كثر خلال الفترة الماضية الحديث عن تحركات أميركية سواء عسكرية على الحدود السورية، أو سياسية حول الملف ذاتها، إلا أن تلك التقارير لا تعدو عن كونها تخمينات وإدعاءات مبنية على تحرك اعتيادي في برامج السياسة الخارجية لواشنطن. 

لقد سعت واشنطن خلال الفترة القريبة الماضية لإعادة تقييم اعتيادي للأوضاع في سوريا، ومهما كانت درجة أهمية هكذا حدث، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون ذي صلة بملف التطبيع العربي مع دمشق ومدى موافقة واشنطن على الاستمرار فيه أو الإبقاء عليه من عدمها. 

لا جديد يبنى على احتمالات التطبيع العربي مع دمشق، الأخيرة أمامها التزامات عدة لم تعلن جدية الانصياع لها. فضلا عن ذلك فإن محددات النظرة الأميركية للملف السوري والتعامل معه تتعلق بعدة عوامل لا يمكن إغفال أي منها. 

مؤخرا واشنطن كانت واضحة حيال ملف التطبيع العربي مشيرة إلى أنها أكدت للشركاء الإقليميين الذين يتحدثون إلى دمشق بأن الهدف من الحوار يجب أن يكون تحسين الأوضاع الإنسانية وحماية حقوق الإنسان وأمن السوريين.

وذلك في الوقت الذي تؤكد فيه أيضا واشنطن على أنها لن تطبّع مع دمشق في غياب تقدّم باتجاه الحل السياسي للنزاع الحالي.

بداية فإن التعثر الذي يبدو جليا على مسار التطبيع العربي مع دمشق يتشابه في عدة تفاصيل مع التعثر والفشل الذي أحاط بمشروع خط الغاز العربي الذي كان مخططا له المرور بسوريا. تشابهت أسباب الفشل المتمثلة بعدم جدية السلطة الحاكمة في سوريا أن تحذو طريق الانتقال السياسي، وذلك ما لا تتوافق معه واشنطن ولن تقبل استمرار مراوغات دمشق من دون أي تطورات انتقالية حقيقية. 

بالمقابل فإن واشنطن لا تنظر للملف السوري من 

بوابة فرص التطبيع العربي مع دمشق ومآلاته، فرغم منحها الضوء الأخضر للمبادرة الأردنية في الملف السوري، غير أنها تقيم جدية دمشق بالتوازي مع الوضع الجيواستراتيجي هناك وميزان القوى وتأثره بالأحداث الإقليمية والدولية. 

لا يمكن التفكير بالانسحاب الأميركي من سوريا – أقله عسكريا- طالما أن منطقة شمال شرقي سوريا مهددة بأي عمل عسكري تحت ستار الأمن القومي، وكذلك الحال استعصاء حل ملف الجهاديين والقوى الإرهابية المتبقية شمال غرب سوريا. 

بالتوازي مع ذلك على أي أساس يمكن أن تتصالح واشنطن مع فكرة تقارب إقليمي أو دولي من ضمنه واشنطن تجاه دمشق، ماذا عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المسجلة، كيف ستتخطاها أي إدارة أميركية ما لم تكن هناك عوامل إيجابية على تغييرات حقيقية في دمشق. فأي تغيير في النظرة الأميركية تستلزم بوادر سياسية داخليا وخارجيا من قبل واشنطن تؤشر على إمكانية أي تغيير ولو أن هذا مستبعد الحدوث ولا تتجاوز نسبته 2 بالمئة. داخليا فالحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة على دراية ووعي كاملين بماهية أفعال وأقوال السلطة الحاكمة في دمشق. 

وأما على الصعيد الخارجي فأزمة الغزو الروسي لأوكرانيا والغطرسة الروسية التي باتت تتكشف خيوط ضعفها أكثر فأكثر، لها حضورها الأكبر لدى واشنطن، تماما كما هو أثر المناكفة الصينية اقتصاديا للولايات المتحدة. انقياد الأسد للروس والصينيين يزيد من عراقي دمشق في طريق التسوية السياسية، إن لم نقل أنه يقضي على أية آمال للأسد في ذلك. 

أما إقليميا فعلى صعيد دول المنطقة تواجه هي الأخرى خطورة تأثير سوريا كمحطة لتصنيع المخدرات والإتجار بها برعاية إيرانية، وطهران هي الأخرى لا تكتفي بهذا الملف لتزعج دول الإقليم، وهي ملفات أيضا تزعج واشنطن وتراهن من خلالها على ضعف سلطة دمشق وتهالكها وتبعيتها لدول تمثل حلف معاد لها. 

“أبعاد” هي زاوية صحفية أسبوعية/دورية؛ تحليلية سياسية، يكتبها مالك الحافظ، رئيس تحرير “الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات