فيما يبدو أن الأزمة السياسية في تونس تتجه نحو منعطف جديد بعد توقيف زعيم “حركة النهضة” الذراع السياسية لـ”لإخوان المسلمين” راشد الغنوشي رفقة عدد من قيادات “الحركة”، ومنع الاجتماعات بكل مقراتها، حيث يرى مراقبون هذه الخطوة بأنها قد تُمهِّد لحل الحزب ذي المرجعية الإسلامية.

خلال حضوره الاحتفال بالذكرى الـ 67 لقوات الأمن الداخلي الثلاثاء الفائت، أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد أنّ “بلاده تخوض حرب تحرير وطني من أجل فرض السيادة كاملة”، مشدّدا على أنّه “لا عودة إلى الوراء”، وذلك عقب اعتقال الغنوشي وبعض قيادات “حركة النهضة”، بتهم تتعلق بالتحريض على حرب أهلية، ونشر الفوضى.

سعيّد لفت في كلمته إلى وجود أطراف حاولت تفجير الدولة من الداخل حتى تتحوّل إلى مجموعة من المقاطعات، قائلا “نحن نطبّق القانون وكل الإجراءات التي نص عليها، ولا نريد أن يُظلم أحد، ولكن لن نترك الدولة التونسية فريسة لهؤلاء ليعبثوا بها كما يريدون”.

هذا، وتم إيقاف الغنوشي لأول مرة منذ 2011، برغم الكم الكبير من القضايا الخطيرة التي تلاحقه، على خلفية تهم جديدة تتعلق بالتحريض على حرب أهلية، ونشر الفوضى على خلفية فيديو مسرّب له يتحدّث فيه عن حرب أهلية أمام أنصاره خلال اجتماع له في 11 من الشهر الجاري بمقر “جبهة الخلاص الوطني” الواجهة السياسية لـ”حركة النهضة”، حيث تضاف هذه التهمة إلى تهم عديدة أخرى تتعلق بالفساد المالي والإرهاب والاغتيالات السياسية وتسفير الجهاديين إلى بؤر التوتر في كلا من سوريا والعراق وأيضا التخابر على أمن الدولة التونسية، بحسب ما نقله موقع “حفريات”.

دلالات الاعتقال

“حركة النهضة” و”جبهة الخلاص الوطني”، تحاولان إظهار إيقاف الغنوشي بأنه تصفية للخصوم السياسيين، إلا أن الأمر لا يتعلق بذلك، فالتصريحات التحريضية التي أدلى بها مؤخرا، مستغلا الوضع الاجتماعي المتردي في تونس. كانت سببا بإيقافه، وبالتالي فإن قرار الاحتفاظ به سيخضع بالضرورة إلى قانون الإرهاب، وفقا لحديث المحلل السياسي باسل ترجمان لـ”الحل نت”، والذي يرى بأنه من المفيد فصل المسار القضائي عن المسار السياسي.

مقر لحركة النهضة (سي إن إن عربية)
مقر لحركة النهضة (سي إن إن عربية)

من جهته، أكد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية التونسية بأن إيقاف الغنوشي كان بأمر من النيابة العامة في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بعد تفتيش منزله، وذلك عقب تصريحات له اعتبرتها النيابة العامة تحريضية. حيث أظهر الفيديو المسرب له وهو يتحدث خلاله عن “حرب أهلية” في حال إقصاء الإسلاميين واليسار في تونس.

قد يهمك: “يا قضاء أوقف استبداد الفرد“.. إلى أين تتجه الأوضاع في تونس؟

هذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها التحقيق مع راشد الغنوشي، إذ سبق له أن مثل في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الأخيرة أمام القضاء، للتحقيق معه في تهم متعلقة بتبييض الأموال والإرهاب، لكنها المرة الأولى التي لا يطلق فيها سراحه رغم مضي أكثر من 24 ساعة على توقيفه.

التوقيفات الجديدة التي طالت الغنوشي وقيادات في “النهضة” جاءت في وقت لا تزال “الحركة” تصف مسار ما بعد 25 تموز/ يوليو 2021 بالانقلاب، بينما بدأ البرلمان الجديد في ممارسة مهامه قبل نحو شهر، وفي وقت تقول منظمات وطنية وازنة إنها بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مبادرة إنقاذ لإخراج البلاد من أزمتها.

 مسار قضائي

خبر توقيف الغنوشي وقيادات من “حركة النهضة”، كان مثار الاهتمام لكثيرين، وخاصة من يطالبون بالمحاكمة والمحاسبة لكل من يعتبرون أنه “أضرّ بالبلاد في فترة حكم النهضة”، وأيضا من كانوا متضررين من العلميات الإرهابية التي عاشتها تونس خلال السنوات الأخيرة الماضية، كما عبر بعضهم عن سعادته بخبر التوقيف وخاصة أنصار الرئيس قيس سعيد.

في غالب الأحيان تحاول “الحركة” أن تنفي ما يُنسب لها من اتهامات بميلها لاستخدام العنف، وبأنها قامت بمراجعات جذرية لأدبياتها، وتخليها عن الجناح المسلح، وبأنها تحولت من حركة عنيفة إلى حركة تمارس العمل السياسي بعيدا من خطاب العنف والكراهية، لكن تصريحات زعميها الأخيرة تنفي ذلك.

منذ أيار/مايو 2022 صدر قرار قضائي يقضي بمنع الغنوشي من السفر، وتجميد حساباته المالية، مع قياديين آخرين في “حركة النهضة”، واعتبر عدد من المتابعين للشأن العام في تونس أنّ الغنوشي هدد ودعا إلى العنف والحرب الأهلية، بعد حملة منظمة قادتها حركته على الدولة وقواتها المسلحة من أمن وجيش وطني، وذلك بعد ما كتبه صهره رفيق عبد السلام مؤخرا بحسابه في ”فيسبوك” مهاجما الجيش التونسي واصفا إيّاه بـ”الانقلابي”، في تصريحات سرعان ما تبرأت منها الحركة الإسلامية في بيان لها.

تدوينة عبد السلام أعادت إلى أذهان التونسيين تصريحا لراشد الغنوشي عام 2012، قال فيه إنّ “الجيش ليس مضمونا، والشرطة ليست مضمونة”، معتبرين أنّ موقف صهره من الجيش، يُعبّر عن فكر “حركة النهضة”.

من جهته يقول ترجمان تصريحات الغنوشي الأخيرة كانت بمثابة “إعطاء الضوء الأخضر لأنصاره أو تحرير المبادرة لهدر الدماء”، ويلفت هنا إلى أن هذا الأسلوب استعملته “الحركة” في فترة الثمانينات والتسعينات، ومذكرا بعدد من الحوادث التي كانت “حركة النهضة” تقف وراءها مثل “حوادث باب سويقة” و”الكرم” والتي راح ضحيّتها حينها مدنيون أبرياء.

ملف تسفير الشباب التونسي لسوريا؟

مع تقدم التحقيقات في ملف تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في سوريا، والذي أخذ منحا جديدا مع عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وزيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إلى تونس قبل يوم من اعتقال الغنوشي.، يقرن محللون ذلك بتصريحات الأخير التي تضمنت دعوة صريحة للإرهاب وتحرير المبادرة الفردية وتوجيه رسائل مشفرة لمن تبقى من أنصاره، ما دفع بالسلطات إلى غلق كل مقرات “حركة النهضة”.

إيقاف راشد الغنوشي، وغلق مقرات “حركة النهضة” من الممكن أن يمهد لحل هذا الحزب الإخواني، وفقا لمتابعين للشأن التونسي، حيث أن “الحركة” استغلت منذ تأسيسها الاختراقات والعنف وخطاب الاقتتال والفتنة والاغتيالات والتحريض كأدوات، لتبديل طبيعة المجتمع التونسي وهيئة الدولة.

اقرأ أيضا: الحل الأمني.. سياسة الرئاسة التونسية للتعتيم على الأزمة الاقتصادية؟

في هذا الصدد يقول المحلل السياسي باسل ترجمان، إن “الغنوشي وحركة النهضة، يعيشان حالة من الإرباك بسبب الأزمات التنظيمية والهيكلية للحزب، والتي يرى أن الأول يقف وراءها لعدم إيمانه بأسس العمل الديموقراطي وتحويله الحركة إلى حديقة خلفية لعائلته، ورفضه احترام مقررات مؤتمرات الحركة التي تمنعه من إعادة الترشح مرة أخرى لمنصب رئيس الحركة الذي يتقلده منذ أكثر من 40 سنة، وأن الانشقاقات داخل الحزب الإسلامي تتالت بسبب سياسة الغنوشي، وقد زادت التصريحات الأخيرة لصهره في حدّتها”.

الشعب التونسي اكتشف حقيقة الغنوشي وحركته، وأن كل ما كان يدعونه ويطرحونه من شعارات كانت جميعها مغايرة للحقيقة، وكان هدفهم من ذلك هو الوصول إلى السلطة بأي وسيلة كانت حتى لو تحالفوا مع الفساد وقاموا بكل ما يمكن مسماته بمماراسات مخالفة للقانون من أجل ذلك، من وجهة نظر ترجمان، وبالتالي هم فقدوا القاعدة الشعبية ولم يعد لهم وجود أو تأثير ويدلل على ذلك بأنهم عاجزين اليوم على أن يكون لهم وجود في الشارع التونسي يمكن من خلاله أن يظهروا قدرتهم على الدفاع عن زعيمهم الموقوف.

أخيرا، تواجه “حركة النهضة” في تونس منذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية في البلاد، وما تبعها من خطوات قضائية تستهدف محاسبة الفاسدين، مجموعة من الاتهامات تتعلق بإفساد المجال السياسي وتلقي تمويلات خارجية واختراق القضاء، فضلا عن الاتهامات التي تتعلق بالإرهاب وملف الاغتيالات السياسية والتورط بتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر والإرهاب في الخارج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات