في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سوريا، يبدو أن تحركات جديدة تعتزم الحكومة السورية القيام بها في محاولة للتخفيف من حدة هذا الانهيار مستعينة بحليفتها الإقليمية الأبرز وهي إيران، وذلك عبر إحياء الاتفاقيات الاقتصادية التي وقّعها الجانبان على مدار السنوات الماضية، والتي تتضمن تغول اقتصادي ومنح طهران نفوذا أكبر في الاقتصاد السوري من بوابة التعاون والاستثمار.

العديد من الاتفاقيات وقّعتها دمشق مع طهران منذ عام 2017، لكن معظمها بقيت على الورق، ويبدو أن الجانب الإيراني لم يجد الفرصة أو الحاجة لتفعيل هذه الاتفاقيات التي تضمنت امتيازات عديدة لطهران في الاقتصاد السوري.

مدفوعة بهذه الأسباب أرسلت دمشق وفدا حكوميا برئاسة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في زيارة تطرح التساؤلات حول التأثير الفعلي لهذه الزيارة إلى جانب الاتفاقيات الثنائية على الاقتصاد السوري خلال الفترة القادمة، خاصة في ظل الانهيار الذي تعاني منه البلاد.

وفد سوري إلى طهران

المقداد وصل إلى إيران الجمعة في زيارة تستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري، حيث أكد أن الخطوات العملية لتنفيذ الاتفاقات الموقّعة مؤخرا بين طهران ودمشق خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا قد بدأت.

يبدو أن دمشق تسعى لانتشال الاقتصاد السوري من حافة الانهيار، من خلال الاتفاقيات المتعلقة بالاتصالات والخطوط التجارية وغيرها من الاتفاقيات الاقتصادية، التي جرت خلال زيارة رئيسي إلى سوريا في أيار/مايو الماضي.

زيارة المقداد رافقه بها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل ووزير الاتصالات السوري إياد الخطيب، الأمر الذي يفصح ربما عن حيثيات وأهداف الزيارة، خاصة في ظل سريان مشروع شركة الاتصالات السورية “وفا تيليكوم” التي تؤكد التقارير أنه يجري التحضير لها بإشراف وسيطرة إيرانية للعمل في سوريا.

فبحسب تحقيق أعدّه كل من “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” و”مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد” ، فإن شركة ماليزية هي صاحبة الأغلبية في ملكية المشغل الثالث للهواتف المحمولة داخل سوريا وهي “وفا تيليكوم”.

قد يهمك: إقالة وزير الخارجية الصيني.. اضطراب داخلي في السياسة الخارجية؟

وفق التحقيق، الذي نُشر بتاريخ التاسع من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فإن الشركة لها صلات متعددة بـ”الحرس الثوري” الإيراني، وحتى عام 2019 كانت مملوكة مباشرة لضابط إيراني خاضع للعقوبات بسبب تسهيل عمليات بيع نفط لصالح “الحرس الثوري” الإيراني، كما يرتبط اثنان من مسؤوليها الماليزيين بشركات فُرضت عليهم عقوبات لدعمهم “الحرس الثوري”، مما يدحض رواية دمشق بأن الشركة “وطنية بالكامل”.

الغاية من الزيارة

الخبير في الاقتصاد السوري رضوان الدبس، رأى أن الغاية من زيارة وفد دمشق إلى طهران، تتمحور بشكل رئيسي حول الأهداف الاقتصادية، إضافة إلى محاولة كسر عزلة دمشق الإقليمية، مشيرا إلى احتمالية أن تعمد دمشق لاحقا إلى طرح المزيد من منشآت البنية التحتية للاستثمار تحت رعاية إيرانية.

الدبس قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الزيارة لها أكثر من هدف، الأول محاولة كسر العزلة التي تعاني منها دمشق، بعد خيبة الأمل من نتائج القمة العربية، فدمشق كانت تتوقع أن تكون هناك نتائج إيجابية وانفتاح اقتصادي ومشاريع، لكن أيّاً من هذه الأشياء لم تحصل وكانت النتائج مخيبة للآمال بالنسبة للحكومة السورية”.

