خلال الأشهر الماضية تصاعدت الاحتجاجات التونسية ضد رئيس البلاد وسياساته في إدارة مختلف الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وسط غياب أي رؤية واضحة للرئيس لاحتواء هذه الاحتجاجات أو إنهائها، ما يوحي بتصعيد قادم قد يخرج عن السيطرة ويُدخل البلاد في نفق لا يمكن العودة منه.

استمرار الرئيس التونسي قيس سعيّد بسياسة قمع المعارضة، وزج الشخصيات السياسية في السجون والمعتقلات، دفع بالمعارضة التونسية إلى إطلاق تحذيرات بانهيار البلاد، تزامنا مع الأزمات الاقتصادية التي تعصف بتونس، وفشل الحكومة بالتوصل لاتفاق مع “صندوق النقد الدولي” للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار لتعبئة موارد البلاد المالية، بعد أشهر من المفاوضات.

“جبهة الخلاص الوطني” المعارضة حذرت الأحد الفائت، من مخاطر الانهيار الوشيك للدولة، داعية إلى الإسراع بإيجاد حلول، مؤكدة في الوقت ذاته مواصلتها النضال إلى حين تحقيق مطالبها، ومنها إطلاق سراح الموقوفين، والدفاع عن الحريات، في وقت تتواصل فيه التظاهرات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وبحسب تقرير نشره موقع “العربي الجديد” فقد رفع المحتجون شعارات من قبيل “قضاء أوقف استبداد الفرد، الحرية للمعتقلين، حريات حريات لا قضاء التعليمات”.

الوضع في طريقه للانهيار؟

معارضون سياسيون بينهم رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، اعتبروا أن الوضع في تونس “خطير وينبئ بالانهيار”، نتيجة السياسات الخاطئة والتصريحات المتواترة وغير المدروسة لقيس سعيّد، فيما اعتبر الشابي أن “الحل في الحوار والحل في الوحدة الوطنية، والدعوة موجهة لاتحاد الشغل ولكل الفرقاء السياسيين للمشاركة في الحل”.

الحملة الأمنية التي شنّتها السلطة بقيادة الرئيس التونسي، لم تنجح حتى الآن على الأقل في إسكات أصوات المعارضة، بل على العكس فإن الاحتجاجات التونسية، تتوسع يوما بعد يوم رفضا لسياسة السلطة في التعامل مع الاحتجاجات، في وقت بدأت فيه تظهر ملامح الصراع على السلطة بين حلف الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي يسعى لاحتكار السلطات، وبين أحزاب المعارضة التي تعتبر أن إجراءات الرئيس هي تمهيد لصنع دكتاتور في البلاد، الأمر الذي قد يؤدي بفتح صراع غير محدود في تونس.

قد يهمك: شراكات مزيفة.. التحالفات البراغماتية لـ“حزب الله” مصلحة وليست أيديولوجيا

“التآمر على أمن الدول” هي أبرز التّهم التي يواجهها المعتقلون من السياسيين والناشطين، في وقت اتهم فيه سياسيون تونسيون أن السلطة بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيّد، تسعى لتضخيم تُهم المعتقلين من أجل التغطية على الأزمة الاقتصادية التي فشلت في احتوائها على مدار الأشهر الماضية، فضلا عن التعديلات الدستورية التي منحت الرئيس صلاحيات غير مسبوقة.

الرئيس ساهم بتعميق الأزمة؟

الكاتبة والصحفية التونسية عايدة بن عمر، رأت أن الرئيس التونسي قيس سعيّد ساهم في تعميق الأزمة في تونس، بسبب طريقة تعامله مع إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية، مشيرة إلى أن السلطة بقيادة سعيّد لا تملك أي رؤية لاستيعاب احتجاجات الشارع التونسي، واعتراضاته على سياسات الرئيس.

بن عمر قالت في حديث خاص مع “الحل نت”، “الحقيقة أن الشارع التونسي هو مستقيل من الحياة السياسية تماما، وكل الحراك الحالي مقتصر على الأحزاب المعارضة و أعضائها وأنصارها، وهو عدد لا يتزايد في كل تحرك رغم وطأة الزيادات على أسعار المواد الغذائية وانتشار البطالة وفقدان الأدوية وانسداد الآفاق”.

الحراك السياسي في تونس منذ أشهر، يتركز بشكل أساسي على رفض سياسة الرئيس التونسي قيس سعيّد في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية، كما يتناول قضية الحريات والمعتقلين السياسيين، وما يعتبرونه المعارضة “عبث الرئيس بالدولة ومؤسساتها وهياكلها في مختلف المجالات”.

حول ذلك أضافت بن عمر، “الرئيس أفسد الدبلوماسية الخارجية، وتلاعب بعلاقات تونس الدولية وشركائها الاقتصاديين التقليديين، بسبب محدودية إمكاناته وانعدام تجربته السياسية، الأمر الذي ولّد عقمٌ في التسيير وضخ مشاريع جديدة وجدية، هذا فضلا عن اختزال الدولة والسلطة في شخصه وأنصاره وتعمد استعداء معارضيه بشكل واضح”.

بن عمر أوضحت أن السلطة التونسية بقيادة سعيّد، لا تملك أي رؤية لاستيعاب الشارع السياسي بل بالعكس، “الرئيس يصعد في لهجته الخطابية، ويهاجم في كل ظهور علني له مناوئيه بالتشهير والتخوين والتحريض والتهديد بالسجن والعقوبات الزجرية والمضي للأمام، رغم اتساع رقعة الصراع والانقسام الحاد في المشهد السياسي ناهيك عن التنكيل الممنهج للمعارضين في حريتهم و موارد رزقهم”. 

تهدئة قادمة؟

الأوضاع في تونس لا توحي بأي تهدئة محتملة، في ظل إصرار السلطة على الحل الأمني لمواجهة معارضيها والمحتجين في الشوارع، هذا فضلا عن زج شخصيات من أحزاب المعارضة في السجون بسبب اختلاف وجهة نظرهم في إدارة البلاد مع قيس سعيّد وحكومته.

بن عمر تعتقد أن الرئيس التونسي قيس سعيّد، “زاد من الاحتقان السياسي، عبر تفكيك مؤسسات الدولة من برلمان ومجلس أعلى للقضاء وغيرها من المؤسسات المنتخبة وحضره السلطة في شخصه، وعدم تقديم حلول للأزمة الاقتصادية الخانقة وارتمائه في حضن النظام الجزائري والقطب الروسي الإيراني”.

الرئيس التونسي دفع بسياسته الأخيرة، إلى ضرب جميع محاولات تقريب وجهات النظر بين المعارضة التونسية والسلطة، مشيرا إلى أن التعامل بشكل أمني عبر الاعتقالات مع المعارضة، أدى إلى توسّع الاحتجاجات ضد السلطة، بعد فشل هذه السياسة في إسكات المعارضين. 

الرئيس التونسي قيس سعيّد، سعى خلال الأسابيع الماضية، إلى إخافة جميع أحزاب المعارضة عبر اعتقال كبار الشخصيات وزجهم في السجون، إلا أن حركات الاحتجاج توسعت وشملت العديد من فئات المجتمع، حتى شهدت العاصمة التونسية مظاهرات استنكرت تصرفات السلطة، ووصلت إلى المطالبة برحيل سعيّد عن السلطة.

رغم تمكّن السلطة من اقتياد العديد من شخصيات المعارضة إلى السجن، لكن المعطيات في تونس لا توحي أن الصراع حُسم لصالح السلطة، خاصة مع توسع الاحتجاجات، وعدم وجود أي رؤية لدى السلطة في التعامل مع مطالب الشارع التونسي، ولاحتواء جميع أحزاب المعارضة التي تواجه السلطة اليوم في البلاد.

الاحتجاج الشعبي ضد السلطة التونسية لا يقتصر فقط على الجانب السياسي، فهناك حالة من عدم الرضا على طريقة إدارة البلاد من الناحية الاقتصادية، وقد تصاعدت حدتها منذ إعلان سعيّد عن الموازنة التونسية مطلع العام الماضي، ومحاولة سد العجز عبر فرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا في الأوساط التونسية.

منذ أن اتجه الرئيس للتعديلات في الدستور ومنح نفسه صلاحيات غير محدودة وسحب الصلاحيات من البرلمان، “كان واضحا أنه يريد حكم البلاد بالطريقة الأمنية بعيدا عن الديمقراطية، فأصبح الرئيس وحده يختص بتعيين طاقم الحكومة ورئيسها، وهذا يرسّخ الحكم باتجاه واحد بعيدا عن الديمقراطية والتعددية، حيث أن التونسيين فقدوا الثقة بالسلطة” بحسب معارضين تونسيين.

السياسيون في تونس يخشون حاليا من أن تخرج الأمور عن السيطرة، وتمسّك الرئيس قيس سعيّد بالحل الأمني، وعدم قبوله مبادرات الحوار بشأن التعاون للخروج من الأزمات المحيطة في تونس بأقل الخسائر، وفيما إذا توسعت الأزمة الاقتصادية فإن المظاهرات ستتوسّع، بالتالي فإن الإصرار على الحل الأمني سيعني فتح صراع بين الشعب والسلطة لا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتائجه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات