في ظل محاولات الحكومة السورية بدمشق استغلال كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا قبل أسابيع، للالتفاف على العقوبات الغربية وتسويق فكرة أن وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا بحاجة إلى رفعٍ للعقوبات، يبدو أن واشنطن تسعى بجدية لبتر هذه المحاولات، عبر قانون يفرض المزيد من العقوبات والرقابة على المساعدة الإنسانية، فضلا عن الوقوف بوجه مساعي إعادة الانفتاح على دمشق على المستوى الإقليمي من البوابة الإنسانية.

خطوات قليلة تفصل الولايات المتحدة الأميركية، على إقرار قانون بشأن الزلزال الذي ضرب سوريا مطلع شهر شباط/فبراير الجاري، بهدف دعم الاستجابة الإنسانية في المناطق المتضررة، وزيادة الرقابة على المساعدات الإنسانية المتّجهة إلى سوريا، لمنع استغلالها من قبل حكومة دمشق، التي تحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية.

العقوبات الأميركية لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق السورية كما تحاول دمشق وحلفاؤها أن تروج. خاصة وأن الأمم المتحدة وكذلك العديد من الدول حول العالم، تقدم المساعدات منذ سنوات إلى سوريا وحتى إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، دون أية عوائق تُذكر وفي ظل سريان العقوبات وقانون “قيصر”.

لكن دمشق عمدت مؤخرا إلى خلط الأوراق، لفتح المجال أمام الدول الراغبة في تخطي الرفض الأميركي بإعادة علاقاتها مع دمشق، وتقديم الدعم ربما مباشرة إلى الحكومة السورية من البوابة الإنسانية، لذلك كان لا بدّ من مشروع قرار، يلجم هذه المساعي، فما تأثير المشروع الأميركي على محاولات الالتفاف على العقوبات، وما هي الأدوات الأميركية اللازمة لتفعيل هذه القرارات وإلزام الدول بها.

قرار أميركي لزيادة الخناق على حكومة دمشق

مشروع القرار الأميركي حظي الإثنين بموافقة “مجلس النواب” الأميركي، ونصّ على تقديم التعازي لعائلات الضحايا والمفقودين، والثناء على جهود القائمين على الاستجابة الطارئة، كما حثّ المجتمع الدولي على تقديم الاستجابة للكوارث في تركيا وسوريا، وبشكل خاص الدفاع المدني السوري، كما أكد القرار أن دمشق أعاقت وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، واستخدمت كارثة الزلزال “بشكل مخجل” للدعوة إلى رفع العقوبات الأميركية، رغم أن الادعاءات المتعلقة بعرقلة العقوبات لوصول المساعدات عبارة عن أكاذيب، بحسب ما جاء في نص القرار.

لكن المشروع يحتاج إلى تصويت مجلس الشيوخ الأميركي ” الكونغرس” كي يصبح نافذا، بالتالي تفعيل الأدوات الأميركية لوقف كل محاولات الالتفاف على العقوبات، وزيادة الرقابة على المساعدات بما يضمن وصولها إلى مستحقيها، والوقوف بوجه المساعي الرامية إلى إعادة العلاقات مع دمشق بحجة تقديم المساعدات للمتضررين من كارثة الزلزال.

ربما تعليق العقوبات الأميركية لمدة ستة أشهر، أوحت لدمشق أنه يمكن استغلال هذه الفترة للالتفاف على العقوبات وقانون “قيصر”، إلا أن المشروع الجديد أدان الجهود التي تبذلها دمشق لاستغلال الكارثة، والتهرب من الضغط والمساءلة الدولية، كما تدعو الإدارة الأميركية إلى استخدام جميع الأدوات المتاحة بما فيها “مجلس الأمن” لفتح كافة الممرات لوصول المساعدات، وزيادة آلية الرقابة لضمان عدم تحويل المساعدات الإنسانية التي تمولها الولايات المتحدة الأميركية لصالح الحكومة في دمشق.

تأثير القرار على محاولات الالتفاف

الباحث السياسي صدام الجاسر رأى في هذا السياق، أن مشروع القرار الجديد في حال إقراره بشكل نهائي، سيمنع جميع محاولات الالتفاف على العقوبات، كما سيوقف جميع محاولات إعادة تعويم دمشق على المستوى الإقليمي، وستصبح الدول المخالفة تحت عقوبات قانون “قيصر”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك العديد من الأدوات اللازمة لتنفيذ ما جاء في القرار.

قد يهمك: الجزائر ترفع إنتاج الغاز بـ 10 مليارات متر مكعب.. فشل الخطة الروسية لخفض الإنتاج؟

الجاسر قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “لا يوجد في قانون قيصر والعقوبات الأميركية ما يمنع وصول المساعدات إلى كافة المناطق السورية، لكن القرار الأميركي الأخير برفع العقوبات بشكل مؤقت، أعطى إيحاء للنظام السوري وبعض الدول أنه يمكن الالتفاف على العقوبات، وكذلك العمل بحرية مع دمشق، لذلك تم إقرار هذا المشروع في مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة، وجاء فيه أنه لا يمكن لأحد الانفتاح على دمشق، وعندما يُحال المشروع إلى مجلس الشيوخ ومنها يصدره الرئيس كقرار يصبح الجميع تحت طائلة عقوبات قيصر”.

القانون الأميركي الجديد، يواجه كذلك محاولات التطبيع مع دمشق من خلال البوابة الإنسانية عبر استغلال كارثة الزلزال، وقد أكد المشرّع الجمهوري في “مجلس النواب” الأميركي جو ويلسن، في كلمته عقب التصويت، أن المشروع يقف إلى جانب المدنيين المتضررين، “لكن من المؤسف بدء بعض الدول العربية في التطبيع مع النظام السوري وتجاهل قانون قيصر الذي يهدد بعواقب وخيمة على التطبيع”.

محاولات التطبيع مع دمشق التي تنشطت خلال الشهر الجاري، لا تلقَ بالتأكيد دعما دوليا أو حتى توافق عربي، إذ أوضح الجاسر في حديثه، أن جهود التطبيع منقسمة عربيا، وهي محاولات من بعض الدول كالإمارات مناكفة السعودية، التي هي بالتأكيد ما زالت ترفض التطبيع مع دمشق بشكل كامل، وتتقاطع مصلحتها في هذا الملف مع مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

الباحث السياسي أضاف أيضا، “الانفتاح العربي على سوريا بمجمله هو مناكفة للسعودية، المصريون توقفت عنهم المساعدات السعودية، وهم يخضعون الآن للقرار الإماراتي، زيارة مصر والوفد العربي كانت بتوجيه من الإمارات، جميع من حضروا يقعون تحت التأثير الإماراتي، السعودية لديها وزن كبير، وقرارها نهائي بعدم الانفتاح على النظام السوري”.

الانفتاح على دمشق؟

بالنظر إلى الخطوات الأميركية والموقف الأميركي وحتى العربي، فإنه لا يمكن لأحد وفق المعطيات الراهنة الانفتاح على دمشق، خاصة وأن الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته أصبحوا متهمين بقضايا دولية عديدة متعلقة بجرائم حرب، ومؤخرا قضايا تتعلّق بتجارة المخدرات، بالتالي لا توجد دولة في المنطقة تستطيع حماية دمشق من الملاحقة والعزلة الدوليتين.

المشروع الأميركي الجديد، جاء بحسب وجهة نظر الباحث السياسي، بهدف “لجم أي محاولة أو تفكير بالانفتاح على النظام السوري، رغم محاولة دمشق استغلال هذه الفرصة للعودة إلى الدائرة العربية بدون خسارة الحليف الإيراني، وحتى هذا الأمر لا تستطيع دمشق تحقيقه، لأن أول ما تطالب به الدول العربية تحجيم الدور الإيراني في سوريا، وهو أمر حتى بشار الأسد لا يملك القرار فيه”.

وفي حال الإعلان رسميا عن مرور مشروع القرار الأميركي عبر مجلس الشيوخ، فإنه تثار التساؤلات حول الأدوات الأميركية اللازمة لتنفيذه، وهنا أوضح الجاسر أن لدى واشنطن العديد من الأدوات الدبلوماسية والسياسية لتنفيذ القرار، ذلك فضلا عن قانون “قيصر”، والمساعدات الإنسانية وملفات حقوق الإنسان داخل الدول التي حاولت مؤخرا التقارب مع دمشق وتجاهل الإرادة الأميركية.

حتى اللحظة لا يبدو أن العرب أنفسهم متفقون على إعادة دمشق إلى الدائرة العربية، هذا فضلا عن أن العديد من الدول لا ترغب في الوقوف بوجه الإرادة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، من أجل الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، ولا يمكن بالطبع النظر إلى الزيارات العربية الأخيرة على أنها بداية عربية لإعادة فتح قنوات التواصل مع دمشق.

ما يدعم كذلك عدم إجماع العرب على إعادة دمشق إلى الدائرة العربية، هو أن جميع الدول التي مثّلها وفد “الاتحاد البرلماني العربي” الذي زار دمشق مطلع الأسبوع الجاري كالأردن والإمارات ومصر، هي دول حاولت سابقا إعادة علاقاتها مع دمشق من بوابات عدة، أبرزها الاقتصاد ومكافحة الإرهاب على الحدود، لكنها فشلت في النهاية، وواجهت رفض دولي واسع لإعادة تعويم حكومة دمشق، فضلا عن أنها لم تجد أبدا ما يمكن لبشار الأسد أن يقدّم لها.

ومع إقرار المشروع الأميركي الجديد، بالتأكيد ستتجه العديد من الدول العربية إلى إعادة حساباتها، ولن تكون راغبة في أن تكون سببا في محاولة دمشق الالتفاف على العقوبات الأميركية، وبالتالي التّعرض للعقوبات وفق قانون “قيصر”، الذي ينص على معاقبة مَن يحاول التطبيع مع دمشق.

مع كل المحاولات العربية والإقليمية التي تابعناها مؤخرا فضلا عن التهديدات الأميركية، فإنه حتى الآن لا توجد أية مؤشرات على نجاح خروج دمشق من العزلة الدولية والالتفاف على العقوبات، لذلك فإن معظم الترجيحات تصب في صالح فشل هذه المحاولات ونجاح المحور السعودي الأميركي في المنطقة لزيادة الخناق على دمشق، وفشل المساعي العربية التي دخلت بفرضية الانفتاح، إن كان على الصعيد الشعبي العربي أو حتى على الصعيد السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.