لكن الهدف الأبرز من الزيارة، يتمحور حول الوضع الاقتصادي في سوريا، والذي يتزامن مع انهيار غير مسبوق في قيمة العملة السورية، في ظل عدم امتلاك الحكومة لأيّة أدوات من شأنها السيطرة على هذا الانهيار أو الحد منه خلال المرحلة الراهنة.

حول ذلك أضاف الدبس، “الليرة وصلت إلى 12 ألف مقابل الدولار الأميركي، والأدوات والسياسات والقرارات المالية جميعها مستنفذة، هناك بوادر حقيقية لانهيار كامل في الاقتصاد السوري، لذلك جاءت هذه الزيارة لتفعيل الاتفاقيات والمشاريع المشتركة، مشاركة وزير التجارة الخارجية من أجل تفعيل اتفاقيات تبادل السلع واتفاقات الخطوط الائتمانية، ووزير الاتصالات، من أجل مشروع المشغل الثالث وفا تيليكوم”.

الدبس أوضح كذلك أن “نحو 90 بالمئة من الاتفاقيات والمذكرات التي وُقعت بين طهران ودمشق منذ العام 2017، بقيت حبيسة الدروج، لذلك لا بدّ من تفعيلها، هذا فضلا عن طرح دمشق لبعض المنشآت العامة للاستثمار مثل مطار دمشق الدولي، ولا أستبعد أن تكون الزيارة بهدف طرح المزيد من الأشياء للبيع أو الاستثمار لطهران بهدف الحصول على السيولة”.

رغم المعلومات المتوفر، لا تزال نصوص ومضامين الاتفاقات التي وقّعتها الحكومة السورية مع الوفد الإيراني الذي زار دمشق قبل نحو شهرين ونصف، برفقة الرئيس إبراهيم رئيسي، “غامضة وعمومية”، حيث تسعى طهران من خلال هذه الاتفاقيات إلى حصد نتائج وقوف طهران إلى جانب دمشق، وتحصيل الديون القديمة، والتوسع في السيطرة على قطاعات حيوية.

نفوذ إيراني متزايد

تساعد طهران في ذلك التسهيلات السورية اللامحدودة، أمام المشاريع الإيرانية التي اجتاحت المناطق السورية في كافة المجالات، ليخرج في الأمس القريب وزير الاقتصاد السوري سامر الخليل مشيدا بالدور الإيراني في التعاون الاقتصادي بين الجانبين.

محللون أشاروا كذلك أن إيران مهّدت منذ أشهر للعديد من المشاريع الاقتصادية، لزيادة نفوذها في اقتصاد سوريا، بعد أن استحوذت طهران على أغلب القطاعات الحساسة والمفصلية في السوق السورية، على رأسها قطاع الاتصالات، والعقارات.

أيضا برزت خلال السنوات الماضية، مساعي إيرانية للتمدد داخل قطاع النفط والغاز في سوريا، حينما اقترحت طهران إنشاء شركة مشتركة في مجال التنقيب عن النفط والغاز مع حكومة دمشق، في خطوة تحاول من خلالها وضع قدم لها في صفقات النفط بسوريا. هذا المقترح الإيراني جاء خلال مباحثات بين معاون وزير النفط السوري خالد العليج، والمدير التنفيذي لجمعية “الصداقة الشعبية السورية الإيرانية” رئيس اللجنة الاقتصادية، حسن شاخصي.

في المقابل، تعتمد احتمالات تنفيذ هذه الأطماع الإيرانية على عدة عوامل، منها فكرة مدى الأداء الروسي فيما يتعلق بهذا التوغل الاقتصادي في سوريا، وعلى الرغم من وجود تحالف روسي-إيراني بشأن معادلة الدفاع عن دمشق ومعادلة تحقيق المصالح، لكن هناك خلافات عدة طفت على السطح بين الجانبين الروسي والإيراني، وبحسب مختصين في الشأن الإيراني، “فإن هذه الخطوة الإيرانية ستزيد من حجم الخلافات مع روسيا، خاصة وأن الأخيرة تدرك جيدا أن هذه الخطوة تهدف إلى تقارب طهران مع الغرب أو تشكيل بديل عنها، و لذلك سوف يتعارض ذلك مع الرغبات الروسية في هذا الوقت الحساس بالنسبة لموسكو، التي تقود حربا غير مباشرة مع الغرب بسبب غزوها لأوكرانيا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة