مسار طويل ستخوضه أعمال لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، ولا حدود زمنية منظورة يمكن الإشارة إليها تدل على تطورات إيجابية لفاعلية هذه الجهود دون محددات واضحة تؤشر على مضي هذا المسار بطريق سليم ومن خلال أدوات عملية.
الجولة الأولى من مسار مباحثات هذه اللجنة تم منذ أيام قليلة في العاصمة المصرية القاهرة بعد إقرارها منذ 3 أشهر انطلاقا من المبادرة الأردنية المتعلقة بإيجاد حل مناسب للملف السوري وعلى منهج الخطوة مقابل خطوة.
المنهج آنف الذكر أوضحت دمشق موقفها منه مسبقا حينما قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بأن حكومته قدمت الكثير من الخطوات من دون أي خطوة مقابلة، فهل هذا صحيح، وما هي الخطوات المنتظرة من قبل دمشق وتسعى لتحقيقها من خلال مسار لجنة الاتصال الوزارية العربية.
إن المسعى العربي والإعلان مؤخرا عن إمكانية نقل أعمال اللجنة الدستورية السورية من جنيف إلى مسقط هو بالأساس رغبة قديمة مشتركة بين دمشق وموسكو منذ حزيران العام الماضي بشكل رسمي؛ حيث ادعت الأخيرة بأن جنيف فقدت حياديتها بعدما أصدرت عقوبات بحقها على إثر تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا.
إذاً فإن هذه الخطوة العربية تضاف إلى قائمة خطواتها المسجلة في خانة التزامات دمشق، ولعل أبرزها كانت تكمن في عودة دمشق للجامعة العربية وحضور الأسد للقمة العربية الأخيرة، فما الذي تملكه دمشق لتقدمه من خطوات مقابلة، ومن يتحكم بمحددات تسريع مسار اللجنة الوزارية العربية.
ساومت دمشق منذ سنوات عدة بعد إنشاء اللجنة الدستورية على ملفات عديدة مقابل المضي بملف اللجنة الدستورية الذي لم يتحرك كما كان أن يجب له، بالمقابل فإن ذهاب دمشق الآن لمسقط من أجل مشاركة فعالة في اللجنة، لن يكون من أجل المضي قدما في هذا المسار، رغم أنه واجب قديم جديد لا بد أن يعبر عن التزامها الحقيقي بالعملية السياسية، إلا أنها لن تلتزم الآن بما سبق إلا لغاية الادعاء بتقديمها خطوة مقابل خطوات العرب، إلا أن هذا الإجراء لا يعني خطوة حقيقية وكاملة تنم عن التزام دمشق في هذه الآلية، فالمحيط العربي المنخرط مع دمشق لا ينتظر منها خطوات شكلية كان يفترض الالتزام بها منذ مدة طويلة.
طلبات عدة أرسلتها لجنة الاتصال العربية إلى دمشق تتمحور حول المسار الإنساني وتبين رغبة العرب باستكشاف نوايا دمشق ودفعها لتذليل عقبات العملية السياسية من خلال التزامات الملف الإنساني، وفق ما أفادت به مصادر خاصة لـ”الحل نت”.
اللجنة الوزارية العربية لا تنتظر فقط التزام دمشق بالتجاوب مع مسار اللجنة الدستورية في مقرها الجديد والذي لا بد أن ينعقد أول اجتماعاتها هناك قبل نهاية العام الحالي، بل تسعى اللجنة لاختبار إمكانية وجدية دمشق إزاء الخطوات العملية ما دون السياسية لا سيما في البداية فيما يتعلق باستمرار المساعدات وعدم إغلاق المعابر أو المساومة بورقتها، بموازاة تمديد السماح باستخدام هذه المعابر لفترات متلاحقة. هذا الملف هو الأقل حساسية وكذلك الأقل تأثيرا في الحكم على جدية دمشق، لذا سيتبعه استكشاف محددات فتح ملف عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم التي خرجوا منها، مع مراعاة العودة الطوعية والآمنة وفق ترتيبات تتفق عليها الأطراف المعنية مع الأمم المتحدة.
هذا الملف هو الأكثر حساسية في عملية التقارب مع دمشق ومعالجته تتطلب الكثير من الجهد والوقت، وقد يؤدي لاحقا إلى تعطيل مسار اللجنة الوزارية العربية، فما يتصل به تشابكات غاية في التعقيد وتتحكم به عديد المسارات.
تعتبر تركيا أكثر الدول المتداخلة في ملف اللاجئين، فالمسألة لا تتعلق فقط بعدد اللاجئين على أراضيها وسياسة التعامل معهم أو حملات الدعوة لترحيلهم بين الحين والآخر، وإنما يتعلق الأمر بعدة عوامل تستبعد أي استقرار لعودة اللاجئين، فالتنظيم الإرهابي العامل في شمال غرب سوريا وهو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) مسألة التعامل معه وإنهاءه أمر بالغ التعقيد وتسيطر على بعض ثناياه تركيا، فضلا عن وجود التهديدات المستمرة من قبل أنقرة تجاه أراضي شمال شرق سوريا بحجة حماية الأمن القومي التركي، وهنا يتجلى أبرز التساؤلات حول إمكانية وجود استقرار على الأرض السورية يهيئ لعملية عودة حقيقية ومتكاملة في ظل تهديدات عملة عسكرية مفاجئة تركية في الشمال الشرقي وكذلك وجود قنبلة موقوتة تتمثل بالعنصر الإرهابي في الشمال الغربي.
فضلا عن ذلك يصطدم عمل اللجنة الوزارية حيال مسألة عودة اللاجئين بادعاءات دمشق حول عدم وجود البيئة التحتية اللازمة لاستقبال اللاجئين، وهذا يتطلب بالضرورة فتح بوابة إعادة الإعمار، وهو أمر مرفوض دوليا طالما لم تكن هناك تحركات جادة وحقيقية لدمشق تجاه العملية السياسية.
ثنايا أخرى يمكن سبرها لاحقا تتعلق بعامل الدور التركي في أعمال مسار لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، إلا أن ما يجب التركيز عليه هو مسألة التنسيق العربي التركي حيال دور أنقرة في الملف السوري وعلى مستويين، أولهما ضبط الطموحات التركية في الملف السوري والمتمثلة بالمنطقتين المذكورتين آنفا، وكذلك في احتمالية التقارب السياسي بين أنقرة ودمشق وما ينطوي عليه من تبعات سياسية واقتصادية تدفع حكومة دمشق لتقديم من مزيد من الخطوات الجادة نحو الوصول للمسار السياسي بعد تجاوز عقبات المسار الإنساني.
معضلة أخرى أيضا تتعلق بمحددات عمل اللجنة الوزارية والمتمثلة بعلاقة دمشق مع طهران وما تنطوي عليه من حساسيات وإشكالات تخلقها لدى الدول العربية الفاعلة حاليا في الملف السوري، فضلا عن الإزعاج الذي تسببه هذه العلاقة لرؤية واشنطن إزاء المآلات التي يمكن أن تصل إليها أعمال اللجنة الوزارية، وهنا يمكن أن يكون للدور السعودي حضور حاسم في إمكانية حلحلة هذه الإشكالية من عدمها.
أخيرا فإن كل ما تنتظره الدول العربية الفاعلة في الملف السوري حاليا من دمشق، يصب في خانة الرضا الأميركي إزاء جدية دمشق تجاه العملية السياسية والانخراط فيها بشكل فاعل ومستمر، وبدون ذلك يمكن لواشنطن أن تعتبر بأن هذا المسار العربي أخذ فرصته الكاملة من دون أي نتائج أو جدية ملموسة من قبل دمشق، وبالتالي فشل هذا المسار والعودة إلى المربع الأول في الملف السوري.
* “أبعاد” هي زاوية صحفية أسبوعية/دورية؛ تحليلية سياسية، يكتبها مالك الحافظ، رئيس تحرير “الحل نت”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

“قتل وحرق ودمار”.. شهادات جديدة توثق مجازر الساحل السوري

انتشار سيارات “الدعوة” في شوارع دمشق يثير الجدل والتوترات

“لبحث تنفيذ الاتفاق”.. قائد “قسد” يجتمع مع لجنة من الإدارة السورية

الهجري: إدارة دمشق لون واحد ولن نكرر ما ذقناه بالسابق

“تهدئة على الحدود”.. اتفاق سوري لبناني لوقف إطلاق النار

توترات بين دمشق و”حزب الله”.. تفاصيل ما حدث على الحدود السورية اللبنانية

تغييب بنود عن الدستور الجديد وتمييع حقوق السوريين تثير انتقادات واحتجاجات
