أسعار كل شيء تقريبا في سوريا ترتفع وبشكل شبه مستمر وعلى فترات متقطعة لاسيما مع كل انخفاض في قيمة الليرة السورية وارتفاع أسعار حوامل الطاقة، فعلى سبيل المثال، يتطلب شراء نظارة طبية اليوم قرضا، وأرخصها يساوي راتب شهر للموظف العادي.

المزعج في هذا الأمر هو حاجة الشخص الذي يعاني من قِصر أو انحراف في عينيه لهذه النظارة، ولا يمكن للمرء الاستغناء عنها مهما بلغت قيمتها. ولو كانت مجرد سلعة غذائية أو قطعة ملابس وغيرها من الأمور التي يمكن الاستغناء عنها لعزف الكثيرون عن ارتدائها.

نظارة براتب موظف

ربما يكون من السهل على من يعاني من مشكلة في عينيه أن يجرؤ على فحصهما في عيادة طبيب العيون، لكن يصعب على من يغادر تلك العيادة الذهاب إلى متاجر البصريات في الأسواق لاستكمال المشوار العلاجي، لأن شراء أي نظارات طبية من أي نوع يتطلب مبلغا من المال يتجاوز راتب موظف من الدرجة الأولى، وفق ما أورده موقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء.

أرخص نوع نظارة طبية تساوي راتب موظف حكومي في سوريا- “إنترنت”

غالبية الذين يحتاجون إلى نظارات طبية، خاصة بعد أن أصبحت رؤيتهم للأشياء شبه معدومة، يعودون من أمام متاجر النظارات بخفّي حنين، لأن أولئك لم يتمكنوا من مجاراة الأسعار المعروضة أمام واجهة هذه المحلات والتي تتراوح مع الإطار بالطبع ما بين 150 ألف ليرة سورية للنظارة العادية، عدساتها مصنوعة من البلاستيك الأبيض، حتى 180 ألف ليرة، ونوع عدساتها مصنوعة من البلوكات، والتي تُعتبر الأعلى سعرا، لكونها عازلة ومضادة للأشعة.

عدا عن ذلك بات الكثير ممن أُجبر على ارتداء نظارة طبية عاجزاً عن تبديلها أو شراء واحدة جديدة تكون أحدث ومنظرها لائق أكثر، رغم تجاوز عمرها الزمني طبّيا، طبقا للتقرير المحلي.

إزاء ارتفاع أسعار كل شيء في هذا البلد، يقول أحد سكان العاصمة دمشق لموقع “الحل نت”، إنه في ظل هذه الأسعار للنظارات طبية وغيرها من الجوانب المتعلقة بالصحة، أصبح المواطن عاجزا عن علاج نفسه أو الاعتناء بصحته قليلا.

على الرغم من أن جميع المواطنين اليوم يعملون في أعمال إضافية بالإضافة إلى وظائفهم الحكومية أو ممن يتلقّون حوالات مالية خارجية من أقاربهم كل شهر أو شهرين، إلا أن الارتفاع المتتالي في الأسعار يقضي على هذه المصادر الإضافية للفرد، يضيف في حديثه عبر اتصال هاتفي.

“البسطات” وجهة المواطنين

في المقابل، من لا يريد نظارة طبية واتجهة لاقتناء نظارة شمسية لتجنيب عينيه أذية أشعة الشمس الحارقة، فبالتأكيد لن يكون بمنأى عن تجرع مرارة أسعارها التي تجاوز سقفها الـ 170 ألف ليرة للنوعية الوسط، بينما سعرها يصبح مضاعفا في حال كانت النظارة طبية وشمسية بآن واحد لتصل إلى 250 ألفا، ومن يريدها كعدسات لاصقة فقط لزوم المناسبات الرسمية فسعرها يصل لحدود الـ 90 ألف ليرة، وهذه لا يمكن استخدامها لأكثر من 30 يوما.

بعيدا عن أسعار النظارات، فإن تكاليف إصلاحها باتت تشهد هي الأخرى ارتفاعا ملحوظا، فقد وصلت كحد أدنى إلى 50 ألف ليرة ذلك إذا احتاجت النظارة إلى لِحام في حال تعرّضها للكسر.

بالتالي، الارتفاع الذي بات يسابق الزمن أسعار النظارات الطبية والشمسية على حد سواء دفع الكثيرين ممن هم بحاجة لها، للبحث عن الأرخص فكانت البسطات وجهتهم لشراء ما هو معروض عليها من نظارات قد تكون غير متوافقة على الإطلاق مع درجة الانحراف أو قصر النظر، وذات نوعية رديئة إذا كانت شمسية إذ تتراوح أسعارها من 25 ألف ليرة وحتى 70 ألفا.

أحد أطباء العيون يشير للموقع المحلي إلى أن 70 بالمئة من مراجعي العيادات العينية يحتاجون إلى نظارات طبية، فعدم شرائها سيؤدي بالتأكيد إلى تراجع الرؤية لديهم أكثر فأكثر مع مرور الزمن. وهو ما سيكلفهم أكثر في حال أهملوا أنفسهم أو أجّلوا علاجهم.

رئيس دائرة الأسعار بـ”مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في محافظة السويداء فتحي العبد، حول أسباب غلاء أسعار النظارات الطبية والشمسية، يقول إن أسعارها يخضع لتكاليف استيرادها، فتسعيرتها يتم وفق نسب الأرباح المحددة، وبناء على بيان التكاليف التي يقدّمها المورّد لمديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وزعم العبد إلى أنه لتاريخه لم تأتِ أي شكوى متعلقة بمبيع النظارات الطبية والشمسية، وتدخل عناصر التموين منوط بورود شكاوى إليهم من المستهلك.

ارتفاع أسعار النظارات الشمسية في سوريا-“إنترنت”

يبدو أن الاستيراد شمّاعة للمسؤولين الحكوميين في تبريرات ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الفوضوي. إلا أن الخبراء يرون هذا الغلاء بأنه عائدٌ لضعف دور الحكومة الرقابي وعدم قدرته على السيطرة على الأسواق وضبط الأسعار عند حدوده المعقولة، إلى جانب ارتفاع تكلفة جميع المعدات الطبية، وقد يكون هذا واقعيا بالنظر إلى أن هذه المواد مستوردة، ولكن من ناحية أخرى، يجب على الحكومة حل معضلة فجوة الرواتب والمداخيل وأزمة ارتفاع الأسعار.

الماركات للأثرياء فقط

أيُّ منتج في سوريا وأثناء موسمه المحدد ترتفع أسعاره بشكل غير منطقي، ونتيجة نشاط تجارة بيع النظارات الشمسية في الأسواق وعلى الأرصفة، ارتفعت أسعارها أيضا. اللافت أن رغبة الناس في اقتنائها أصبحت شبيهة بامتلاكهم لبقية الإكسسوارات التي تتماشى مع مظهرهم العام.

لكن بسبب ارتفاع أسعار النظارات الشمسية ذات الجودة المتوسطة والعالية، باتت البسطات ذات السلع الرخيصة وبالجودة العادية، وجهة اقتناء المواطنين، حيث يصعب على المواطن الذي لا يتجاوز راتبه 165 ألفا، اقتناء نظارة شمسية بقيمة تتجاوز 150 ألفا، حتى تصل إلى قرابة المليون ليرة سورية.

بحسب رأي بعض بائعي النظارات الشمسية على البسطات في دمشق، فإنه ثمة عدد من الشباب وخاصة الشابات يشترون عدة نظارات شمسية بمختلف الألوان نظرا لرخص سعرها الذي يبدأ من 15 ألفا ولا يزيد عن 25 ألفا، فضلا عن أن بعض الزبائن تحصل على خصم في حال اشترت أكثر من نظارة واحدة، وفق تقرير سباق لموقع “أثر برس” المحلي، مؤخرا.

في مقابل ذلك، تلفت إحدى الفتيات في العاصمة دمشق لذات الموقع الإعلامي، إلى أمر غلاء سعر النظارات الشمسية الأصلية، ما يصعّب على الكثيرين اقتناؤها، وتتساءل عن سبب وصول سعر نظارة بجودة عالية إلى حدود 150 ألف ليرة سورية من ماركة “برادا”، متابعة بالقول “لذلك نجد 80 بالمئة من الناس يشترونها من البسطات لأنها مقلِّدة ومزاياها معدومة وسعرها مناسب لفئات الدخل المحدود، فنجدها على البسطة بسعر 15 ألفا وهو مناسب للكثيرين”.

أما صاحب أحد المحال الفخمة في بيع النظارات الطبية والشمسية الأصلية، فإنه يدعو الناس لشراء النوعية الأصلية في موسم الشتاء؛ وذلك لأن سعرها ينخفض إلى النصف تقريبا والعروض تبدأ آنذاك، نظرا لركود السوق وعدم الإقبال على شرائها.

حول أسعار نظارات الماركات، يضيف ذات المصدر “هي متفاوتة من كل نوع وماركة، حيث يختلف سعرها عن الأخرى، فمثلا أبيع ماركة شوبار، بـ 175 ألفا وأقوم بتقسيطها على دفعتين إذا كنت أعرف الزبون؛ فيما يختلف عنها سعر الڤرساتشي، التي تباع اليوم بـ 200 ألفا وشانيل بـ 150 ألفا وهكذا، علما أن هناك نظارات شمسية وطبّية في آن معا، تكون وصفة طبيب توصف لحماية العين وتكون تكلفتها أكبر حسب نوع العدسة وسماكتها ومقاومتها للأشعة فوق البنفسجية وقد تصل تكلفتها إلى 250 ألفا”.

سوق البصريات، سوق بلا حسيب ولا رقيب، فأرباح بعضها تتعدى المئة بالمئة، ويعمل أصحاب هذه المهنة وكأنهم أصحاب تجارة مخفية، حتى إنه من النادر أن يُسمع عن مخالفة إحدى محال للبصريات، ويبدو أن هذا ما أتاح لأصحابها البيع وفق ما يشتهون، وبالأسعار التي تناسب أهواءهم، وخاصة للطبقة الغنية، الذين يشكلون النسبة الأقل لسكان سوريا.

من الطبيعي أن تختلف أسعار السلع بحسب جودتها ونوعيتها، لكن من غير الطبيعي أن تكون السلعة نفسها تماما، مع فرق سعر كبير لمجرد أن أحد المحال قرر أن يصنّفها بخانة “الأصلية”، أو “أوريجينال”، والأخرى الأقل سعرا هي تقليد “كوبي”، وفي الواقع هذا يحدث كثيرا في السوق السورية، نظرا لغياب الرقابة عن هذا القطاع.

أما الأغلى فإنها تتواجد في أسواق حيّي الشعلان والمالكي، حيث تتراوح سعر النظارة الطّبية مع العدسات بين 600 ألف إلى نحو مليون ليرة وأحيانا أكثر حسب الطلب على أنواع تركيبها. فيما يبلغ سعر النظارة الشمسية الواحدة في هذه الأسواق إلى المليون والمليون والنصف، وهذا الغلاء يعود لكونها ماركات عالمية أصلية، وليست “كوبي”.

البعض يقول إن سقف الأرباح في هذا القطاع غير محدّد، نظرا لأن كل محل يضع تسعيرة وفق ما تناسب نوعية زبائنه وجودة منتجاته، بالتالي فإن تسعيرة النظارة للزبون تكون حسب وضع الزبون الذي يرتاد المحل عدة مرات في السنة، إلى جانب منطقة تواجد المحال، فمثلا النظارات في منطقة المالكي وأبو رمانة، أغلى بكثير من المناطق الأخرى التي تُعتبر شعبية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات