في ظل المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، وجملة من التحديات والأزمات التي يعاني منها العالم، بالإضافة إلى عدم التوصل إلى حلٍّ للملف النووي الإيراني يرضي مختلف الأطراف، فضلا عن استمرار حالة عدم الاستقرار في عدد من دول الجوار الإقليمية، يبدو أن دول الخليج العربي قد أُثيرت لديها تخوفات إزاء استقرار أمن دولها.

كذلك، توسّع إيران على وجه التحديد من خلال ميليشياتها في العديد من دول المنطقة ، لا سيما في اليمن، زاد من مخاوف دول “مجلس التعاون الخليجي” من عدم الاستقرار المستقبلي في المنطقة، وقد حذر بعض قادة دول الخليج في الآونة الأخيرة من أن منطقة الخليج على أعتاب تحديات أمنية، على ضوء تعثر المفاوضات النووية الإيرانية.

كل ذلك ربما يكون قد دفع بدول الخليج إلى التّوجه نحو سياسة “صفر مشاكل” فيما بينها، وبات ذلك جليا أثناء انعقاد مؤتمر “العُلا” والدورة الـ 43 لقادة دول “مجلس الخليج” مؤخرا، حيث تم التأكيد على أمن دول المجلس ككل. وجرت آخر المصالحات بين دول الخليج، الثلاثاء الماضي، بين قطر والبحرين في العاصمة السعودية الرياض، وركزت على ضرورة إنهاء الملفات العالقة بينهما، وفقا لما تضمنه “بيان العُلا”.

من هذا المنطلق، تبرز عدة تساؤلات حول دلالات ونتائج هذه المصالحة بين البحرين وقطر بعد المقاطعة الرباعية مع قطر، وتحديدا في هذا التوقيت، وما إذا كانت هناك خطط خليجية لتوحيد الصفوف وبناء تحالف موحّد لمواجهة الأزمات الدولية وخطر التّوسع الإيراني.

إنهاء الخلافات الخليجية-الخليجية؟

قطر والبحرين، اتفقتا خلال اجتماع عُقد مساء الثلاثاء الفائت في الرياض، على إنهاء الملفات العالقة بينهما، وفقا لما تضمنه “بيان العُلا”. وعُقد الاجتماع في مقر الأمانة العامة لـ”مجلس التعاون الخليجي”، بين وفدين من مملكة البحرين ودولة قطر.

وفد دولة قطر في الاجتماع ترأسه الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في حين ترأس وفد البحرين الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية.

الاجتماع تناول وضع الآليات والإجراءات اللازمة لإطلاق مسار المباحثات على مستوى اللجان الثنائية، وفقا لما تضمّنه بيان “العُلا” الصادر عن قمة العُلا بالمملكة العربية السعودية في 5 من كانون الثاني/يناير 2021، لإنهاء الملفات الخاصة المعلّقة بينهما.

الاجتماع يأتي بعد أيام من تشديد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة على “أهمية الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس التعاون الخليجي وبيان قمة العُلا، ومواصلة تنسيق مواقف دول المجلس في المحافل الدولية كافة”. كما أكد على “أهمية العمل على حل القضايا والمسائل العالقة كافة بين المنامة والدوحة، بما يحقق التطلعات المشتركة لمواطني البلدين، ويحافظ على تماسك مجلس التعاون، وأمن المنطقة واستقرارها”.

ضمن هذا الإطار، يرى الأكاديمي والباحث السياسي، سامح مهدي، أن هناك محاولات عديدة لإنهاء الخلافات الخليجية الخليجية ومنها الخلافات بين قطر والبحرين، الأمر الذي يشير إلى أن الصراع أو التعقيدات بين البلدين تبدو أكثر صعوبة من الخلافات السابقة بين الرباعي والدوحة والتي انتهت في قمة “العُلا” حيث ظهر حجم الخلاف في أن البحرين كانت آخر دولة تسمح لقطر بالمرور في مجالها الجوي.

قد يهمك: تجدد التوتر بين إيران وإسرائيل.. ما الانعكاسات المحتملة على الخليج العربي؟

أبعاد الأزمة تعود إلى مرحلة ما قبل الاستعمار والصراع العائلي آنذاك بين الطرفين بل كانت هناك صراعات وحروب في العام 1783وتعرض آل خليفة لهزيمة مؤقتة عام 1867، وفق حديث الباحث السياسي لموقع “الحل نت”. ويُضاف لذلك النزاع على منطقتي الزبارة وجزر حوار، غير أنه في عام 2001 قد تم إنهاء أزمة الجزيرة بواسطة “محكمة العدل الدولية” ومنحتها لقطر بينما منحت الأخيرة إلى البحرين وأكدت مُلكية قطر للزبارة. وتُعد هذه التراكمات التاريخية والسياسية حاكمة للنظرة في العلاقات بين الطرفين.

قادة دول “مجلس التعاون الخليجي” اتفقوا في كانون الثاني/يناير 2021 “بيان العُلا”، الذي تمّ من خلاله التّوصل إلى تسوية لجميع النقاط الخلافية بين قطر والسعودية والدول العربية الثلاث، الإمارات ومصر والبحرين. وعقِب هذا الاتفاق أعلنت المنامة حينها السماح للطائرات القطرية باستخدام مجالها الجوي، وتعديل النشرات الملاحية للطائرات القطرية، وفق تقارير صحفية.

تنسيق الجهود

في أواخر  كانون الثاني/يناير الماضي، تواصل ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هاتفيا، وشدد ولي عهد البحرين على “ما يجمع البلدين والشعبَين من علاقات أخوية”، معربا عن “أهمية العمل على حل القضايا والمسائل العالقة كافة بما يحقق التطلعات المشتركة لمواطني البلدين ويحافظ على تماسك مجلس التعاون الخليجي وأمنها”.

“وكالة الأنباء البحرينية” قالت آنذاك إن الاتصال أكد “استمرار التواصل بين المسؤولين في البلدين تحقيقا لما فيه الخير للجميع”. وكانت “وزارة المواصلات البحرينية” أعلنت حينها، بدء المخاطبات الرسمية مع قطر بشأن إعادة تشغيل رحلات الطيران، متوقعة عودتها قريبا.

الدول الخليجية وعلى هامش قمة “العُلا”، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين وسُبل تعزيز العمل الخليجي المشترك. وأكد أهمية توحيد جهود الدول الخليجية لـ”مواجهة التحديات التي تحيط بنا، خصوصا التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني والصواريخ الباليستية ومشاريعه التخريبية الهدّامة التي يتبناها ووكلائه من أنشطة إرهابية وطائفية هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة”.

قد يهمك: سياسة ألمانيا الخارجية تجاه دول الخليج.. زخم جديد أم إعادة ضبط؟

“مجلس التعاون الخليجي” أكد في أخر دورته في كانون الأول/ديسمبر الماضي، على أن أمن دول المجلس كلٌّ لا يتجزأ، معربا عن إدانته لاستمرار دعم إيران للجماعات المسلحة والطائفية في العراق ولبنان واليمن. وقال إنه يدعم قرارات مجموعة “أوبك بلس” الهادفة إلى تحقيق التوازن في أسواق النفط، وتعزيز الرخاء والازدهار لشعوب المنطقة والعالم.

مصالح براغماتية؟

إن “بيان العُلا” يؤكد على تحقيق التعاون والترابط والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات. ويركز على تعزيز العمل الخليجي المشترك، إذ إن نقاط هذا البيان شملت “استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومَتين الدفاعية والأمنية المشتركة وبلورة سياسية خارجية موحّدة”، بما فيها متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة ومنح مواطني دول المجلس الحرية في العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز التكامل العسكري لمواجهة التحديات المستجدة، انطلاقا من اتفاق الدفاع المشترك، ومبدأ الأمن الجماعي لدول المجلس.

كما أعلنت الخارجية الأميركية، حينذاك، أن التقدم الذي تحقّق مع إعلان “العُلا” مشجّع ويمثّل خطوة إيجابية نحو استعادة الوحدة الخليجية والعربية، وبدوره أشاد “مجلس الأمن القومي الأميركي” بمخرجات قمة “العُلا”، وأكد أن “وحدة الخليج أمر بالغ الأهمية لتحقيق استقرار المنطقة”، كما أكد دعمه “للشركاء الخليجيين في مرحلة جديدة من التعاون”.

بالعودة إلى الباحث السياسي، فإنه يرى أن هذه المصالحة بين قطر والبحرين تعني طي صفحة الخلافات الخليجية الخليجية والتوصل إلى مقاربة سياسية ودبلوماسية وإقليمية لبناء مصالح براغماتية بناء على تفاهمات ومصالح محددة بغض النظر عن التاريخ المليء بالصراعات أو التنافس أو الانقلابات، وذلك على إثر مجمل المتغيرات والأزمات الدولية، سواء سياسيا أو اقتصاديا.

أما بُعد التوقيت فهو عامل حاسم في ظل الاستقطاب الدولي وكذلك إعادة تقسيم النفوذ والسيطرة بين الأقطاب من الناحية الجيوسياسية، فيما يبدو أن دول الخليج تسعى للاصطفاف وبناء تحالفات قوية متينة لتعزيز فرصة وجودها بدون اهتزازات أمنية أو اقتصادية، على تقدير مهدي.

المراقبون يرون أن ثمة عدة تهديدات إقليمية تواجه دول الخليج وتكمن في مجملها حول مصادر قلق حقيقي وعوامل عدم استقرار؛ ولعل من أبرزها إيران ودورها في زعزعة أمن المنطقة عبر ميليشياتها المتعددة، إلى جانب النزاعات الإقليمية المستمرة وخاصة في اليمن وسوريا، والتطرف والإرهاب، والتهديدات السيبرانية، كل ذلك يدفع بدول الخليج إلى التكاتف والتكتل بما يخدم تحقيق أمنها واستقرار المنطقة.

بالتالي، غير مستبعد أن يتم التعاون أو تشكيل تحالف مع الولايات المتحدة الأميركية في سبيل تعزيز جهود دول الخليج لضمان الأمن والاستقرار الإقليميين، خاصة وأن هذه الاستراتيجية أسهمت إلى حدّ كبير في المحافظة على الاستقرار الإقليمي عموما.

في العموم، يبدو أن مجمل الأزمات الدولية، لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية، قد أثارت عددا من المخاوف لدى دول الخليج. وبما أن هذه الدول تعتبر قضايا السلم والأمن الدوليين من بين أهم القضايا التي توليها أهمية، فإن التكتلات الخليجية ربما تشهد تطورات متقدمة في الفترات المقبِلة، بما يحقق أمن بُلدانها واستقرارها السياسي والاقتصادي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.