في ظل الغلاء الجامح الحاصل في سوريا، خاصة بعد تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي مؤخرا، يبدو أن زبائن ومستهلكي أسواق الألبسة المستعملة “البالة” باتوا من مختلف شرائح المجتمع السوري، وليس فقط من الفقراء وميسوري الحال كما في السابق وسط الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تعصف بالبلاد من حين لآخر.

مع ارتفاع أسعار الملابس بشكل كبير، فهي بالتأكيد لا تتناسب مع رواتب ومداخيل السوريين في الداخل اليوم، الأمر الذي يدفع بالعائلات إلى الشراء من أسواق “البالة”، ونادرا ما يتم شراء ما هو جديد، باعتبار أن شراء الملابس يتطلب ميزانية كبيرة منفصلة عن المصاريف الأخرى، وسط الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون.

الإقبال على أسواق “البالة”

أسواق “البالة” اليوم باتت منتشرة ونشطة أكثر من أي وقت مضى، وسط الظروف المعيشية الصعبة، إذ توفّر هذه الأسواق الملابس والأحذية بنوعية مقبولة وجيدة وبأسعار أرخص من الأسواق العادية، على الرغم من عدم تناسبها مع دخل آلاف العائلات، وفق تقرير لصحيفة “البعث” المحلية يوم أمس الأربعاء.

تأثر ألبسة “البالة” بسعر الصرف-“إنترنت”

خلال السنوات الماضية أصبحت أسواق “البالة” في كافة المدن السورية الأكثر اكتظاظا بالزبائن، وخاصة بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بكافة الشرائح الاجتماعية، لكن حركة تلك الأسواق تراجعت مؤخرا بعد ارتفاع أسعار سلعها بشكل كبير جدا، نظرا لتأثّر كافة الأسواق بالعوامل الاقتصادية الأخيرة التي تشهدها سوريا.

طبقا لآراء الشارع السوري وفق الصحيفة المحلية، فق أكد أحد المواطنين ويعمل موظف، أنه في صيف العام الماضي قصد “البالة” مع ولديه واشترى ألبسة صيفية بمبلغ مقبول مقارنة بأسعار الألبسة الجديدة الخيالية، ولكنه في صيف هذا العام تفاجأ بأن أسعار “البالة” ارتفعت بشكل قياسي واكتفى بشراء نصف ما يحتاجه أولاده.

بينما عبّرت إحدى المواطنات عن استيائها من ارتفاع أسعار ألبسة البالة، حيث وصل سعر القطعة إلى ما يتجاوز راتب الموظف، فيتراوح سعر البنطال ما بين 75 إلى 100 ألف ليرة والقميص العادي يقدر بنحو 50 ألفا.

يبدو أن أسواق “البالة”، شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار كباقي السلع والمنتجات المعروضة في الأسواق، وأصبحت كسوة الأطفال عبئا يتحمله المواطن فوق أعبائه، وتحولت فكرة التسوق من متعة إلى حيرة في كيفية اقتناء الملابس بعد معرفة أسعارها الصادمة خاصة لذوي الدخل المحدود الذين يعتبرون بضائع “البالة” خيارا بديلا لهم يلجؤون له لغلاء الألبسة الجديدة.

“البالة” تتأثر بالدولار

في المقابل، لفت أحد أصاحب محل “البالة” إلى أن الألبسة المستعملة كانت سابقا للفقراء ومحدودي الدخل فقط، أما اليوم ومع الظروف الاقتصادية الحالية فيرتاد السوق زبائن من مختلف المستويات الاجتماعية، ومنهم أصحاب الطبقة المخملية الذين يبحثون عن نوعية محددة من البضائع الأوروبية، وهي تكون تصفيات معامل وبضاعة انتهى موسمها ولكنها جديدة.

من جانب آخر، أرجع أصحاب محلات “البالة” سبب ارتفاع أسعار الألبسة داخل السوق إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، خاصة وأن البضائع الموجودة معظمها مهرّبة، لذلك فإن الأسعار لم تعد ثابتة كما كانت قبل سنوات، بل معرّضة اليوم للارتفاع تبعا لأسعار الصرف.

كما وأكد تجار “البالة” أنهم يشترون الملابس بالعملة الأجنبية، ويدفعون مبالغ كبيرة حتى يستلمون بضائعهم، مضيفين أن معظم البضائع تصل بطرق التهريب من خارج سوريا، ويضطرون لدفع نفقات وصولها لهم، وهذا يجبرهم على رفع أسعار الثياب المرتبطة أساسا بالدولار.

كذلك فإنهم يتسلّمون شحنات كبيرة من الأكياس الضخمة المغلفة، التي يجهلون محتواها ويشترونها بالوزن وقد يحالفهم الحظ وتكون البضاعة مصنفة “سوبر كريم” أو “كريم” أو “نخب ثان ونخب ثالث”، مشيرين إلى أن كثيرا من الأكياس يُكتب عليها “سوبر كريم” وعندما يتم فتحها يتفاجؤون أنها نخب ثان ويوجد بداخلها بعض القطع الجيدة فقط.

مدير جمعية حماية المستهلك عبد العزيز المعقالي، بيّن في تصريحات صحفية سابقة أن ارتفاع الأسعار شمل كل شيء تقريبا، فالأسعار ارتفعت بنسب كبيرة وبسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن والوضع الاقتصادي المتردي، يلجأ كثيرون إلى شراء ألبسة “البالة”، مضيفا أنه لا توجد تسعيرة موحدة لهذه الأسواق.

على الرغم من أن “البالة” ممنوعة وتعتبر بضائعها مهرّبة، ولكن لها زبائنها وعالمها القائم بذاته بدءا من جماعات التهريب إلى الموزعين إلى أصحاب المحلات والبسطات، وصولا لشريحة المواطنين الذين اعتادوا عليها لستر أنفسهم، في معادلة معقدة ليس لها حل.

أسواق “البالة”-“إنترنت”

بحسب بعض المواطنين، فإن سبب تفضيلهم ملابس “البالة” على المنتجات المحلية السورية، أنها ذات نوعية جيدة ويمكن لبسها لعدة سنوات، لكن أسعارها هذا العام فاقت قدرة معظمهم على شرائها.

الملابس “ترفا”

مؤخرا بات السوريون يعانون من وضع غريب فيما يتعلق بشراء الملابس، فبعد ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، أصبحت الملابس رفاهية للكثيرين، ونتيجة لذلك أصبح السؤال المطروح بين العامة هل يحظى السوريون برفاهية الملابس أم أنها مقتصرة على أبناء الذوات.

الأسواق السورية ومنذ شهر رمضان الفائت تعاني من ضعف في حالة الإقبال على شراء الملابس، ويشتكي الكثيرون من ارتفاع أسعارها وانخفاض جودتها، وفي ظل ارتفاع الأسعار السائد في الأسواق، بات من الصعب على الأُسر تأمين احتياجاتها الأساسية، ومن ضمنها الملابس.

أسواق بيع الملابس في مدينة دمشق ومنها أسواق الشعلان والصالحية والحمراء والحميدية، لا يمكن لزوارها إلا ملاحظة الضعف في حالة الإقبال على شراء الملابس واقتصاره على التجار وأصحاب الشركات وميسوري الحال، على حد قول أصحاب المحلات.

بحسب ما نقله موقع “غلوبال” المحلي، عن تجار الملابس مؤخرا، فإن معظم الألبسة كسدت ولا يمكن تصريفها لا في الموسم ولا بالتنزيلات، مضيفين أن هذه الحالة لم تشهدها الأسواق منذ أكثر من عشر سنوات، حيث ضعفت الحركة في السوق كهذا العام، وخاصة في موسم التنزيلات.

منذ حلول شهر رمضان الفائت، زاد الارتفاع اليومي للأسعار في معظم المحافظات السورية، في ظل عدم قدرة كثير من العائلات على تأمين احتياجاتها، إضافة إلى قلة فرص العمل، وضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية المتدهورة أمام الدولار.

في حديثه السابق للموقع كشف عضو مكتب غرفة صناعة دمشق وريفها محمد دعدوش، أن شراء الألبسة أصبح نوعا من الرفاهية لدى المواطن بسبب ضعف القدرة الشرائية وانشغاله بتأمين مستلزماته وحاجاته اليومية.

شراء بنطال وقميص وحذاء في الوقت الحالي بسوريا يحتاج راتب شهرين كحد أدنى، فيما يرى دعدوش بأن الارتفاع الذي طرأ على أسعار الألبسة ولاسيما في الفترة الأخيرة ناجم عن ارتفاع سعر الصرف إلى الضعف عن العام الماضي، إضافة لارتفاع أسعار المواد الأولية من أقمشة وخيوط وإكسسوارات كونها مواد مستوردة.

كما أرجع دعدوش السبب الرئيسي لارتفاع أسعار الألبسة إلى ارتفاع أسعار الطاقة من بنزين ومازوت وكهرباء وفيول عن العام الماضي إلى الضعف، بالإضافة لارتفاع الضرائب المالية، وهذا كله سينعكس على ثمن القطعة مضافا إليه ارتفاع أجور العمال بسبب التضخم، لافتا إلى أن الإقبال على شراء الألبسة انخفض بشكل كبير.

يبدو أن الحصول على قطعة ملابس جديدة بات حلما، فالموظف ورغم مزاولته عملا إضافيا لا يستطيع تأمين جزء بسيط من المستلزمات الأساسية للمنزل، فكيف سيلبي طلبات أبنائه بشراء ألبسة في ظل الارتفاع الكبير في أسعارها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات