في علامة جديدة على تصميم الإدارة الأميركية على تهدئة العلاقات المتوترة مع المملكة العربية السعودية، وتطوير الشراكة الإستراتيجية معها في إطار تحالف جديد يمتد إلى الهند، مرورا بالإمارات، استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أمس الأحد، مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، وبحث معه مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
إلى جانب مستشار الأمن القومي الأميركي، استقبل بن سلمان أيضا نائب حاكم أبو ظبي مستشار الأمن الوطني في الإمارات الشيخ طحنون بن زايد ومستشار الأمن القومي الهندي آجيت دوفال، وتم خلال اللقاء بحث سبل تعزيز العلاقات والروابط بين دولهم بما يعزز النمو والاستقرار في المنطقة.
من جانبها ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”، أن اللقاء حضره من الجانب الأميركي سفير الولايات المتحدة لدى الرياض مايكل راتني، ومنسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، والمنسق الرئاسي في وزارة الخارجية آموس هوكشتاين، وكبيرة مستشاري الأمن القومي أريانا بيرنجاوت.
اجتماع سوليفان جاء بعد فترة تضررت فيها العلاقات الأميركية السعودية بسبب تخفيضات إنتاج النفط من قبل مجموعة “أوبك+” التي تقودها الرياض، وخلافات حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي كاتب العمود بصحيفة “واشنطن بوست” في 2018.
توقعات للزيارة
زيارة سوليفان إلى السعودية، تركّز على مبادرة أميركية لتعزيز مكانة واشنطن في الشرق الأوسط، إضافة إلى ملفات أخرى، بحسب ما أورده موقع “أكسيوس” الأميركي، حيث نقل الموقع عن مصدر مطلع، بأنه من المتوقع أنّ يناقش مستشارو الأمن القومي السعودي، والأميركي والإماراتي والهندي الذين سيزورون الرياض أيضا، مشروع بنية تحتية قد تعمل على ربط دول الخليج وباقي الدول العربية عبر شبكة من السكك الحديدية مع الهند.
الموقع الأميركي نقل عن مصدرين على علم مباشر بالخطة، بأن المشروع هو أحد المبادرات الرئيسية التي يريد “البيت الأبيض” الدفع بها في الشرق الأوسط، مع تنامي النفوذ الصيني في المنطقة، إذ يعد الشرق الأوسط جزءا رئيسيا من رؤية “الحزام والطريق” الصينية، وذكر المصدران أن سوليفان ناقش أبعاد المشروع الطموح، إلى جانب قضايا إقليمية أخرى.
من جانبه ذكر مسؤول أميركي للموقع بأن سوليفان، سيبحث مع ولي العهد السعودي بن سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين، وضع العلاقة الثنائية بين الرياض وواشنطن، ومن المتوقع أن يناقش سوليفان مع بن سلمان قضايا إقليمية في مقدمتها حل أزمة اليمن، والملف النووي الإيراني، حيث يخيم الجمود على الجهود الرامية لإحياء اتفاق عام 2015، فيما يعود التوتر إلى مياه الخليج بعد أن صادرت واشنطن شحنة نفط إيرانية، تخضع لعقوباتها، قبل أن يرد “الحرس الثوري” الإيراني باحتجاز ناقلتي نفط قرب مضيق “هرمز” مؤخرا.
في موازاة ذلك، نقل تقرير “المونيتور” الأميركي عن مدير التقنيات الاستراتيجية وبرنامج الأمن السيبراني في “معهد الشرق الأوسط” محمد سليمان قوله إن “واشنطن لديها هدفان رئيسيان من الزيارة، الأول إظهار أن علاقاتها مع الرياض قوية على الرغم من الخلافات الأخيرة، أما الهدف الثاني، فهو تضمين السعودية في نهج الولايات المتحدة الجديد لدمج جنوب آسيا والشرق الأوسط”، ويضيف سليمان هنا بأنه “بينما على المدى الطويل، هناك ضرورة إستراتيجية للسعودية للانضمام إلى I2U2”.
تنمية للوجود الهندي
الباحث في شؤون الشرق الأوسط عبد الملك عامر يقول في حديثه لـ”الحل نت” إن الهند حليف استراتيجي للولايات المتحدة، ولاعب محوري في آسيا الوسطى، وتضطلع بدور كبير في الاستراتيجية الأميركية لمزاحمة المصالح الصينية، وهو الدور الآخذ بالتوسع نحو الشرق الأوسط، مع ذلك فإن التوجه الهندي للشرق الأوسط ليس جديدا، بل منذ صعود حكومة ناريندرا مودي وبرنامجه للتنمية الاقتصادية.
عامر يضيف هنا، بأن الهند أعادت إحياء روابطها التاريخية مع الشرق لما تحتويه المنطقة من موارد للطاقة، وفرص استثمارية وأسواق وغيرها، وكذلك فإن الهند دولة تمتلك اقتصاد صاعد قوي وتمثيل في المجتمع العالمي، وتأثير سياسي واقتصادي كبير، وتطور تقني وموارد بشرية، وهي بذلك تُهم أيضا دولا في الشرق الأوسط، وفق تعبيره.
مع ذلك يواجه تقديم الهند كبديل عن الصين تحديات عدة، حيث القارة الهندية تتسم بتعقيد جيوسياسي مرتفع، من جهة النزاع على كشمير مع باكستان، والعلاقات المتقلبة مع نيبال، وتمتد تلك التعقيدات لتطال العلاقة مع إيران وأفغانستان المتغيرة من التعاون إلى التوتر.
كما أن الهند ودول الشرق الأوسط لا تزال تحتاج إلى صياغة مصفوفة من المصالح المتبادلة واستراتيجيات واضحة في أنماط التعامل بين الطرفين، وهي نقطة قطعت فيها الصين شوطا واسعا منذ عقود، في حين أن تنامي التوجه الهندي مرتبط بحكومة ناريندرا مودي وبرنامجه للتنمية الاقتصادية، بحسب عامر.
منتدى “I2U2”
فكرة المبادرة الأميركية الجديدة جاءت خلال المحادثات التي جرت على مدار الـ18 شهرا الماضية في منتدى “I2U2”، والذي ضم الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والهند، وتوسعت الفكرة لاحقا لتشمل السعودية، في ظل جهود أميركية لإقناع المملكة باللحاق بقطار التطبيع مع إسرائيل، والخميس الماضي، ألمح سوليفان إلى مبادرة الربط، حيث قال “إذا لم تتذكر أي شيء آخر من خطاباتي، فتذكر I2U2، لأنك ستسمع المزيد عنه بينما نمضي قدما، والفكرة الأساسية هي ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط بالولايات المتحدة، بطرق تعزز تقنيتنا الاقتصادية ودبلوماسيتنا”، ولفت إلى أن “عددا من المشاريع جارية بالفعل”.
سوليفان أفاد بأن “هناك بعض الخطوات الجديدة المثيرة التي نتطلع إلى تنفيذها في الأشهر المقبلة، نحن نرغب في وجود شرق أوسط أكثر تكاملا وترابطا، يمكّن حلفاءنا وشركاءنا، ويدفع السلام والازدهار الإقليميين ويقلل من متطلبات الموارد على الولايات المتحدة في هذه المنطقة على المدى الطويل دون التضحية بمصالحنا الأساسية أو مشاركتنا في المنطقة”.
إن تحرك سوليفان، الذي أكد في وقت سابق، بأن إدارة الرئيس جو بايدن تتمسك بسياستها القائمة على الردع والدبلوماسية للحفاظ على مصالحها الحيوية بالمنطقة، يأتي في وقت تتجه العلاقات بين السعودية وإيران إلى انفراجه بعد وساطة صينية غير مسبوقة بينهما، بهدف إنهاء القطيعة والتوتر الإقليمي، بحسب ما نقله موقع “الجريدة” الكويتي.
مبادرة “الحزام والطريق”
سبق أن وصف خبراء في الولايات المتحدة مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، التي يحيطها الغموض حاليا، والتي تهدف إلى ربط بكين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية ومشاريع للطاقة، بأنها تمثل حقبة جديدة من المنافسة العالمية.
في أواخر الشهر الماضي، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن وثائق استخبارية مسربة، وصفتها بـ”عالية السرية”، أن أجهزة المخابرات الأميركية كشفت عن استئناف أعمال بناء في منشأة عسكرية صينية مشتبه بها في دولة خليجية في كانون الأول/ ديسمبر الفائت، بعد عام واحد من إعلانها أنها أوقفت المشروع بسبب مخاوف واشنطن.
وفقا للصحيفة، فإن الوثائق كشفت عن أنشطة تراقبها المخابرات الأميركية تابعة للجيش الصيني في ميناء مطل على مياه الخليج، حيث يسعى البلد، الذي وصف بالشريك الأمني منذ وقت طويل، لتطوير علاقات أمنية أوثق مع بكين على حساب الولايات المتحدة، وتحتوي الوثيقة على خريطة من المرافق الأخرى التي يخطط الجيش الصيني لإنشائها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وجميع أنحاء إفريقيا، وجاء فيها أن المسؤولين العسكريين الصينيين يطلقون على هذه الخطط اسم “المشروع 141”.
أخيرا، يرى مراقبون بأن التعزيز المستمر للتعاون الأمني والاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، له أهمية كبيرة في تعزيز الاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية العالمية.
بالتالي، من المهم أن تعمل الدول في المنطقة بشكل مشترك، وتعزيز للتعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية العالمية، بغض النظر عن المصدر الذي يأتي منه هذا التعاون، سواء كانت الهند أو أي دولة أخرى، حيث يمكن لمثل هذه المبادرات الجديدة المتعلقة بتنمية الوجود الهندي في المنطقة، أن تكون مفيدة في تحقيق هذه الأهداف، إذا تم تنفيذها بشكل فعال وبالتنسيق مع الدول الأخرى في المنطقة
إذ إن العلاقات بين الرياض وواشنطن، بدأت الآن تشق طريقا جديدا، وفقا لمتابعين حيث أصبح من الجائز أن تتبنى الرياض مبادرات ومقاربات من شأنها أن تقوي علاقاتها بالولايات المتحدة بشكل متين، بما ينعكس ذلك بشكل إيجابي على كلا البلدين.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.