ضمن تطور استراتيجي بالنسبة لكييف وخطير على مستوى موسكو منذ أن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير من العام 2022؛ أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم الخميس، اعتراض 13 طائرة أوكرانية مسيرة بعد تجدد الهجمات الجوية التي باتت تشنها أوكرانيا على الداخل الروسي، الأمر الذي بدت روسيا بسببه كما لو أنها وترسانتها العسكرية عاجزة عن صدّ هذه الضربات الموجهة.

إعلان وزارة الدفاع الروسية اعتراض المسيرات الأوكرانية الثلاثة عشر، من بينها طائرتان كانتا في طريقهما إلى العاصمة الروسية موسكو، يأتي كجزء من تطور عسكري كانت موسكو في معزل عنه وعن الهجمات خلال الغزو لأوكرانيا الذي بدأ قبل أكثر من سنة، مما طرح تساؤلات عديدة حول ما يمثله ذلك، وما التأثيرات التي يمكن أن تتركها هذه الهجمات على مستوى مجريات الحرب.

ذلك يأتي غداة إعلان روسيا إسقاط مسيرتين أوكرانيتين كانتا في طريقهما إلى موسكو، وهي تشكل الهجوم الرابع على الأقل الذي يقع قرب العاصمة الروسية في أقل من أسبوع، ما يعكس تطورا لافتا على مستوى مجريات الصراع، حيث زادت الضربات الجوية بطائرات بدون طيار في عمق روسيا منذ تدمير طائرة مسيرة فوق “الكرملين” في أوائل أيار/مايو.

موسكو تعاني من هجمات الطائرات المسيرة

ففي وقت لاحق من أيار/مايو الماضي، تعرضت مناطق في العاصمة الروسية للقصف، حيث كثّفت كييف استهداف منطقة تجارية في موسكو مرتين في ثلاثة أيام في وقت سابق من هذا الشهر، في حين تعرضت شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في العام 2014 لسلسلة هجمات خلال النزاع، وسط تكثيف الضربات في الداخل الروسي خلال الأسابيع الأخيرة.

إذ قالت روسيا السبت الماضي، إنها اسقطت طائرة مسيرة فوق البحر قرب سيفاستوبول التي تضم مقر أسطول البحر الأسود الروسي، جاء ذلك بعد هجوم بمسيرة -تقول روسيا أنها أوكرانية- في شبه جزيرة القرم، في تموز/يوليو الماضي، كان قد أدى إلى تفجير مخزن للذخيرة وألحق أضرار بجسر فوق مضيق “كيرتش” الذي يربط شبه الجزيرة بالبر الروسي الرئيسي.

كل ذلك، جاء في أعقاب تحذير الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشهر الماضي، من أن “الحرب” آتية إلى روسيا مع تحول مراكز وقواعد عسكرية ذات دلالات رمزية إلى أهداف، لكن مع ذلك لا تزال كييف تلتزم الصمت حيال الهجمات التي تتعرض لها روسيا، حيث لا تعلّق على مَن يقف وراء الهجمات على الأراضي الروسية، على الرغم من أن المسؤولين عبروا علنا عن رضاهم عنها، حسب “رويترز”.

خلال الأسابيع الماضية، تعرضت روسيا لهجمات متكررة بواسطة طائرات بدون طيار، مما يشير إلى احتمالية لجوء أوكرانيا لاستراتيجية جديدة في نقل الصراع للعمق الروسي، وهو ما فسّره محللون بأن كييف بهذه الضربات، توجه رسالة إلى الروس بأن النيران ربما تنتقل لعمق بلادهم.

هجمات المسيرات التي تتعرض لها موسكو اعتبرت منعطف كبير في مسار الحرب، الأمر الذي اعتبره البعض انعكاسا لفشل الدفاعات الروسية ورصانة الصناعات العسكرية التي طالما تحدثت موسكو عن امتلاكها قدرات كبيرة.

عجز روسي وقلق جوي

حول ذلك بيّن الخبير العسكري علاء النشوع، أن حرب المسيرات هي حرب جديدة لها من الأبعاد والتأثيرات على مجريات الساحة العسكرية داخليا وخارجيا الكثير، حيث يمكن أن تكون حاسمة في بعض الأحيان، مشيرا إلى أن معالجة هذه الطائرات كهدف بات أمرا صعبا جدا، إذ لا يمكن تحييدها في المعركة وذلك لأسباب كثيرة، منها صعوبة الكشف من خلال إفلاتها من منظومة الرادار كذلك القدرة على المناورة والاختفاء السريع ودقة التحكم بها عن بعد.

طائرات مسيرة تسهدف روسيا/ إنترنت + (رويترز)

نشوع، أشار إلى أن استخدام الطائرات المسيرة في الحرب الروسية الأوكرانية حقق تفوق مؤقت في بعض الجبهات، فبعد أن تكبدت روسيا خسائر كبيرة في سلاحها الجوي ها هي الآن بدأت في البحث عن البدائل لتبقى فاعلية السيطرة الروسية على ساحة العمليات، لكن بالمقابل فإن الجيش الأوكراني الذي تراجع في الأداء القتالي في ساحة القتال، بدأ يفكر باستخدام الطائرات المسيرة لضرب أهداف روسية معوضا بذلك عدم وصول طائرات سلاح الجو إلى العمق الروسي.

الخبير العسكري، لفت إلى أن هذا الاستخدام للطائرات المسيرة كان له تأثيرا على مستوى الحركات العسكرية بالنسبة للقيادة العسكرية الروسية وحتى السياسية التي بدأت تعيد حساباتها في قضية استخدام هذه الطائرات، فقد تغيرت مواقع لقادة روس بسبب الاخفاق في معالجة وجود هذه الطائرات في الأجواء الروسية وفي عمق أراضيها. 

بالتالي فإنه مما لا شك فيه، أن ضعف المعالجة لهذه الطائرات هو مؤشر سلبي على كل القوات العسكرية في العالم وليس الروسية فحسب، فما تُحدثه هذه الطائرات من تأثير على مستوى التدمير حتى وإن كان محدودا فهو يشلّ ويؤخر من القيام بأي عمليات هجومية ودفاعية للخصم.

لذا أن ذلك يُفشل الكثير من خطط وأوامر المعركة في الميدان بالإضافة إلى التأثيرات المعنوية، بحسب النشوع، الذي أشار إلى أن ذلك يؤشر أيضا عدم فاعلية الدفاعات الروسية، كما باقي الدفاعات التي لم تتمكن من صدّ هذه الطائرات.

في السياق، وعلى الرغم من أنه لم يجرِ تسجيل ضحايا أو خسائر في الهجوم الأوكراني الأخير داخل روسيا، لكن الخطوة تثير قلقا في الأوساط الروسية، إذ يكتسي الهجوم الأخير أهمية أكبر، نظرا إلى وقوعه على مرمى حجر من العاصمة الروسية، حيث جرى النظر إلى الأمر بمثابة نيل من السيادة.

“الدرونز” تثير مخاوف روسيا

فمهاجمة أهداف داخل روسيا بطائرات مسيرة وصِف بالتطور الخطير في الحرب، لا سيما أن “الدرونز” أضحت تثير مخاوف قوى عسكرية كبرى وسط الكثير من الجيوش.

المسيرات الأوكرانية تقلب موازين الحرب مع روسيا/ إنترنت + وكالات

 إذ تمتاز الطائرات المسيرة بقدرة كبيرة على مناورة أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة للجيوش، بفعل طيرانها على ارتفاع محدود، كما يُضاف إلى هذه المميزات، فإن المهاجمين يستفيدون من الثمن غير الباهظ للطائرات المسيرة، في حين تُباع الطائرات المقاتلة التقليدية بأسعار باهظة، ووفق شروط مشددة للغاية.

هذا وغزت روسيا جارتها أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وأشعلت فتيل حرب دمرت مدنا أوكرانية وأودت بحياة عشرات الآلاف من الجنود الروس والأوكرانيين معا.

 فضلا عن شنها آلاف الضربات بعيدة المدى بطائرات مسيرة وصواريخ على أوكرانيا خلال الحرب، وغالبا ما أصابت أهدافا مدنية بعيدة عن الجبهة، بما في ذلك محطات الطاقة ومراكز تسوق ومبانٍ سكنية، مما أسفر عن سقوط قتلى من المدنيين، وهو ما تنفيه موسكو مرارا وتكرارا.

وسط هذا المشهد، فإن لجوء أوكرانيا لاستخدام الطائرات المسيرة، يبدو أنه سيكون عقبة أمام تحركات القوات الروسية، الأمر الذي سينعكس بشكل كبير على مجريات الصراع، علاوة عن ما يسببه من تداعيات في الداخل الروسي من تأثيرات اقتصادية وأمنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة