في صيف حار كالصيف السوري، يبحث المواطنون ولا سيما من ذوي الدخل المحدود عن طرق مختلفة للتغلب على الحرارة. لكن بالنسبة للسوريين، يبدو أن هناك شيء واحد يمنع الكثيرين من مواجهة موجة الحر.

في ظل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على المثلجات، تشهد سوريا تراجعا كبيرا في الإقبال على البوظة. ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب، منها ارتفاع الأسعار، وانتشار المواد المسرطنة، وأخيرا، اتهام جمعية “البوظة” السورية لمادة “الأسبرتام” بتسببها في تراجع الإقبال على المثلجات.

سعر كيلو البوظة ارتفع من 2000 ليرة عام 2019 إلى 70 ألف ليرة خلال 2023 الجاري. ومن الواضح أن “لعق كورنيه بوظة”، بات من الرفاهيات المبالغ بها قياسا بالواقع المعيشي الحالي.

تراجع الإقبال على البوظة في سوريا

كما أجزاء أخرى من العالم، يعاني السوريون هذه الأيام من موجة حر شديدة أو ما يعرف بـ”القبة الحرارية”، حيث تمتاز بأنها أطول من سابقاتها، ووصلت الحرارة في بعض المناطق إلى 50 درجة، وهو ما ترك آثارا كبيرة على حياة السكان.

تشهد سوريا تراجعا كبيرا في الإقبال على البوظة - إنترنت
تشهد سوريا تراجعا كبيرا في الإقبال على البوظة – إنترنت

في الحديث عن الأجواء في سوريا، فإن الأمور الأساسية مثل الأمن والسلامة والغذاء والمأوى تكون الأولوية القصوى. إلا أن البوظة وفي مثل هذه اللحظات الحرجة تلعب دورا مهما في رسم البسمة على وجوه الناس، خاصة الأطفال الذين يعانون من اشتداد الحر بسبب عدم وجود وسائل تبريد نظرا للتقنين الكهربائي.

نائب رئيس جمعية “البوظة”، هيثم جعارة، ذكر أمس الثلاثاء، أن أسعار المواد الأولية المستخدمة في صناعة البوظة السورية قد ارتفعت بنسبة تجاوزت الـ 20 بالمئة خلال الفترة الماضية وحتى الوقت الحالي.

كما أشار إلى أن نقص الكهرباء واعتماد الأمبيرات في العديد من المناطق أدى إلى ارتفاع أسعار البوظة، حيث تتراوح أسعار الكيلوغرام بين 35 و40 ألف ليرة، في حين يبلغ سعر “الطابة” الواحدة ما بين 3 إلى 4 آلاف ليرة.

الأسعار الحالية وفقا لتصريحات جعارة، لا تسمح بتحقيق هامش ربح كبير نظرا لارتفاع تكلفة المواد الطبيعية المستخدمة في البوظة مثل الفواكه والحليب، مع التأكيد على وجود رقابة صارمة على عملية الإنتاج لتجنب استخدام المواد الصناعية.

إلا أن التصريح الأبرز لنائب رئيس جمعية “البوظة”، هو أن نسبة الإقبال على شراء البوظة قد انخفضت بشكل كبير، وأن الطلب حاليا يتجه أكثر نحو شراء مكعبات الثلج للتبريد وشرب المياه الباردة.

حديث جعارة عن تراجع الإقبال علل أسبابه لانتشار مادة “أسبرتام” التي تضاف في بعض منتجات البوظة والتي يشتبه في أنها مسرطنة، مما أثر سلبا على ثقة المواطنين في جودة المنتجات. وأكد أن هناك نسبة من الصناعيين يستخدمون هذه المادة.

عنا جمعية للبوظة؟

بعد التصريحات الصحفية لجعارة، أثيرت موجة تساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهد يشير إلى أن موجة الحر انقلبت إلى موجة فحص وتحقيق حول وجود جمعية لـ”البوظة” في سوريا، تحت وسم “عنا جمعية للبوظة”.

غلاء المثلجات يعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع تكاليف مكوناتها - إنترنت
غلاء المثلجات يعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع تكاليف مكوناتها – إنترنت

بالبحث داخل موقع رئاسة الوزراء السوري، وجد “الحل نت”، أن الحكومة السورية أنشأت في دمشق ما يعرف بـ”الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات والمرطبات”، ويرأس هذه المجموعة بسام قلعجي، والذي كان عضوا سابقا في مجلس الشعب.

ليس وجود الجمعية ما أثار موجة التهكم، بل استعانت جعارة بـ”الأسبرتام” لتبرير تراجع الإقبال على البوظة كان السبب الآخر، وذلك كون تصريح نائب رئيس الجمعية متزامن مع تحذير “الصحة” العالمية، من أن “الأسبرتام” قد يسبب السرطان عند كثرة الاستهلاك خصوصا، رغم الموافقة على استخدامه في عام 1974 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

وكالة “مكافحة السرطان” التابعة لمنظمة “الصحة”، أدرجت السبت الفائت، مادة “الأسبارتام” المُحلية الموجودة في مشروبات الصودا منخفضة السعرات الحرارية وعدد لا يحصى من الأطعمة الأخرى، كسبب “محتمل” للسرطان، بينما قالت مجموعة خبراء منفصلة  إنها لا تزال تعتبر بديل السكر آمنا إذا تم تناوله بكميات محدودة.

“الأسبارتام” هو مسحوق أبيض عديم الرائحة يستخدم كمُحلي صناعي منخفض السعرات الحرارية وهو أحلى بحوالي 200 مرة من السكر، وفي عام 1981 خضع “الأسبرتام” لتقييم جديد من قبل خبراء الأمم المتحدة، فخفض حد التناول اليومي إلى 40 ملليغرام لكل كيلو غرام من وزن الإنسان.

كل كيلو بوظة يحتاج إلى كيلو كهرباء

مع اشتداد حرارة الصيف، تزايدت صعوبات صناعة البوظة السورية في المعامل نظرا لغياب التيار الكهربائي المستمر. فتضطر هذه المعامل والمتاجر المنتشرة في المدن إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية لتشغيل البرادات والحفاظ على المثلجات، مما يزيد تكاليف الإنتاج والتخزين.

تزايدت صعوبات صناعة البوظة السورية في المعامل - إنترنت
تزايدت صعوبات صناعة البوظة السورية في المعامل – إنترنت

أغلب أصحاب المحال التجارية والبقاليات قرروا عدم المخاطرة وعدم بيع البوظة والمثلجات في متاجرهم بسبب صعوبة تأمين كميات كافية من الكهرباء للحفاظ عليها. وهذا الأمر أدى إلى غياب العديد من أصناف المثلجات هذا العام نظرا لضعف الإقبال على تخزينها وبيعها.

رئيس “الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات والمرطبات في دمشق”، بسام قلعجي، أشار إلى أن غلاء المثلجات يعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع تكاليف مكوناتها مثل السكر والحليب والمسكة والفستق الحلبي واللوز والكاجو، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة مسحوق الكاكاو المستخدم في بعض الأصناف المنكّهة بالشوكولا.

وفقا لتصريحات قلعجي، فإن الإقبال على شراء البوظة في الأسواق السورية تراجع بنسبة تجاوزت 80 بالمئة، مما أدى إلى خروج العديد من صناع البوظة السورية من خط الإنتاج.

في حالة باتت عادية للمواطن السوري، يحاول المسؤولون المعنيون تبرير عجز الحكومة عن تأمين الكهرباء بتقديم تبريرات عشوائية. وفي هذا السياق، أوضح مدير عام شركة كهرباء دمشق لؤي ملحم، في تصريحات صحفية، أن سبب انخفاض ساعات التغذية الكهربائية التي لاحظها سكان مدينة دمشق هو وجود مشكلة في توليد الكهرباء، مفضلا عدم تحديد طبيعة هذه المشكلة.

السخرية والتهكم أصبحت ظاهرة في سوريا مع لمسهم لعجز الحكومة في سوريا، ويوما بعد يوم يزداد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها وتوسع نطاقها، خصوصا في ظل الوضع الحالي الذي يعاني منه السوريون في تحول البوظة السورية لرفاهية بمواجهة السرطان والحر والأسعار والكهرباء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات