في ظل تفاقم أزمة الكهرباء في سوريا وزيادة ساعات التقنين الكهربائي، التي وصلت في بعض المناطق إلى 22 ساعة يوميا مقابل ساعتين تغذية فقط، أصبح كأس الماء البارد بمثابة حلم للسوريين في ظل موجات الحر الشديد التي تعاني منها البلاد في الأسابيع القليلة الماضية.

“سوريا تتقدم إلى الوراء”، بهذه الجملة عبّر بعض السوريين عن الواقع الذي وصلت إليه البلاد، بعد أن اضطروا إلى استخدام أساليب بدائية في إنجاز أعمالهم اليومية بالمنازل، نتيجة غياب الكهرباء، وارتفاع تكاليف الخدمات الأساسية.

بعد غسل الملابس يدويا واستخدام الحطب كبديل عن المحروقات، أفادت تقارير محلية بارتفاع معدلات الطلب على حافظات المياه، وذلك في محاولة من السوريين للحصول على مياه بارد للشرب، حيث أصبح الظفر بكأس ماءٍ بارد بمثابة حلم للكثيرين، في ظل غياب الشبه التام للكهرباء في معظم المناطق السورية.

المياه الباردة صعبة المنال؟

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، أفاد بأنه مع ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع معدلات التقنين الكهربائي، “حُرم السوريون من مياه الشرب الباردة، ما يضطرهم لتعويضها بالثلج بعد إضافة المياه في تلك الحافظات لتحفظها باردة أطول وقت ممكن”.

ليس الجميع بمقدورهم تحمّل تكاليف شراء ألواح الثلج يوميا، إذ إن تكلفة لوح الثلج تصل إلى 20 ألف ليرة سورية، في وقت أن البعض يتجه لشراء نصف لوح أو ربع بتكلفة تصل إلى 5 آلاف ليرة.

“النملية هي الخيار الأفضل”، قال أحمد بسوت وهو أب في عائلة مكونة أربعة أفراد، مؤكدا أن الاعتماد على قوالب الثلج الجاهزة أمرٌ يصعب تحمّله بسبب الأعباء المادية، فليس من المنطقي تخصيص 150 ألف ليرة سورية لشراء ربع قالب ثلج يوميا.

بسوت، أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “الكهرباء التي تأتي لا تكفي لتبريد المياه، قمت بصنع نملية صغيرة في غرفة المونة من أجل حفظ الأطعمة وتبريد المياه بدرجة خفيفة، فالمياه العادية أصبحت ساخنة ولا نستطيع شربها في هذه الأجواء، حقيقة عدنا لزمن الأجداد، نستخدم النملية والخوابي لتعبئة المياه وبالتالي تصبح درجة حرارتها مقبولة”.

مؤخرا شهدت الأسواق السورية انتشارا واسعا لـ”الخوابي”، حيث يتجه كثير من السوريين إلى شراء خابية، ولفّها بقطعة قماش إضافية، من أجل كسر درجة حرارة المياه قبل شربها، وبحسب “الوطن”، فإن سعر الخابية يتراوح بين 20 إلى 35 ألف ليرة سورية بحسب حجمها.

قد يهمك: هجوم برلماني على رئيس الحكومة السورية.. هل اقتربت الإقالة؟

أزمة الكهرباء والمياه المستمرة باتت أكبر مصدر قلق يصاحب الحياة اليومية للسوريين. بل أصبحت من أكبر الهموم، حيث لا يُعقل أن يُصبح حلم كل بيت استكمال “وجبة الغسيل” في الغسالة، نتيجة انقطاع الكهرباء أو المياه، وسط تخوف عودة البلاد إلى العصور القديمة، تزامنا مع استمرار الأزمات الخدمية، من الكهرباء والمياه والغاز.

لا حلول قريبة

في ظل ازدياد ساعات تقنين الكهرباء وعدم وجود حلول تلوح في الأفق بخصوص هذه الأزمة، فإن الناس باتوا يلجؤون لنظام “الأمبيرات”، وفي استطلاع للرأي أجرته الإذاعة المحلية “نينار إف إم”، حول آراء الناس فيما يخص الكهرباء ونظام “الأمبيرات” في محافظة حلب مؤخرا، أظهر أن الكهرباء تأتي ساعة واحدة فقط كل 12 ساعة، وأنهم يعتمدون الآن على “الأمبيرات” وأن كل منهم يدفع ما لا يقل عن 50 ألف ليرة سورية شهريا حتى يتمكن من تأمين أمبير واحد لمنزله.

من جانب آخر أشارت إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في تقرير سابق، إن واقع الكهرباء ازداد سوءا في معظم المحافظات خاصة في الأشهر القليلة الماضية، إذ وصلت ساعات القطع إلى 7 ساعات مقابل ربع ساعة وصل في عدة قرى ومناطق بمحافظة اللاذقية على سبيل المثال، التي بات سكانها ينشدون المساواة مع باقي المحافظات على الأقل.

ساعات تغذية الكهرباء تختلف من منطقة لأخرى في عموم المحافظات، فمثلا في دمشق، تصل ساعات التغذية في بعض المناطق مثل الزاهرة الجديدة مسبق الصنع تحديدا والبرامكة والعدوي إلى ثلاث ساعات قطع ويقابلها ثلاث وصل.

بينما التقنين في أغلب المناطق الأخرى هو ساعتين وصل مقابل 4 ساعات قطع، ويتخلل ساعات الوصل انقطاعات متكررة في بعض الأحيان، كما أن بعض الأيام تشهد انقطاعا لخمس ساعات متواصلة مقابل ساعة وصل واحدة.

حال دمشق تُعتبر جيدة مقارنة مع أغلب مناطق الريف، حيث تصل ساعات القطع إلى 5 ساعات مقابل ساعة واحدة وصل في أفضل الأحوال، بينما يشتكي سكان بعض القرى والأحياء في النبك وجديدة عرطوز وقطنا، من كثرة الأعطال في الكهرباء إذ تصل ساعات الوصل إلى نصف ساعة فقط مقابل عدد غير محدد من القطع.

أما في محافظات حمص وحماه وحلب، فإن ساعات وصل الكهرباء تتراوح بين نصف ساعة وساعة في أحسن الأحوال مقابل خمس ساعات قطع، كما تشتكي محافظتا حمص وحماه، من الحماية الترددية التي تؤدي إلى فصل التيار بشكل متكرر خلال فترة الوصل، مما يزيد من المعاناة ويؤدي لأعطال في الأجهزة الكهربائية.

مع دخول فصل الصيف بكامل حرارته المُطلقة، يتحول البحث عن وسائل لمواجهة موجة الحر إلى أمر ضروري للسوريين الذين يعيشون في ظروف قاسية. إلا أن ما أثار موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، هو طرح سؤال غريب وغير تقليدي عبر إحدى الإذاعات المحلية، يتعلق بالطرق المبتكرة لمواجهة الحرارة والشوب، محددا أن تكون هذه الطرق بدون الاعتماد على الكهرباء، وفجأة انتشرت موجة من التهكم والسخرية حول هذا السؤال العجيب والغامض.

استمرار أزمة الكهرباء وعدم نجاح الحكومة السورية في إيجاد أية حلول من شأنها تحسين الواقع الكهربائي في البلاد، يبدو أنه سيدفع بالسوريين بالتقدم نحو الوراء واستعارة أساليب الأجداد في التعامل مع الاحتياجات الأساسية للحياة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات