لا يزال استمرار عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية باتجاه المملكة الأردنية الهاشمية يسير في اتجاه تصاعدي، والذي قوبل بصد أردني قوي في سبيل محاربة هذه التجارة وتقويضها قدر الإمكان، وما تم ضبطه مؤخرا يكشف عن تطوّر جديد خطير، حيث أسقط الجيش الأردني عدة طائرات مسيّرة بعضها يحمل متفجرات خلال الأيام القليلة الماضية. وكذلك إحباط محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية باتجاه الأردن.

بالتزامن مع هذه التطورات الخطيرة في موضوع تهريب المخدرات أو حبوب “الكبتاغون” من سوريا نحو الدول المجاورة وكذلك بعض الدول الغربية، تحدثت تقارير صحفية أميركية عن احتمال مشاركة الولايات المتحدة في حرب الأردن على المخدرات، لكن تحت مظلة التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات، خاصة مع الحرب الشرسة التي يقودها الجيش الأردني ضد عمليات التهريب هذه، ورُصد أكثر من 160 شبكة في سوريا تعمل على تهريب المخدرات إلى دول الجوار.

خلال الشهر الماضي، حاول أعضاء في “مجلس النواب الأميركي” (الكونغرس) تمرير مشروع قانون جديد “كبتاغون 2″، بغية قمع الاتجار غير المشروع بهذا المخدر في المنطقة والتي مصدرها الأساسي، سوريا. ويبدو أنه بات من الضروري أن تكون أميركا مستعدة للعب دور “الشرطي السيئ” لإجبار سوريا على وقف تدفق المخدرات المسببة للإدمان.

قانون “الكبتاغون”، الذي تم تمريره العام الماضي ودخل حيز التنفيذ منتصف حزيران/يونيو الماضي، ينصّ على أن تقوم وزارة الخارجية الأميركية و”البنتاغون” والوكالات الفيدرالية الأخرى بوضع استراتيجية ضد شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها والمرتبطة بسلطة الرئيس السوري بشار الأسد.

من هذا المنطلق تبرز عدة تساؤلات حول فُرص الدعم الأميركي للأردن من أجل مكافحة تهريب المخدرات على الحدود مع سوريا وكيفية تقويض هذه التجارة غير المشروعة وتذليل خطرها على الأردن والمنطقة بشكل عام، فضلا عن شكل وحجم الدعم المتوقع من واشنطن للمملكة الهاشمية.

تطور خطير بتهريب المخدرات لـ”الأردن”

الجيش الأردني أعلن أنه أسقط، يوم الأربعاء الماضي، طائرة مسيّرة كانت تحاول تهريب متفجرات من نوع “تي إن تي” من سوريا إلى المملكة، ونقل البيان عن مصدر عسكري مسؤول قوله، إن “قوات حرس الحدود وبتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية العسكرية، رصدت محاولة اجتياز طائرة مسيّرة بدون طيار الحدود بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية، وأنه تم إسقاطها داخل الأراضي الأردنية”، وفق ما نقلته “قناة العربية“.

الأردن يحبط تهريب شحنة مخدرات ضخمة قادمة من سوريا- “إنترنت”

يوم السبت الفائت، صرّح مصدر عسكري للجيش الأردني، أن قوات حرس الحدود وبالتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية العسكرية، رصدت من خلال المراقبات الأمامية محاولة مجموعة من المهرّبين اجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، وتم تحريك دوريات ردّ الفعل السريع وتطبيق قواعد الاشتباك بالرماية المباشرة عليهم، مما أدى إلى إصابة عدد منهم وفرار الآخرين إلى داخل العمق السوري.

عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية السورية تهدف إلى ضرب الأمن وزعزعة الاستقرار في المنطقة عموما، وفق العديد من المراقبين، الذين يرون أن تهريب المخدرات هي حرب خفية تقوم بها ميليشيات إيرانية بالتعاون مع الحكومة السورية.

المصدر ذاته بيّن أنه بعد تكثيف عمليات البحث والتفتيش للمنطقة تم العثور على 63 ألف حبة “كبتاغون”، و588 كف حشيش، وتم تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة.

استراتيجية جديدة

بموازاة ذلك، قال موقع “ذا هيل” الأميركي، إن الاجتماع الأمني الذي جرى نهاية تموز/يوليو الماضي بين مسؤولين أردنيين وسوريين جاء متأخرا للغاية في ضوء إنتاج المخدرات المستمر وتهريب “الكبتاغون” من سوريا، موضحا أن حكومة دمشق لم تفِ بتعهداتها للدول العربية وفق مبادرة “خطوة مقابل خطوة”.

طبقا للإعلام الأميركي حسبما نقله موقع “إندبندنت عربية”، فإن الاجتماع الأمني هو الأرفع والأهم منذ أعوام، وضم قائد الجيش الأردني ووزير الدفاع السوري، إضافة إلى رؤساء الاستخبارات في البلدين، لكنه خرج بنتيجة مفادها بأن دمشق لم تفعل ما يكفي لتحقيق محاربة المخدرات.

حتى اللحظة يقتصر دور الولايات المتحدة في حربها ضد تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن على فرض وزارة الخزانة عقوبات على عدد من الشخصيات السورية المتورطة.

وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن، العام الماضي موازنة الدفاع الأميركية، متضمنة قانون مكافحة المخدرات التي تديرها دمشق، فضلا عن اتفاق مشترك وقّع في 2022 لمكافحة المخدرات بين واشنطن وعمّان.

في سياق مدى احتمالية نشر الجيش الأميركي قواعد له في جنوب سوريا لتدخل محتمل في الحرب ضد المخدرات التي تجري هناك بين الحين والآخر، يرى الأكاديمي السياسي الأردني والخبير في الشؤون الاستراتيجية عامر السبايلة، أن استمرار عمليات تهريب المخدرات على الحدود الأردنية السورية تزامنا مع موافقة “الكونغرس” قبل نحو ثلاثة أشهر على قانون “كبتاغون” للحد من هذه التجارة الخطيرة، تعني أن استراتيجية أو عملية استهداف المخدرات من قبل الأردن والدول المعنية بذلك مثل واشنطن ستأخذ بُعدا آخر، بمعنى أن الولايات المتحدة شريك اليوم في هذه المواجهة بعد إقرار هذا القانون.

بينما يعتمد شكل وحجم ومسار الشراكة المحتملة هذه على حجم التحدي في عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن خلال الفترة المقبلة، وحجم التحدي واضحٌ أن استمرار هذه العمليات لا يتوقف، وبالتالي تحتاج المملكة دعم شركائها وحلفائها وعلى رأسهم واشنطن، على المستوى الفني، و الاستخباراتي، وأيضا على المستوى العملياتي، وفق ما يحلّله الخبير في الشؤون الاستراتيجية لموقع “الحل نت”.

دعما أميركيا قريبا!

في سياق متّصل، لم تتوقف أي من عمليات تهريب المخدرات على الحدود الأردنية السورية، بل وتأخذ منحىً تصاعديا، حيث إن الإعلان عن العديد من المضبوطات في الأردن مؤخرا وحتى في بعض الدول العربية الأخرى، يؤكد أن هذه العمليات مستمرة من الجانب السوري وليس هناك أي معطيات بتوقفها.

استمرار تجارة المخدرات على الحدود السورية الأردنية-“إنترنت”

بالعودة إلى الأكاديمي السياسي الأردني، فإنه يمكن أن تتشكل فرصة تعاون أميركي أردني لمكافحة تجارة المخدرات على الحدود الأردنية السورية، خاصة وأن الولايات المتحدة متواجدة في هذه المنطقة، أي في قاعدة “التنف” جنوب سوريا وقد أصدرت قانون الـ “كبتاغون” بهدف وقف هذه العمليات ووقف الاستفادة المالية منها للميليشيات الإيرانية والأفراد الأخرى التابعة للحكومة السورية.

بالتالي يعتقد السبايلة أنه من الممكن جدا خلال الفترة المقبلة أن تتطلع واشنطن إلى هذه القضية جيدا، وبالتالي يمكن أن تأخذ بُعدا آخر، خاصة وأنه ما زلنا حتى الآن نشهد وتيرة عالية لموضوع تهريب المخدرات، وهذا يعني أن الأردن سيضطر إلى اتخاذ إجراءات مهما كان شكلها وحجمها خلال الفترة المقبلة للحد من هذه التجارة والتي لها أبعاد أمنية وسياسية خطيرة على المنطقة بشكل عام، لكن المؤكد أن الولايات المتحدة ستكون الشريك الأساسي في هذا الصدد، خاصة بعد إقرار قانون الـ “كبتاغون”.

العديد من المحللين الغربيين يرون أن محاربة تجارة المخدرات، تشكّل عاملا أساسيا مضافا إلى عدة عوامل ترتكز عليها إدارة بايدن، لإبعاد الميليشيات الإيرانية والحكومة السورية عن أي استفادة مادية منها. وإذا ما حصل دعم أميركي لعمّان من أجل كبح تهريب المخدرات على الحدود الأردنية السورية، فقد يكون ذلك امتدادا لاتفاقية الدفاع المشترك بين واشنطن وعمّان الموقّعة عام 2021، والتي تنص على تواجد القوات الأميركية على الأراضي الأردنية بهدف مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة وتعزيز استقرارها.

كما ويُعتبر قانون الـ”كبتاغون” المرتبط بحكومة دمشق خطرا أمنيا عابرا للحدود، ويلزم الإدارة الأميركية بتطوير وتنفيذ استراتيجية تقوم على التعاون بين وكالاتها لمنع إنتاج المخدرات وشبكات التهريب المرتبطة بدمشق وللحد من قدرها وتفكيكها.

كما ويخصص قانون “الكبتاغون” 400 مليون دولار أميركي لتعزيز سلطات الجمارك أو حراسة الحدود في الدول العربية التالية، الأردن، لبنان، مصر، وتونس، والتي تُعتبر دولا متأثرة بصادرات “الكبتاغون” من سوريا كممرٍ أو مستقر. ويوجه القانون الجهات المعنية إلى وضع التقرير المطلوب بصورة مفتوحة، على أن يتضمن ملاحقة سرية إن لزم الأمر. وينص القانون على أن اللجان المعنية بمتابعة تنفيذ القانون هي اللجان العسكرية والقانونية والخارجية والمالية والموازنة والاستخبارية في كل من مجلس “النواب والشيوخ” الأميركي.

هذا وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، قد طلب من وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، مساعدة بلاده في حربها على المخدرات التي تخوضها على طول الحدود البرية مع سوريا خلال زيارة أوستن الأخيرة إلى عمان في آذار/مارس الماضي لتفقّد القوات الأميركية.

العاهل الأردني خلال زيارة أوستن إلى عمّان، حمّل الميليشيات المدعومة من إيران المسؤولية عن تهريب المخدرات على الحدود. كما وتطالب عمّان واشنطن بمزيد من المساعدات العسكرية بهدف تعزيز أمن حدودها مع سوريا، على رغم تقديم الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة السورية في 2011 نحو مليار دولار لإنشاء مراكز حدودية بين البلدين.

عضو “الكونغرس” الأميركي، فرينش هيل، خصّ دولة الأردن كواحدة من أهم الجهات الفاعلة الإقليمية التي تعمل معها أميركا، من أجل مكافحة ملف “الكبتاغون” بسوريا، كما تحدث وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في الاجتماع عبر الإنترنت أن “الأردن في طليعة هذه الحرب الجديدة ضد المخدرات الاصطناعية”. وأن التحالف الذي أطلقته الولايات المتحدة هو “خطوة مهمة للتصدي للعقاقير الاصطناعية.. بالنظر إلى البُعد العالمي لهذا التهديد والموارد الهائلة وراءه، نحتاج إلى مواجهته معا”، الأمر الذي يعزز فرضيات تعاون أميركي أردني قريب في سبيل الحدّ من تجارة المخدرات على الحدود الأردنية السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات