مشتركة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة