بعد أكثر من شهر ونصف على انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، جدد إعلان “الأمم المتحدة” التوقعات بإمكانية إعادة تفعيل الاتفاق الذي يضمن تدفق الصادرات الأوكرانية من المواد الغذائية الحيوية التي غذت 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم قبل عام 2022، وفق برنامج الغذاء العالمي، لكن ما يعزز الشكوك حول ذلك احتمالية تعنت موسكو، بما يفتح باب السؤال مفتوحا عن ما وراء الموقف الروسي.

الآمال تصاعدت مع إعلان الأمين العام لـ “لأمم المتحدة” أنطونيو غوتيريش، أنه أرسل إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مجموعة من المقترحات “المتماسكة” بهدف إحياء اتفاق يسمح بتصدير آمن للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وذلك بعد أن انسحبت روسيا من الاتفاق في تموز/يوليو الماضي، ورفضت تمديده قبل الموافقة على شروطها.

ففي 17 تموز/يوليو الماضي، علق “الكرملين” مشاركته في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي سمح لكييف بتصدير حبوبها من الموانئ الأوكرانية المحاصرة من قبل روسيا عبر ممر آمن في البحر الأسود، إلى جانب الصادرات الروسية، وذلك في وقت يواجه فيه ما يصل إلى 783 مليون شخص الجوع في جميع أنحاء العالم، بحسب الأمين العام لـ “الأمم المتحدة”، أنتونيو غوتيريش، الذي كان قد عبّر عن أسفه إزاء القرار الروسي، قائلا، سوف يدفع هؤلاء الثمن، بإشارة إلى ملايين الجياع.

لماذا انسحبت روسيا من اتفاق تصدير الحبوب؟

انسحاب روسيا جاء بعد عام من وساطات أممية ودولية كانت قد أدت للتوصل إليه في حالة نادرة من انخراط موسكو في تعاون مع كييف منذ بدء الغزو الروسي في شباط/فبراير 2022، عازية سبب ذلك إلى عقوبات تعرقل صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة ومن عدم وصول ما يكفي من الحبوب الأوكرانية إلى البلدان الأكثر احتياجا.

الأمين العام للأمم المتحدة أنتوني غوتيريش/ إنترنت + وكالات

موسكو عقدت وقتئذ تجديد الاتفاق، برفع التجميد المفروض على أصول شركاتها المرتبطة بالقطاع الزراعي الموجودة في الخارج، واستئناف تشغيل خط أنابيب “توجلياتي أوديسا” الرابط بين روسيا وأوكرانيا والذي ينقل الأمونيا، وهي مكون كيميائي يستخدم على نطاق واسع في الزراعة.

بالتالي، عملت “الأمم المتحدة” طيلة الفترة الماضية منذ انسحاب موسكو من الاتفاق لإعادة إحيائه، بهدف مواجهة أزمة الغذاء العالمية التي قالت “الأمم المتحدة” إنها تفاقمت بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث كانت قد وصلت لمستويات قياسية.

بناء على ذلك، قال غوتيريش في تصريحات صحفية، أمس الخميس، أعتقد أننا قدّمنا ​​اقتراحا يمكن أن يكون أساسا لإحياء الاتفاق، لكن هذا الإحياء يجب أن يكون مستقرا، وذلك من دون الخوض في تفاصيل الاقتراح، وأضاف “لا يمكن أن تنتقل مبادرة البحر الأسود من أزمة إلى أخرى، ومن تعليق إلى تعليق. نحن بحاجة إلى أمر ناجح ويخدم مصلحة الجميع.

الأمين العام لـ “الأمم المتحدة”، لفت إلى وجود بعض الحلول الملموسة، التي تسمح بوصول أكثر فعالية للأغذية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية بأسعار مناسبة، قائلا أعتقد أنه من خلال العمل بجدية، يمكننا التوصل إلى حل إيجابي للجميع، وذلك في الوقت الذي تطالب فيه موسكو إعادة ربط “البنك الزراعي” الروسي بنظام المدفوعات العالمي “سويفت”، الذي عزلت منه روسيا كجزء من العقوبات الأوروبية والأميركية، في حزيران/يونيو 2022.

هل تكسب روسيا من عدم تجديد الاتفاق؟

على الرغم من ذلك، إلا أن مخاوف عدم إتمام الاتفاق لا تزال قائمة، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن دبلوماسي روسي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، بأنه لا يوجد أي جديد نكشفه، بإشارة إلى المقترحات الأممية الجديدة بشأن الاتفاق، مشيرة إلى إنها فقط تلخص أفكارا سابقة غير مُجدية قدمتها “الأمم المتحدة”، وذلك علاوة عن ما تحدث به وزير الخارجية لافروف، بأن روسيا لا ترى أي مؤشر على أنها ستحصل على الضمانات التي ستسمح لها باستئناف اتفاق توريد الحبوب عبر البحر الأسود.

الأمم المتحدة ترسل مقترحات “متماسكة” لروسيا لإعادة إحياء اتفاق تصدير الحبوب/ إنترنت +. وكالات

تعليقا على ذلك، أشار الخبير السياسي داود القيسي، إلى أن ذلك قد يدفع بالتحالف الأوروبي الأميركي إلى وقف محاولات التوصل لاتفاق مع روسيا، والتوجه نحو إيجاد بدائل جديد عبر الموانئ الأوروبية القريبة من أوكرانيا، مقابل تشديد كييف الخناق على صادرات روسيا من خلال البحر الأسود، بما يمثل مكسبا لأوكرانيا وخسارة لموسكو، لذا قد تضطر الأخيرة مع تحقيق بعض الاشتراطات التي وضعتها، إلى الانخراط في الاتفاق مجددا.

القيسي، قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن روسيا منذ بدء غزوها لأوكرانيا، عملت على بعض النقاط الحساسة مثل الصادرات الغذائية والطاقية، وغيرها من القضايا التي تمثل عاملا مشتركا عالميا، وذلك بغية الضغط على المجتمع الدولي للانصياع لرغباتها ولتحقيق أجنداتها، فمنذ بدء الأزمة أول ما لجأت روسيا لاستخدامه في الضغط على الغرب، هو صادرات الغاز وأسعارها عالميا.

على هذا النحو، بيّن الخبير والباحث السياسي، بأن روسيا عملت أيضا على ملف الغذاء العالمي على غرار ملف الغاز، حيث حاولت إحراج الغرب أمام العالم، وتحميلهم قضية ارتفاع أسعار الطاقة عالميا، وذلك بالإضافة إلى محاولة تحريك المجتمعات الغربية ضد حكوماتها وقرارتها، وهو ما لم ينجح سوى في إطار نقص الطاقة ومصادرها، بيد أن ذلك حفز العالم، والغرب تحديدا على البحث عن مصادر طاق بديلة عن روسيا التي تمثل مصدرا أساسيا للغاز.

القيسي، لفت إلى أن عملية استعاضة الغرب بمصادر طاقة بديلة يعني خسارة فادحة لروسيا، مبينا أن ذلك الأمور واردة جدا وقد يكون مسألة وقت، فبمجرد التوصل لاتفاقات مع بعض الدول التي تمتلك الغاز وإيجاد طرق نقل مناسبة، يعني أن روسيا ستخسر جزءا كبيرا من مكانتها في سوق الغاز، وهكذا الأمر ينطبق على ملف الغذاء، إذ إن استمرار روسيا بتعطيل خطوط نقل المواد الغذائية، يعني التوجه لطرق نقل جديدة عبر بعض الأوروبية، ومن خلال الاعتماد على السكك الحديدية، لكن ذلك يتطلب بعض الوقت والتكاليف.

بالمقابل، تقول روسيا إنه إذا تمت تلبية مطالب دعم صادراتها من الحبوب والأسمدة، فإنها ستفكر في إحياء الاتفاق، وفي حين أن الصادرات الروسية من الغذاء والأسمدة غير خاضعة للعقوبات التي فرضها الغرب بعد الحرب، فإن موسكو تقول إن القيود على المدفوعات والخدمات اللوجستية والتأمين عرقلت الشحنات.

أهمية الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا

يشار إلى أن الاتفاق كان يهدف إلى السماح بتصدير كميات الحبوب الأوكرانية التي تحتاج إليها أسواق العالم بشدة لوقف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، ووفقا للجزء الأول من الاتفاق، تعهدت روسيا بعدم مهاجمة سفن الشحن التي تحمل الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، في حين تتولى تركيا و”الأمم المتحدة” تفتيش حمولة السفن بالمقابل.

الأمم المتحدة تجدد الآمال بتجديد اتفاق تصدير الحبوب/ إنترنت

أما الجزء الثاني من الاتفاق، يقضي بإعفاء صادرات روسيا من المنتجات الزراعية والأسمدة من العقوبات الأميركية والأوروبية، ومنذ توقيع الاتفاق قبل عام تم تصدير نحو 32 مليون طن من الحبوب الأوكرانية التي تتراوح قيمتها بين 8 و9 مليارات دولار، إلى دول كثيرة، منها الصين، وإسبانيا وتركيا، فيما ساهم الاتفاق في خفض أسعار الغذاء العالمية بنسبة 11.6 بالمئة، بحسب مؤشر “الأمم المتحدة” لأسعار الغذاء.

كذلك ساعد الاتفاق -رغم القيود الغربية- روسيا في تصدير 60 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق الخارجية خلال السنة الزراعية المنتهية في 30 حزيران/يونيو الماضي، حيث جنت موسكو أكثر من41 مليار دولار من هذه الصادرات.

إلى ذلك، وما إن أعلنت روسيا انسحابها من اتفاقية الحبوب، حتى بدأت بعد ساعات من انسحابها في استهداف الموانئ الأوكرانية، حيث قال مسؤولون أوكرانيون، إن الهجمات الصاروخية الروسية على الساحل الأوكراني على البحر الأسود، دمرت 60 ألف طن من الحبوب وألحقت أضرارا بالبنية التحتية للتخزين.

جاء ذلك بعد وقت قصير من إعلان وزارة الدفاع الروسية، أنه اعتبارا من منتصف ليل الأربعاء، ستعتبر أي سفن متجهة إلى الموانئ الأوكرانية، على أنها ناقلة محتملة لشحنات عسكرية وطرف في الصراع، مضيفة في إعلانها، أن بعض المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية من البحر الأسود ستكون خطرة مؤقتا على الملاحة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات