مشكلة موجودة في عدة مناطق سورية، من أسبابها الزلازل والحرائق والقصف الإسرائيلي، وكلها تقول مجتمعة أنه لا توجد مسكن للسوريين، فهناك عدد من المباني على وشك الانهيار، ولم يتم معالجة وترميم الأضرار التي لحقت بالمباني نتيجة زلزال شباط/فبراير الماضي، ومثال على ذلك، تهدم بشرفة بناء آيل للسقوط في حي الشيخ ضاهر باللاذقية.

هذا بالإضافة إلى عدد الحرائق التي تحدث في سوريا من وقت لآخر، وأحدثها الحريق الذي نشب في حي ساروجة الأثري في دمشق القديمة، مما يترك العديد من السكان بلا مأوى أو فقدان مصدر رزقهم، إضافة إلى القصف الإسرائيلي الدوري على دمشق وبعض المدن الأخرى نتيجة أنشطة الميليشيات الإيرانية مما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى تدمير بعض منازل المدنيين، لكن في نهاية المطاف المواطن السوري هو الذي يدفع ضريبة كل ذلك وليس هناك من يعوضهم. حيث تكتفي الحكومة بالصمت والتصريحات الرنانة فقط.

لا أحد يعوض المواطنين

يعاني الكثير من السوريين من أزمة سكن، حيث يعيش البعض في شقق “عالعضم”، أي أنها غير مجهزة “غير مشطبة”، بالإضافة إلى سكن نسبة كبيرة من المتضررين من كارثة الزلزال في مساكن مؤقتة، نتيجة فقدانهم لمنازلهم بسبب الأبنية الآيلة للسقوط، والتي قد تكون بسبب وجودها في مناطق العشوائيات، أو بسبب الفساد في عمليات البناء أو المتضررين من الحرائق مثل حريق حي ساروجة، أو حتى بسبب القصف الإسرائيلي المتكرر.

حريق حي ساروجة-“إنترنت”

مسألة الحرائق التي تندلع في أحياء دمشق القديمة بات أمرا يتكرر بين عام وآخر، ورغم أن الرواية الحكومية الرسمية حول ملابسات هذه الحوادث تذهب باتجاه واحد وهو ماس كهربائي على سبيل المثال، إلا أن البعض يرون خلاف ذلك، ويوجهون من خلالها الاتهامات من منطلق أن ما حصل تم بفعل فاعل.

كثيرا ما كانت هذه الاتهامات ترتبط بإيران والأهداف الخفية لدمشق، وهو ما انعكس في أعقاب التهام ألسنة اللهب أكثر من 15 منزلا وموقعا أثريا في حي ساروجة الدمشقي، مؤخرا، من بينها قصر عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير الحج في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وجزء من منزل خالد العظم أحد مؤسسي الدولة السورية، وأشهر رئيس وزراء بتاريخها، بالإضافة إلى دار المجلدات والمخطوطات الأثرية والخرائط التاريخية السورية، وفق العديد من التقارير الصحفية.

حتى اليوم لم تكشف الحكومة السورية أسباب هذا الحريق، فقد اكتفت صحيفة “الوطن” المحلية أن التحقيقات جارية من أجل هذه القضية، ونقلت عن محافظ دمشق، محمد طارق كريشاتي، قوله إن الخسائر والقيمة الحقيقية للأضرار تعتبر تاريخية أكثر منها مادية.

حريق ساروجة، الذي يعتبر من أبرز الأحياء القديمة في العاصمة السورية دمشق، لم يكن الحريق الأول، فهو جاء بعد سلسلة حرائق ضربت مناطق قريبة منه خلال السنوات الماضية. ومنها الحرائق التي حدثت في الأسواق التي تعتبر أثرية، مثل الأسواق القريبة من سوق الحميدية.

في نيسان/أبريل 2016، التهمت النار أكثر من 80 محلا في سوق العصرونية، خلف المسجد قرب مقام السيدة رقية، وعادت الحرائق في تموز/يوليو 2017، مع نشوبها بمنطقة باب الجابية، سوق الصوف بدمشق، ومن ثم تم تسجيل حوادث مشابهة، من بينها تلك التي ضربت منطقة البزورية، في 2020، أحد أشهر الأسواق التجارية في العاصمة.

إلا أنه كثيرا ما يتهم البعض من النشطاء السوريين، إيران بالوقوف وراء الحرائق هذه، من زاوية أن منطقة دمشق القديمة تحظى بمكانة دينية عند الإيرانيين، بينما الحكومة تكتفي بإعلان حجم الخسائر والأضرار وجهود عمال الإطفاء فقط.

أحد المتضررين من حريق حي ساروجة يقول لموقع “أثر برس” اليوم الخميس، أنه “بعد عودتنا إلى المنزل وجدناه رمادا”، موضحا أنه كان وعائلته في زيارة لمنزل شقيقته يوم حادثة الحريق، وعند عودتهم إلى منزل الكائن في حي ساروجة فوجئوا برؤية منزلهم محترقا بالكامل، مضيفا “المنزل تحول إلى فحم أسود، وليس لدينا المقدرة على ترميمه”.

بعض الأهالي أوضحوا للموقع المحلي أنهم غير قادرين على ترميم منازلهم أو استئجار منازل جديدة نظرا لارتفاع أسعار الإيجارات في دمشق، فبالتالي هم غير قادرين على شراء منازل غيرها، مطالبين الحكومة بمساندتهم جراء خسارتهم المفاجئة والذي أعادت لهم ذكرى حدوث كارثة الزلزال.

بدوره، قال مصدر في محافظة دمشق إن موضوع تعويض المنازل للمتضررين لم يتخذ أي قرار يخصه، حتى يتم إحصاء كمية الأضرار المادية، من البيوت والمحال والسيارات. ولم تصدر الحكومة أي تصريحات مطمئنة للمواطنين.

لذلك لابد من طرح تساؤل هام ومُلِح، مَن سيعوض هؤلاء السوريين الذين يعانون الأمرين في تأمين قوت يومهم وصاروا بلا مأوى اليوم، ولماذا لا تقوم الحكومة بواجباتها تجاههم، مثل الحكومات الأخرى التي تعوض مواطنيها عند حدوث كارثة طبيعية أو غير ذلك.

تهدم الأبنية

في إطار بقاء العديد من السوريين بلا مأوى، أدى هدم جزئي لشرفة مبنى قديم في حي الشيخ ضاهر في اللاذقية قبل يومين إلى منع حركة المرور في الموقع، واستنفار الجهات المعنية إلى اتخاذ إجراءات السلامة العامة بشكل فوري.

مدير الشؤون الفنية في مجلس مدينة اللاذقية المهندس مهند دواي أكد في تصريح لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء، أن التهدم الحاصل بشرفة البناء جاء نتيجة زيادة تصدع البناء بعد وقوع زلزال السادس من شباط/فبراير الماضي، وكانت لجان السلامة العامة قد اتخذت قرارا بعد فحصه بتشميعه وإخلائه لحين هدمه، لظهور شروخ واضحة وتشققات خطرة فيه.

على الرغم من معرفة الجهات المعنية بخطورة المبنى بعد كارثة الزلزال إلا أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من هدمه والأضرار التي قد تلحق بالمواطنين القريبين منه.

دواي أشار إلى أن محافظ اللاذقية أصدر حديثا قرارا بالهدم، وتسليم الأعمال لفرع الإنشاءات العسكرية، وتم اتخاذ إجراءات سريعة للحماية كإغلاق الطريق الواصل إلى شارع 8 آذار، وتحويل السير من ساحة الشيخ ضاهر إلى شارع أنطاكية لحين المباشرة بعمليات الهدم وترحيل الأنقاض.

تضرر المباني وتشققها بهذه الطريقة وبأعداد كبيرة بعد كارثة الزلزال في سوريا قبل أشهر، بالإضافة إلى انهيار بعض المباني حتى يومنا هذا، يشير إلى مدى الفساد الحكومي والإهمال في قطاع العقارات والبناء وبناء منازل غير آمنة لعدم توفير المواصفات القياسية الآمنة فيها.

كارثة الزلزال التي وقعت في سوريا، خلّفت أضرار وخسائر مادية هائلة لحقت بعمران العديد من المدن، مثل مدينة حلب واللاذقية وبناهم التحتية. وبحسب تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، فإن متوسط كلفة ترميم المنزل تبلغ نحو 150 مليون ليرة سورية.

كما ولا يوجد تأمين على الأغلبية الكاسحة من المنازل في سوريا، على الرغم من وجود تأمينات لبعض المباني بعدد من المناطق. وحتى اليوم لم تعوض الحكومة أي من متضرري الزلزال بأي تعويضات مادية أو حتى سكنية، وكان أحد الخيارات التي تم اقتراحها هو تشييد الأبراج، والتي يمكن أن توفر حلّا سريعا لأزمة الإسكان. ومع ذلك، نظرا لأن عدد الأشخاص المتضررين يفوق بكثير العدد المحدود للشقق المكتملة، يبقى السؤال، مَن سينظّم قائمة الأولويات للمستفيدين من الشقق المكتملة.

جدوى بناء أبراج عشوائية ومبعثرة كحلّ لضحايا الزلزال هي فكرة مثيرة للجدل لدى العديد من السكان الذين تضرروا في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد. وتم تكليف وزارة الأشغال بتقييم جدوى هذا الخيار، بحسب ما نشرته صحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا، وما إذا كان ذلك كافيا لتوفير سكن لائق لآلاف الأفراد والعائلات المتضررة، لكن لم تتخذ الوزارة قرارا بعد بشأن المُضي قدما في بناء هذه الكتل السكنية أو استكشاف خيارات أخرى.

أحد الاهتمامات الرئيسية التي أثارها الخبراء هو ما إذا كانت الأبراج حتى لو تم تشييدها بسرعة ستكون قادرة على استيعاب جميع أولئك الذين تم تهجيرهم، وهل ستكون هذه الأبراج آمنة ومقاومة للزلازل، ومَن سيتولى أمر هذا المشروع، وسط الفساد المستشري في البلاد بشكل عام.

هذه كلها أسئلة يجب أن تدرسها وزارة الأشغال والحكومة ككل وتقع على عاتقها بجدية مسألة أمن وحماية المواطنين من الكوارث الطبيعية. وفي حين أن هذا الخيار قد يوفر حلّا سريعا لأزمة الإسكان، لا يزال هناك العديد من التحديات اللوجستية التي تحتاج إلى معالجة.

بحسب الصحيفة، فإنه مع استمرار الحكومة في التعامل مع هذه القضية الصعبة، من الواضح أنه لا توجد إجابات سهلة أو حلول سريعة. إذ سيتطلب إنشاء المشروع تخطيطا وتنسيقا وتعاونا دقيقا بين جميع أصحاب المصلحة المشاركين في جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.

أزمة سكن

إحصائية وزارة الإدارة المحلية كشفت مؤخرا عن عدد الأشخاص المهجّرين من جراء الزلزال داخل وخارج مراكز الإيواء، حيث أكدت أنه وصل إلى 328301 شخص، منهم 136920 شخصا في مراكز الإيواء، بينهم 70403 من الأطفال، و 41809 من النساء.

إذا كان متوسط أعداد الأسرة الواحدة 5 أشخاص، فهذا يعني أن هناك 6600 أسرة تحتاج إلى شقق بديلة ودائمة، وقطعا فعدد الأبراج التي أعلنت وزارة الأشغال عن المباشرة ببنائها في القادم من الأيام لن تكفي سوى لعدد قليل جدا من الأُسر المنكوبة.

المناطق العشوائية في دمشق-“تواصل اجتماعي”

وزارة الإدارة المحلية بيّنت في وقت سابق أن عدد الأبنية التي تحتاج إلى التدعيم، يبلغ 63905 مباني، في المحافظات المنكوبة، وإذا كان هذا العدد الكبير من الأبنية آمنا إنشائيا، أي صالحا للسكن، لكن هل هذه المباني آمنة بعد تعرّضها لعدد كبير من الهزات في مواجهة أي زلزال شديد غير معروف حدوثه.

وفقا للصحفية فإن إنجاز الضواحي بتقنيات التشييد السريع لا يستغرق أكثر من عام، يمكن خلالها تأمين السكن المؤقت للمتضررين من خلال عدة خيارات، كتجهيز مراكز إيواء تضمن للأسر بداخلها نوعا من الاستقلالية والخصوصية، وإنجاز المنازل المسبقة الصنع التي وصل بعضها من الصين، والتي بدأت الإمارات ببناء ألف منها في اللاذقية، والتي باستطاعة الشركات الإنشائية إنجاز عدد كبير منها بزمن قياسي.

إزاء كل هذه الأزمات في سوريا، أزمة جديدة تتعلق بالارتفاع الجنوني والحاد لأسعار الإيجارات والشقق السكنية في البلاد، بعد فشل كل الجهود الحكومية لتجاوز ذلك. وبحسب المعطيات، فإن موجة جنونية من ارتفاع  أسعار الإيجارات، وصفها سوريون بـ”العار” والخطيئة الكبيرة، إذ كان متوسط إيجار الشقة في أغلى مناطق دمشق بحدود 40 ألف ليرة شهريا قبل عام 2011، لكنها الآن تصل إلى الملايين ولن يقلّ إيجارها اليوم عن 8 ملايين شهريا.

هذه الزيادة الكبيرة في أسعار الإيجارات تضع الكثير من السوريين في مأزق، حيث لا يستطيعون تحمّل هذه الزيادة، مما يدفعهم إلى البحث عن سكن أقل تكلفة، أو إلى مغادرة منازلهم صوب الأرياف. وهو ما يخلق أزمة سكن جديدة في البلاد.

أضرار بسبب الميليشيات الإيرانية

في سياق متّصل، لا تحمل حكومة دمشق المسؤولية على عاتقها تجاه الحرائق الضخمة التي تحصل والقصف الإسرائيلي المتكرر والأضرار التي تلحق بمنازل المدنيين نتيجة لذلك، بالنظر إلى أن نشاطها وتحالفها مع ميليشيا الجانب الإيراني تسبب في هذا القصف والحرائق التي تشوبها اتهامات بوجود أيادي خفيفة ورائها، خاصة وأن هذه الحرائق الضخمة وفي المواقع الأثرية والتاريخية الهامة لم تحدث في تاريخ سوريا إلا خلال السنوات الماضية فقط.

هذا وقصفت إسرائيل العاصمة دمشق مرة أخرى مما تسبب في أضرار بشرية ومادية. وقالت وكالة “سانا” المحلية نقلا عن مصدر عسكري في وقت مبكر، يوم أمس الأربعاء الماضي، إن “هجوما جويا إسرائيليا استهدف محيط دمشق مما أدى لإصابة جنديين سوريين ووقوع بعض الخسائر المادية”.

تاليا، انتشر فيديو لرجل فقد منزله بسبب القصف الإسرائيلي، وأعرب هذا الرجل عن حزنه بعد قصف منزله، “انقصف بيتي، راح بيتي يا الله”، وهو يصور منزله المدمر وغارقا في البكاء.

لم يكن منزل هذا الرجل الوحيد الذي تضرر من القصف الإسرائيلي، حيث تضرر العديد من المنازل نتيجة القصف المتكرر خلال السنوات الماضية، ولم تعوض الحكومة السورية أيا من هؤلاء السكان بتعويضات مادية أو حتى سكنية، وبالتالي أصبحوا بلا مأوى ويواجهون خيارين أحلاهما مُرّ؛ إما استئجار منزل أو اتخاذ قرار الخلاص والهجرة خارج البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات