في ظل الغلاء الذي يجتاح عموم الأسواق السورية، ارتفعت إيجارات المنازل في سوريا بشكل كبير مقارنة بمستوى رواتب ومداخيل المواطنين. أسعار إيجارات المنازل في جميع المحافظات السورية متساوية إلى حد ما، لكنها في العاصمة دمشق تصل إلى 4 ملايين ليرة سورية شهريا، وسط تعاقب الأزمات الاقتصادية في البلاد.

مسألة ارتفاع إيجارات المنازل في سوريا ليست بالشيء الجديد، فهي في ازدياد مستمر كلما انخفض سعر الصرف، إلى جانب ارتفاع أسعار المحروقات والسلع الأخرى في الأسواق، لكن الإيجارات ترتفع بشكل غير منطقي، لدرجة أن مدينة دمشق باتت تُصنّف مؤخرا كواحدة من أغلى مدن العالم بأسعار العقارات مقابل انخفاض الدخل.

أسعار الإيجارات ترهق المستأجرين

خلال النصف الأول من العام الجاري، ارتفعت أسعار العقارات في دمشق بنسبة تراوحت بين 30-40 بالمئة. وفي هذا السياق، قال بعض أصحاب المكاتب العقارية في مناطق مختلفة من العاصمة، إن زيادة الطلب على المنازل للإيجار مقابل العرض المحدود يُعد أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار الإيجارات، حسبما أورده موقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الثلاثاء.

ارتفاع أسعار الإيجارات بسوريا- “إنترنت”

عدنان صاحب مكتب عقاري في أحد مناطق السكن العشوائي يضيف من جانبه إلى أن إيجارات المنازل تتراوح بين 150- 400 ألف ليرة سورية، حسب مساحة البيت وموقعه وقربه من الشارع الرئيسي، كما أن حركة البيع والشراء جيدة ولم تتوقف رغم الغلاء وارتفاع الأسعار، لافتا إلى أن “الناس مضطرة للسكن مهما كان السعر”.

صاحب المكتب العقاري نفسه نوّه إلى أنه في مناطق المخالفات يدفع المستأجر بشكل شهري، أما في المناطق الراقية فيتم الدفع سلفا كإيجار سنوي، مضيفا أن أصحاب المكاتب يتقاضون عادة “كمسيونا” يعادل أجرة شهر واحد، وبالتالي فإذا تم تأجير البيت بـ 200 ألف يتقاضون المبلغ نفسه وهكذا.

في إطار هذا الغلاء الجامح، يشير عدنان، صاحب المكتب العقاري، إلى أن الإيجارات أصبحت أمرا يثقل كاهل المستأجرين، من حيث تكلفة الإيجار إلى جانب تسجيل عقود الإيجار في البلدية، حيث يدفع المستأجر ضرائب للمالية والمحافظة إضافة إلى قيمة الإيجار.

وفق تصريحات صحفية سابقة لأصحاب المكاتب العقارية، فإنه ليس ثمة وجود قانون في سوريا، يحدّد مستوى الإيجار، حيث إن تأجير العقارات المعدّة للسكن بعد عام 2001 تخضع لإرادة المتعاقدين، مشيرين إلى أن المادة الأولى من القانون رقم 6 لعام 2001، نصّت على أن تأجير العقارات المعدّة للسكن أو الاصطياف أو السياحة أو الاستجمام، أو المأجورة من الدوائر الرسمية أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها تخضع لإرادة المتعاقدين.

كما نصّت المادة السادسة من هذا القانون على أن ادّعاء المستأجر بالغبن أو غلاء الإيجار لا يعفيه من دفع المبلغ الواجب دفعه للمؤجّر، كما يسمح القانون للمستأجر الذي يدّعي الغبن بالأجرة بالتظلم مرة واحدة كل 3 سنوات، ويسمح له بالادّعاء بالفترة التي تبدأ من تاريخ العقد أو من تاريخ الاتفاق الخطيّ على تعديل الأجرة.

الارتفاعات الجنونية في قطاع إيجار العقارات، تُعتبر بمثابة الحمل الثقيل على مستأجري المنازل، الذين يتعرّضون لاستغلال من بعض المؤجّرين، إضافة إلى زيادة الطلب بشكل كبير على المنازل مقابل انخفاض كبير في العرض.

ارتفاع الإيجارات 40 بالمئة

في المقابل، يشير بعض أصحاب المكاتب العقارية إلى أن أسعار إيجارات المنازل ارتفعت بنسبة 40 بالمئة منذ بداية العام الجاري، حيث إن إيجار منزل في الفيلات الغربية لا يقل عن مليوني ليرة.

بينما يتراوح في منطقة ساحة الهدى وعروس الجبل بين 600 ألف إلى مليون ونصف المليون ليرة، كما أن أقل سعر للبيوت المفروشة، فرش عادي، نحو مليون ونصف المليون ليرة في منطقة الشيخ سعد.

أما في منطقة مشروع دمر بدمشق يتم تأجير غالبية البيوت مفروشة، وأقل سعر يُقدر بنحو مليون ونصف المليون ليرة، بينما يقل السعر قليلا في منطقة ضاحية قدسيا للشقق المفروشة، ويتراوح بين 600 ألف ليصل إلى نحو مليون ليرة للشقة دون فرش.

من جانبه، أكد صاحب مكتب عقاري في منطقة شارع بغداد أن إيجار المنازل المفروشة تبدأ بمبلغ 4 ملايين شهريا، ومن دون فرش تتراوح بين مليون إلى 2 مليون ليرة، طبقا لتقرير الموقع المحلي.

بدورهم أكد عدد من قاطني مناطق السكن العشوائي بأن المؤجر لا يلتزم  بالسعر المتفق عليه في البداية، وتستمر عملية رفع الأجرة بشكل شهري أحيانا بحجة ارتفاع الأسعار، واعتماده على أجرة البيت لتأمين مأكل ومشرب أسرته، حيث أكدت إحدى السيدات بأنها استأجرت بيتها بداية العام الماضي بمبلغ 100 ألف ليرة، واليوم وصلت الزيادة في الإيجار إلى 300 ألف ليرة، مقابل راتب يُعد حتى الآن الثابت الوحيد في ظل متغيرات سعرية تكاد لا تصدق حوله.

أسباب غلاء الإيجارات

في هذا الصدد، يقول المحلل الاقتصادي حيان سلمان للموقع نفسه، إن ارتفاع أسعار العقارات وإيجارات المنازل كانت كنتيجة لتداعيات الحرب في البلاد، والتي أدت لنزوح عدد كبير من السكان من المحافظات الأخرى كحلب ودير الزور إلى العاصمة، ما أدى إلى زيادة الطلب مقابل عرض محدود، ورغم أهمية مشاريع البناء في تنشيط الحركة  الاقتصادية كونه ينشط عمل نحو 82 ورشة ومهنة إلا أنه مازال محدودا نوعا ما.

ارتفاع أسعار إيجار البيوت في المناطق العشوائية أيضا- “دمشق وادي المشاريع”

إلا أن سعر الأسمنت يُعدّ أحد المعاملات الأساسية التي تؤثر على سعر العقار، حيث يُعتبر من المواد الأساسية التي تدخل في بناء العقارات. وبالتالي، فإن ارتفاع سعره يؤدي إلى زيادة تكلفة بناء العقارات، مما ينعكس سلبا على سعرها. وعلى العكس من ذلك، فإن انخفاض سعر الأسمنت يؤدي إلى انخفاض تكلفة بناء العقارات، مما ينعكس إيجابيا على سعرها.

في أيلول/سبتمبر 2021، تم رفع سعر طن الأسمنت عيار 32.5 الى 211.250 ليرة، وكان الرفع في هذه المرة مؤثرا عند مقارنته بالأسعار السابقة للقرار، حيث بلغت نسبة الارتفاع نحو 41 بالمئة، وفي أيار/مايو 2021 تم رفع سعر الطن إلى 397.760 ليرة.

لكن في القرار الأخير الذي صُدر في نهاية أيار/مايو 2023، تم رفع سعر طن الأسمنت عيار 32.5 إلى 700 ألف ليرة، وكان الرفع في هذه المرة مؤثرا أيضا عند مقارنته بالأسعار السابقة للقرار، حيث بلغت نسبة الارتفاع نحو 76 بالمئة لعيار 32.5 المعبأ، ونسبة 90 بالمئة لعيار 42.5.

كما أن كارثة الزلزال التي حلّت على سوريا، أدت إلى تفاقم المشكلة وارتفاع الأسعار حتى وصلت إلى مرحلة يمكن تسميتها إنها أسعار ليست اقتصادية أي لا تعبّر عن القيمة الحقيقية للعقار أو الإيجار، طبقا لتحليل الخبير الاقتصادي.

في العموم، أصبح إيجاد منزل للإيجار في سوريا بمثابة مهمة مستحيلة ولا سيما في المدن الكبرة كدمشق وحلب واللاذقية.

غير أنه حتى مع وجود منزل للإيجار، فإن الأسعار المعروضة تفوق قدرة السواد الأعظم من الباحثين عن سكن بعدما وصلت نسبة الارتفاع في إيجار العقارات منذ بداية العام الجاري إلى نحو مئة بالمئة.

بالتالي فإن قطاع العقارات في سوريا، يبدو أنه يتجه لمزيد من الركود، والغلاء، والعمران العشوائي المنافي للمواصفات الفنية المطلوبة، وسط الغلاء الذي يخيّم على عموم البلاد من جميع الجهات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات