التطبيع مع إسرائيل، والملف النووي الإيراني، وبحث أشكال جديدة من علاقات التعاون ستكون على قائمة المواضيع التي سيتداولها جيك سوليفان “مستشار الأمن القومي الامريكي” مع نظيره “ولي عهد السعودية” محمد بن سلمان، في زيارته للرياض مطلع الأسبوع القادم، وقدرت وكالة “رويترز” البريطانية هذه الزيارة كمحاولة لتعزيز العلاقات السعودية الأمريكية التي شابها الكثير من التوتر مؤخرا، خاصة في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

“السعودية دولة منبوذة” كانت تلك الكلمة التي استهل بها جو بايدن الرئيس الأمريكي علاقته بالمملكة بسبب موقفها من مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وقبل أن يصبح رئيسا دأب بايدن في خطبه الإنتخابية على اتهام محمد بن سلمان “ولي العهد” في المملكة بأنه مسئولا عن مقتل خاشقجي بطريقة أو أخرى وأنه لن يتوقف عن ملاحقته.

بالنسبة للمحلل السياسي الأمريكي إيريك هام فحالة التوتر طبيعية حيث يرى أنه، “سينُظر للمملكة على أنها دولة منبوذة بين الديمقراطيين المهتمين إلى حد كبير بقضايا حقوق الإنسان، بينما سيرى الجمهوريون مثل الرئيس السابق ترامب وجناحه أن السعودية حليف وحصن ضد النفوذ الإيراني”.

هكذا جاءت إدارة بايدن مُحملة بموقف عدائي تجاه الرياض شكل ملامح العلاقة بينهما، ولكن تشير الأحداث مؤخرا أن تغيرات ستجري لتستعيد تلك العلاقة صفوها مرة أخرى وهو ليس بأمر غريب، فالأزمات والتوترات هما الاستثناء الذي دائما ما أكد على قوة أواصر التحالف الممتدة بين الرياض وواشنطن، تلك العلاقة التي تمتعت باستمرارية دون قطيعة منذ العام 1945 رغم ما مرت به من أزمات كانت كفيلة بإنهائها في عير مرة، ورغم التناقض في طبيعة نظام الحكم بين الملكية العائلية المطلقة مقابل نظام ديمقراطي حر يحكم البيت الأبيض. ولكن مشكلات أكثر من مقتل خاشقجي أثرت على العلاقة بين الحليفين مؤخرا.

النفط دوما

منذ قرار الدول العربية المصدرة للنفط بقيادة الملك فيصل عبد العزيز بحظر النفط أثناء حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 أصبح للنفط نفوذا واسعا قادرا على تعكير صفو العلاقة بين واشنطن والرياض، أو تحسينها، هذا ما بدا واضحا في ملامح العلاقة الحالية بين واشنطن والرياض، ففي أعقاب العدوان الروسي على أوكرانيا وقع التوتر الأول بين البلدين.

في تموز/يوليو 2022 هبطت طائرة جو بايدن في مطار الرياض لإقناع السعودية برفع إنتاج النفط لمواجهة الأزمة في السوق العالمية التي تسبب فيها العدوان، ولكن أحدا في السعودية لم يستجب لدعوة الرئيس الأمريكي.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالرياض قررت تخفيض إنتاجها من النفط في تشرين الأول/أكتوبر 2022 مما جعل الرئيس الأمريكي يفكر في إعادة تقييم علاقة بلاده بالسعودية، ودعا أعضاء في مجلس الشيوخ إلى تجميد التعاون بين واشنطن والرياض خاصة في مجال صفقات الأسلحة، ولاحقت السعودية إتهامات بدعم روسيا في عدوانها على أوكرانيا.

قرارا آخر بخفض الإنتاج صدر في نيسان/أبريل 2023 صدر حين عقدت مجموعة “أوبيك بلس” التي تتزعمها السعودية اجتماعًا خلص إلى الإعلان عن خفض طوعي للإنتاج يقدر بـ 500 ألف برميل يوميا أي حوالي 5% من إنتاج السعودية بالتنسيق مع دول نفطية أخرى من أعضاء المجموعة أو من خارجها وهو ما أثر بصفة عامة على تراجع إمدادات السوق بأكثر من مليون برميل في اليوم، وهو أمر عقب عليه المتحدث الرسمي باسم “الأمن القومي الأمريكي” قائلًا، “لا أعتقد أن الخفض أمر يُنصح به في ظل حالة عدم اليقين في السوق وقد أوضحنا ذلك”.

قيادة صينية!

كـ”شريك للحوار” حازت السعودية مقعدا في منظمة “شنغهاي للتعاون” حيث وافقت على الانضمام للمنظمة،  وهو الأمر الذي عده مراقبون مؤشرا على حلول بكين محل واشنطن في قيادة الشرق الأوسط من خلال العلاقة مع الرياض، وخاصة أن تلك الخطوة جاءت في أعقاب خطوة صينية لرعاية الحوار بين إيران والسعودية الذي انتهى بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وبداية مرحلة تفاوضية أكثر تفاهما برعاية الصين.

الباحثان هنري روم وغرانت روملي بمعهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” في تحليل لهما رأيا أن رعاية الصين للإتفاق بين طهران والرياض يمكن أن يجعل التوترات الإقليمية أكثر سوءا مما هي عليه، ولكنه لا يشير إلى قيام نظام جديد بزعامة بكين في الشرق الأوسط.

في معرض حديثه “للحل نت” يرى علاء مصطفى “أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بغداد أن، “التقارب بين السعودية والصين كانت إحدى ثمراته الصلح بين السعودية وإيران، وهو الصلح الذي سيتحول لشراكات إقتصادية معمقة بين البلدين كما لمسنا من تصريحات وزراء خارجية الدولتين، ولكن هذا الصلح أزعج أمريكا بشكل جعلها تهدد السعودية بسحب الغطاء الأمني عنها. ولكن السعودية ذكية في خطواتها، فعلى الرغم من أنها تستغل ضعف إدارة بايدن في توسعة دائرة حلفائها دوليًا وتنويعهم وإيجاد حالة متوازنة بعيدًا عن السيطرة الأمريكية، إلا لن تُبحر بعيدًا في علاقتها بالصين حتى لا تثير قطيعة مع أمريكا”.

“دعم البرهان الذي يحظى برضا أمريكي في مواجهة حميدتي الذي يحظى بعلاقة جيدة مع الروس في صراع السودان، كان رسالة إيجابية من الرياض إلى واشنطن لتلطيف الأجواء” يضيف علاء.

زيارات للبحث عن صلح

في 13 نيسان/أبريل 2023 التقى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام ولي العهد السعودي، وعقب غراهام على هذا اللقاء بأنه مثمرًا للغاية ودافعًا إلى الإرتقاء بالعلاقات الأميركية السعودية. كان غراهام من الذين دأبوا على الهجوم على سياسات السعودية خاصة بعد مقتل جمال خاشقجي، إلا أن تبدلا في موقفه يعكس بوضوح الخطوات الحثيثة لواشنطن والرياض لإصلاح الأمور.

تلك الزيارة ليست سوى واحدة من زيارات كثيرة يقوم بها مسئولو الولايات المتحدة إلى السعودية والخليج مؤخرا، ففي الأيام الماضية كان تيم ليندركينغ “مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية” في زيارة لعمان والسعودية للتشجيع على بحث مسألة استمرار الهدنة بين السعودية والحوثيين من أجل إنهاء الحرب في اليمن.

دعم البرهان الذي يحظى برضا أمريكي في مواجهة حميدتي الذي يحظى بعلاقة جيدة مع الروس في صراع السودان، كان رسالة إيجابية من الرياض إلى واشنطن لتلطيف الأجواء

علاء مصطفى

وفي زيارته المخطط لها، سيحاول جيك سوليفان بحث مجالات جديدة للتعاون مع المملكة خاصة أن ممثلين للهند وللإمارات سيزورون المملكة وسيحاولون فتح مجال للتعاون والتنسيق الرباعي المتبادل بين نيودلهي والرياض وواشنطن ودبي، وسيفتح حديثًا حول القضايا الشائكة بين البلدين فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، والملف النووي الإيراني الذي تسعى أمريكا إلى حسمه بشكل دبلوماسي يمنع إيران من إمتلاك سلاح نووي.

ولكن يبقى الملف السوري قائما، فالبتوازي مع إجتماع رباعي عُقد في عمان بين مصر والعراق والأردن والسعودية بشأن إتخاذ قرار بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أصدرت الخارجية الأمريكية بيانًا تؤكد على كونها ترفض التطبيع مع الأسد سواء من طرفها أو من حلفائها، ولكنها لم تشير إلى دول بعينها بالتحديد، وأعلنت أن أكثر ما يشغلها مع سوريا في الوقت الحالي هو قضية الصحفي أوستن تايس المحتجز في سوريا أكثر من عشر سنوات حتى الآن، وتحاول أمريكا حل تلك القضية بالتباحث مع سوريا من خلال دول وسيطة. وفيما يخص الموقف الأمريكي من التطبيع مع الأسد، يرى علاء مصطفى أن، “سوريا ليست منطقة نفوذ أمريكية وكل ما يهم أمريكا من سوريا هو مجاملة الأمن الإسرائيلي والبقاء في الشرق السوري للسيطرة على منابع النفط والغاز، وقطع التواصل بين معسكر محور الممانعة الممتد من طهران إلى بيروت، وهذا هو هدفها الأساس ولا أهداف لها، بدليل أنها فكرت في الإنسحاب ذات مرة ولكن الضغوط الإسرائيلية منعتها من ذلك”

“لا أرى أن زيارة سوليفان ستعرقل محاولات إعادة سوريا لجامعة الدولة العربية مرة أخرى” يضيف علاء “للحل نت”.

في النهاية، تبدو أن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ستظل محاطة بالتوتر ومحكومة بالتعقيد بحكم بعض القضايا المعلقة دون حسم ووضوح، ولا تجد لها وصفا أفضل مما اختاره نايف بن حثيلين كعنوان لكتابه، أنها علاقة “صراع الحلفاء“.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات