على الرغم من عدم استجابة الحكومة السورية في دمشق للمبادرة العربية بشأن الوضع السوري المأزوم، ما تزال الجهود الأممية والعربية مستمرة لإحداث خرقٍ في الأزمة السورية، وبينما تؤكد الدول العربية على أن الحل السياسي في سوريا يجب أن يتم وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، التقى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، في دمشق يوم أمس الأحد، وزير الخارجية السوري فيصل المقداد والرئيس المشترك للجنة مناقشة تعديل الدستور أحمد الكزبري وسفراء روسيا وإيران.

من المقرر أن يلتقي بيدرسن، في إطار مساعيه لدفع العملية السياسية السورية، مع وزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الوضع السوري. وبحسب مصادر صحفية، فإن بيدرسن يسعى إلى تحديد موعد لعقد جولة جديدة للجنة الدستورية، تكون التاسعة، وتضم ممثلين عن الحكومة بدمشق والمعارضة والمجتمع المدني، في رغبة بأن يكون الموعد قبل نهاية العام الحالي، استنادا إلى توافق المشاركين في لجنة الاتصال العربية على عقد اجتماع اللجنة الدستورية في سلطنة عُمان بتسهيل وتنسيق مع “الأمم المتحدة”.

من هنا تُطرح عدة تساؤلات حول فرص تحقيق بيدرسن الخطوات الأولى في طريق الحل السياسي السوري، فضلا عن أسباب اجتماع بيدرسن مع وزراء خارجية طهران وموسكو وأنقرة، وما إذا كانت هذه الدول الثلاث ستقف عائقا أمام مبادرة “خطوة مقابل خطوة”.

مساعي بيدرسن

عقب لقاء المبعوث الأممي بوزير الخارجية السوري وبحث مبادرة لجنة الاتصال العربية، ودورها في تنشيط اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، أفاد بيان رسمي سوري، بأن المقداد بحث مع بيدرسن والوفد المرافق له آخر التطورات المتعلقة بمهمته. وأشار البيان إلى أن بيدرسن قدّم عرضا حول نتائج الزيارات واللقاءات التي أجراها خلال الفترة الماضية، والجهود التي يقوم بها في إطار الولاية المنوطة به.

كعادتهم، لا يتوقف المسؤولون في حكومة دمشق عن إطلاق الادعاءات والحجج الواهية حول تعثر العملية السياسية السورية. وأوضح المقداد أبرز التحديات التي تواجه البلاد، والمتمثلة في “الآثار الكارثية التي خلفها الإرهاب، والإجراءات القسرية الأحادية الجانب اللاشرعية على الوضع الإنساني والاقتصادي في سوريا وعلى حياة السوريين، واستمرار الوجود الأميركي والتركي غير الشرعي على الأراضي السورية”، وفق ما جاء في البيان.

بيدرسن، أعلن يوم الأحد، أنه سيلتقي وزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا لبحث التطورات في الملف السوري. وجاءت هذه التصريحات بعد لقائه فيصل المقداد، وقال بيدرسن “سألتقي مع وزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا وآمل أن نتوصل إلى اتفاق لمساعدة الشعب السوري”.

بيدرسن، أردف “طلبت من الحكومة السورية أن تنخرط في تطبيق مبدأ الخطوة مقابل خطوة واللجنة الدستورية”. موضحا أنه يتابع هذه المواضيع ويجري محادثات بشأنها مع العرب والأصدقاء، وتابع “سألتقي الوزراء العرب في نيويورك”.

على الرغم من أن جميع لقاءات اللجنة الدستورية السابقة وعلى مدى سنتين لم تفضِ إلى شيء، فإن بيدرسن ما يزال مصرّا على استئناف لقاءات اللجنة الدستورية بعد التوافق على انتقال اللقاءات المقبِلة إلى مسقط العاصمة العُمانية، ويعتقد الكاتب والباحث السياسي السوري، حسن النيفي، أن ثمة سببين يكمنان وراء إصرار بيدرسن، أولهما حرصه الشخصي على استمرار دوره كميسّر من جانب “الأمم المتحدة”.

إلى جانب حرصه على استثمار هذا الامتياز إلى مداه الأخير وإيجاد مخرج للوضع السوري، وثانيهما “الاستجابة للإملاءات الروسية التي ترى أن مسار اللجنة الدستورية سبيلٌ إلى تحقيق وجهة نظرها في تمكين حكومة دمشق وإعادة تعويمها عربيا ومن ثم دوليا”، وفق ما يشير إليه الباحث السياسي السوري لموقع “الحل نت”.

قبل زيارته إلى دمشق بأيام، بحث بيدرسن مع وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، عبر الفيديو، تطورات الملف السوري. وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا” أن الجانبين أكدا ضرورة إيجاد حلّ للأزمة في سوريا عبر الحوار السياسي وحلّ القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين.

لانعقاد اجتماع اللجنة الدستورية

منتصف آب/أغسطس الفائت اجتمعت لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا في العاصمة المصرية القاهرة، وأكدت أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية. والإقرار بأن الاجتماع المقبِل سيكون في بغداد، إضافة إلى البيان الختامي الذي أشار إلى أن المشاركين في الاجتماع أبدوا تطلّعهم لاستئناف العمل في المسار الدستوري السوري، وعقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية في سلطنة عُمان، وبتيسير وتنسيق مع “الأمم المتحدة”، قبل نهاية العام الجاري.

خلال الفترة الماضية، أجرت “هيئة التفاوض” السورية اجتماعا مع بيدرسن، في مكتب الهيئة في جنيف، بغية التباحث في الوضع السوري، ولا سيما الاحتجاجات المستمرة في السويداء جنوب سوريا، ضد سياسات السلطة الحاكمة في دمشق.

حول رغبة بيدرسن عقد عدة لقاءات، يرى الباحث السياسي السوري أن بيدرسن حريص على لقاء وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، وهي الأطراف الراعية لـ”أستانا”، لحاجة المبعوث الأممي إلى دعم هذه الأطراف باتجاه الدفع لانعقاد الاجتماع القادم في مسقط العُمانية، وسواء كانت هذه الدول؛ موسكو وأنقرة وطهران معرقلة للمبادرة العربية “خطوة مقابل خطوة” أم لا، فإن حكومة دمشق هي العَقبة الأساسية و المعرقل الحقيقي لأي خطوة تذهب باتجاه الحلّ الأممي للقضية السورية.

العديد من الخبراء يرون أن التباحث وعقد اجتماع مع كافة الأطراف المنخرطة في الصراع السوري ضروري، حيث أنه يساعد على تقليص المسافات ويتم الاطلاع على كافة الرؤى ووجهات النظر، الأمر الذي ربما يؤدي في النهاية إلى التوصل لحلّ أوّلي في مسار الحل السياسي بين الحكومة في دمشق والمعارضة السورية، فكما يُقال عن وجود مشاورات ومباحثات حتى وإن كانت سيئة ولم تحقق نتائج مرجوة، أفضل بكثير من عدم وجودها. حيث أن حالة الجمود بين أطراف الأزمة قد تُزيد من تعقيد الوضع السوري أكثر فأكثر على مدار السنوات القادمة.

جمود في التقارب العربي!

الباحث السوري لا يعتقد بأن “الأطراف العربية التي أقدمت على التطبيع مع نظام بشار الأسد سيكون لها ردّة فعل أو موقف حاسم حيال تعنّته وعدم تفاعله مع مبادرتهم التي عرضوها عليه أثناء قمة جدة وأثناء مؤتمر عمّان الوزاري في أيار/مايو الماضي”.

احدى اجتماعات اللجنة الدستورية السورية-“إنترنت”

كما وأردف الكاتب السياسي حسن النيفي، أن سبب ذلك يعود إلى أن التقارب العربي مع دمشق لم يفتح في الأصل آفاق عديدة تجاه الدول العربية بسبب العقوبات الغربية والرفض الغربي لأي عملية تعويم تجاه دمشق في حال عدم تعديل سلوكها تجاه أي مسار في الملف السوري.

في ضوء ذلك من المرجح أن تبقى علاقات العواصم العربية مع دمشق على ما هي عليها لكن دون تقدم أو تطور في العلاقات، ولعل ما يرجّح ذلك استمرار تدفق تجارة “الكبتاغون” من الجانب السوري باتجاه الأردن والخليج العربي، طبقا لتحليل الباحث السوري.

رئيس البرلمان الأردني أحمد الصفدي، دعا قبل يومين إلى البناء على مخرجات اجتماعي عمّان وجدة فيما يتعلق بالأزمة السورية، مشيرا إلى أن رسائل سلبية ما تزال تصل من سوريا. وأضاف الصفدي خلال مباحثات برلمانية مع رئيس “مجلس الشورى السعودي” عبد الله آل الشيخ في عمّان، أن الأردن في آخر قمة عربية في جدة كان حريصا على الحضور بأعلى التمثيل فقد حضر القمة جلالة الملك وسمو ولي العهد، من أجل إنجاح أهداف القمة في إعادة التضامن العربي والبناء على مخرجات عمّان وجدة فيما يتعلق بالأزمة السورية، لكن ما تزال رسائل سلبية تصل من الحدود الشمالية. بحسب موقع “قناة المملكة الأردنية”.

في وقت سابق قال بيدرسن في تصريحات صحفية لجريدة “الشرق الأوسط”، إن سوريا تمر بلحظة فارقة وعلى دمشق استثمار نافذة الفرصة للتحرك نحو التسوية، مشيرا إلى أن جميع الدول تدعم مقاربة “خطوة مقابل خطوة” التي تتضمن اتخاذ جميع الأطراف لإجراءات متوازية ومتبادلة ويمكن التحقق منها، إزاء قضايا عدة، بينها المعتقلون والسجناء وعودة اللاجئين والعقوبات.

إلا أن مسار التقارب العربي مع دمشق فَقَد زخمه خلال الفترة الماضية، نظرا لأن الحكومة السورية لم تبدِ أي خطوات حقيقية تجاه المبادرة العربية، ولا سيما قضية تهريب “الكبتاغون” على الحدود أو اتخاذ أي إجراءات لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، أو حتى أي تعديل السلوك السياسي.

بالتالي فإن الحكومة السورية لن تقدّم أي خطوات جادة على الأقل في المستقبل القريب، تجاه مسار المبادرة العربية لوضع خارطة طريق للوضع السوري، وتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد، مؤخرا تؤكد ذلك، حيث قال في مقابلة تلفزيونية، إن “تجارة المخدرات كعبور هي موجودة لم تتوقف دائما هذه حقيقة، ولكن عندما يكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة”.

كما ناور الأسد في أكثر من مسار، حيث تنصّل من قضية عودة اللاجئين، واعتبر أن ما يعيق هذا الأمر هو سوء الأحوال المعيشية. بمعنى أنه لن يقدّم أي خطوات جادة في سياق هذا الأمر وليس لديه ما يقدمه في المسار، وكأن القرار ليس في يد دمشق وإنما في صالح بعض الأطراف الخارجية، مثل روسيا وإيران، التي تستفيد من إطالة أمد الأزمة السورية وبالتالي البقاء في الأراضي السوري واستنزاف مواردها واستباحة أراضيها لتيسير تجارتهم غير الشرعية، إضافة إلى جعل سوريا ورقة ضغط وتفاوض في الممرات الدولية.

من الواضح أن دمشق مقيًّدة بقرارات حلفائها؛ إيران وروسيا، حيث إن تنفيذ بنود المبادرة العربية سيحدّ من التدخلات الخارجية، كما سيقلّص من الدور الإيراني ووقف تجارة ميليشياتها لـ“الكبتاغون”، إضافة إلى تعنت دمشق بعقليتها البعثية وعدم إبداء أي بادرة حُسن نيّة في التعامل الجاد مع الدول العربية من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل للبلاد.

لذلك، فإن لقاء بيدرسن مع خارجية روسيا وإيران وتركيا قد يعني تقارب وجهات النظر لإيجاد مخرج للأزمة السورية، لكن ذلك صعب نظرا لتضارب المصالح بين هذه الدول الثلاث ذاتها مع شروط “خطوة مقابل خطوة”، ولذلك سيبقى الملف السوري دون حلّ إلى أجل غير مسمى، الأمر الذي سيترك دمشق في حالة خلاف مع أطراف إقليمية ودولية بطبيعة الحال، وهو ما سيخلّف عواقب سلبية على الشعب السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات