في ظل مشهد سياسي معقّد ومنقسم وظروف أمنية هشّة، انتهى الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، الذي انعقد قبل أيام قليلة في العاصمة الليبية طرابلس، حيث دعت له وزارة خارجية حكومة “الوحدة الوطنية”، كونها رئيس مجلس “الجامعة العربية” على المستوى الوزاري للدورة 158، تاركا وراءه أثرا واضحا في المشهد السياسي الليبي على صعيديه الداخلي والخارجي.

مصادر ليبية متطابقة كانت قد أكدت قبل الاجتماع أن عدد الدول التي أكدت مشاركتها هي أربع فقط، بينما قالت مصادر أخرى إن دولا أخرى غير مصر تأكد غيابها عن المؤتمر، في حين صدرت مطالبات عربية بتأجيل الاجتماع إلى وقت لاحق بسبب الظروف التي تعيشها ليبيا والمنطقة.

الاجتماع حضره، وزراء خارجية تونس عثمان الجرندي، والجزائر رمطان العمامرة، والسودان وجزر القمر وفلسطين فقط، إلى جانب وزير الدولة لشؤون الخارجية القطرية سلطان المريخي، ومعهم المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، وممثلون عن الاتحاد الإفريقي، فيما أرسلت بقيّة الدول سفراءها في ليبيا لتمثيلها، بحسب موقع “إندبندنت عربية”.

عبد الحميد الدبيبة كان قد استبق اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي انعقد الأحد الفائت، بإعلان يوم الأحد إجازة رسمية مفاجئة للجهات العامة، الواقعة داخل نطاق طرابلس الكبرى، بمناسبة انعقاد المؤتمر الذي تستضيفه حكومته.

إنهاء الأزمة

جميع الأطراف في ليبيا تدعوا إلى إجراء انتخابات من شأنها أن تسرّع بإنهاء الأزمة، عن طريق توافق المجالس أو عن طريق توافق الأطراف الليبية لحل الأزمة، بحسب حديث الصحفي رياض محمد، لـ”الحل نت”.

محمد يعتقد أن الإشكالية تكمن بالقاعدة الدستورية، فبدونها لا يمكن إجراء انتخابات في ليبيا، والخلاف الحاصل الآن بين المجلسين “مجلس النواب” و”المجلس الأعلى للدولة”؛  يتعلق بنقاط شروط الترشح للرئاسة والمتعلقة بمزدوجية الجنسية، وكذلك العسكريين.

قد يهمك: الأزمة الليبية.. إلى أين؟

 العلاقات الخلافية مازالت محل جدل، وتحرك الدولة الآن كله يصب في اتجاه حكومة موحدة إلى حين إجراء الانتخابات، بحسب محمد، ولكن جميع الأطراف ترى من مصلحتها أن يتم توافق دولي، وفق تعبيره.

اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير الذي عُقد في طرابلس، من وجهة نظر محمد، هو “نوع من خلق فكرة أن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، هي الحكومة الشرعية، وهي من خلالها تقوم الدول التي كانت موجودة في الاجتماع بدعم هذا الإطار، لتوضيح عدة رسائل من بينها أن العاصمة آمنة ولا يوجد فيها نوع من المظاهر المسلحة، وتأكيد على أن حكومة الوحدة الوطنية قادرة على أن تجمع الأطراف الدولية الإقليمية في اتجاه مصلحتها”، وفق تعبيره.

التحشيد الدولي على الرغم من قلة الحضور، برأي محمد، يُعد بالنسبة لـ”حكومة الوحدة الوطنية” تحرك إيجابي باتجاه شرعيتها.

انتخابات في 2023

قبل أيام، تحدث رئيس “مجلس النواب” عقيلة صالح عن إمكانية إجراء الانتخابات في شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم، بعد التوصل لقاعدة دستورية بالاتفاق مع “المجلس الأعلى للدولة”.

عن الخلافات الدائرة مع “مجلس الدولة” وعطَّلت الانتخابات، يقول صالح إن “نقاط الخلاف الباقية فيما يخص الوثيقة الدستورية، تتعلق بمسألتي ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهناك لجنة تعمل على تقريب وجهات النظر”، وفقا لما نقله موقع “سكاي نيوز عربية”.

عن وجهة نظر “المجلس الأعلى” للدولة، يؤكد ناجي مختار، النائب الأول لرئيس المجلس، ما جاء على لسان صالح من أن “المادتين اللتين لم يتم الفصل فيهما بعد تتعلقان بترشّح العسكريين ومزدوجي الجنسية”.

مختار توقّع أن تُنجز القاعدة الدستورية في شباط/فبراير القادم، ثم تحال إلى اللجنة المكلّفة بإصدار القوانين؛ ما يجعل إجراء الانتخابات هذا العام أمرا ممكنا.

حلول إقليمية ودولية لمواجهة الأزمة

السفير الأميركي، مبعوث واشنطن الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أجرى مباحثات هاتفية مع رئيس “المجلس الرئاسي” الليبي، محمد المنفي، حول جهود المصالحة الوطنية، وكسر الجمود السياسي الذي يخنق البلاد والدفع بالعملية السياسية للأمام؛ للوصول إلى الانتخابات في أقرب وقت، بحسب موقع “سكاي نيوز عربية”.

 في ذات الملف، يؤكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في اجتماع مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ضرورة توجيه الأطراف الليبية دعوة تستعجل إنجاز الانتخابات.

اقرأ أيضا: تحالفات سياسية على وقع الأزمة الليبية.. من يحكم طرابلس؟ 

الطرفان اتفقا على ضرورة التوصل إلى حل توافقي للأزمة أساسه تنظيم الانتخابات، ودعم مسار المصالحة الوطنية في إطار الحوار الشامل الذي تقوده الأمم المتحدة.

من جانبه، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع مدير “وكالة المخابرات المركزية” الأميركية وليام بيرنز، الذي زار ليبيا مؤخرا، مجمل أوضاع ليبيا، واتفقا على ضرورة إجراء الانتخابات في أقرب فرصة.

السفيرة البريطانية في ليبيا، كارولين هورندال، طالبت بتوسيع نطاق المحادثات بين “مجلس النواب” و”المجلس الأعلى للدولة”؛ للتوصل للقاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، قائلة إنه “من المهم معالجة القضايا التي تعرقل التقدم بالإجابة على أسئلة متعلقة بمدى التزام جميع الأطراف بقبول نتائج الانتخابات بعد إجرائها”.

الهدف الحقيقي للانتخابات

السعي وراء إجراء انتخابات في ليبيا، بحسب رياض محمد، هو تأكيد لضرورة وجود أرضية تسمح لبعض من الدول التي تهمها مصلحتها في ليبيا، أن تتحرك بشكل قانوني وإطار شرعي، ويستبعد محمد حدوث انهيار لوقف إطلاق النار، بحكم أن الرسائل التي أتت بها زيارة مدير الاستخبارات الأميركية لطرابلس، وكذلك زيارة قائد القوات الجوية الإفريقية لبنغازي، هي رسالة واضحة للأطراف الليبية بأن يكفوا عن الصراع، وفق تعبيره.

الهدف الأساسي لتلك الدول، هو طرد مجموعة “فاغنر” الروسية من الحقول النفطية ومراكز تواجدهم، لذلك يعتقد محمد، أن وقف إطلاق النار بعيد على أن ينهار في أي لحظة، هي فقط محاولات من قبل اللجان لتشكل آلية لوقف إطلاق النار ومتابعة إجراءات خروج كافة القوات الأجنبية وهذا هو الإطار الأساسي لها، على حد وصفه.

 الخطر في حدوث وقف إطلاق النار، بحسب محمد، هو عودة الاشتباكات والحرب مجددا بين الأطراف وهذا يؤثر بشكل أو بآخر على الوضع في ليبيا، سواء كان على صعيد المدنيين أو على الصعيد العسكري أو حتى السياسي، لأن الأطراف المسلحة الآن لها انتماءات، كل جهة تتبع لجهة أخرى، وفق تعبيره.

 الخطر يتمثل أيضا، بزعزعة الأمن بالدرجة الأولى، يقول محمد، وهذا الأمر سيزيد من وجود الأطراف والتشكيلات الأخرى، سواء كانت داخلية أو خارجية، ونصبح في جدال الدخول في فصائل وميليشيات عسكرية أخرى جديدة.

إجراءات احترازية

الفصائل العسكرية كل منها يحاول الحفاظ على مصلحته وكيانه، وجميعهم يحاولون بطريقة أو بأخرى أن يأخذوا احتياطاتهم، ويقوموا بإجراءات احترازية لعدم وقوع اعتداءات أو اشتباكات مسلحة ما بينهم أو مع أطراف أخرى، وفق محمد.

 المعركة تعتبر الآن في ليبيا أو طرابلس أو في أي مدينة أخرى، معركة بسط نفوذ، من وجهة نظر محمد، فهناك مجموعات تحاول أن تسيطر بطريقة أو أخرى، وهناك من يحاول إزاحة أطراف دون مصلحة أو لجهة معينة، فالجميع يقوم بإجراءات احترازية، وفق تعبيره.

 التحشيدات التي تجري الآن في ليبيا، هي عبارة عن استعراض قوى لا أكثر، ولا يوجد أي نوع من الحرب حاليا، ويُعد ذلك نوع من الإجراءات الاحتياطية او الاحترازية لا أكثر، لأن الوضع الآن يتجه في المنحى السياسي، بحسب محمد.

مراقبون يرون في الوضع الليبي، بأن هذا العام يعتبر فرصة أخيرة لإجراء الانتخابات والخروج من الأزمة السياسية التي تعانيها البلاد، وبأن التحشيد المستمر للميليشيات المتواجدة في ليبيا، ينبأ بأن القادم ليس الأفضل، إن لم تتم الانتخابات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.