لا تزال جهود الدول العربية مستمرة في البحث والتشاور لحل الملف السوري، على الرغم من أن الحكومة السورية في دمشق لم تظهر حتى الآن أي خطوات ملموسة نحو تنفيذ المبادرة العربية “خطوة مقابل خطوة” لتطوير العلاقات معها، بغية التوصل لحل سياسي للوضع السوري المأزوم لأكثر من عقد.

مع ذلك، ترى الدول العربية أن عقد اجتماعات عدة والاستماع إلى وجهات النظر قد يهيئ لخطوة أولية جادة على طريق الحل السياسي الشامل في سوريا، ولهذا السبب يُلاحظ من حين إلى آخر إما وزيرٌ عربي يزور دمشق أو يتم عقد اجتماعٍ ما لتقريب المسافات وفهم المقاربات التي تُطرح من كل طرف، واجتماع لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا في القاهرة قبل يومين تأكيدٌ لهذه الجهود التي توصلت إلى اتفاق على منهجية للعمل مع دمشق وفق قاعدة “خطوة مقابل خطوة” وبما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم /2254/.

بالإضافة إلى التأكيد على أن الحل السياسي هو الوحيد للأزمة السورية. والإقرار بأن الاجتماع المقبل سيكون في بغداد، يدلل بأن لجنة الاتصال العربية قد حددت أمامها سلسلة اجتماعات من أجل الوصول إلى مقاربة ما قد تكون بداية الحل السياسي في سوريا. لكن اللافت في هذا الاجتماع هو البيان الختامي الذي أعرب المشاركون فيه عن التطلع لاستئناف العمل في المسار الدستوري السوري، وعقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية في سلطنة عُمان بتسهيل وتنسيق مع “الأمم المتحدة”، قبل نهاية العام الجاري.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول النتائج المتوقعة بعد هذا الاجتماع التشاوري في القاهرة بشأن الملف السوري، وما إذا كان يمكن أن يخطو خطوة في مسار الحل السياسي مع الحكومة في دمشق، خاصة وأن الاجتماع المقبل سيُعقد في العراق، بالتزامن مع اجتماع اللجنة الدستورية السورية في مسقط تحت مظلة “الأمم المتحدة”.

ضرورة مواصلة الحوار

نحو ذلك، وافقت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا مساء يوم الثلاثاء الماضية، على منهجية عمل مع الحكومة السورية في اجتماعها الأول التنسيقي الذي عُقد في القاهرة بحسب بيان رسمي، بعد مرور أكثر من 3 أشهر من انعقاد اجتماع عمّان التشاوري، الذي أسّس لخطة أولية عربية لحل الأزمة السورية وفق قاعدة “خطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع القرار الدولي /2254/.

أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية عبر تدوينة على موقع “تويتر”

هذا الاجتماع الذي عُقد في العاصمة المصرية القاهرة للجنة الاتصال العربية، جاء بدعوة من وزير الخارجية المصري سامح شكري، مع وزير الخارجية وشؤون المغتربين السوري فيصل مقداد. وشارك في الاجتماع وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية والعراق ولبنان، إضافة إلى أمين عام “جامعة الدول العربية”، مع وزير الخارجية السوري.

الاجتماع بحث أطر مسارات الحل الإنساني والأمني والسياسي. كما توافق المشاركون على أهمية استكمال هذا المسار بجدّية باعتباره أحد المحاور الرئيسية على طريق إنهاء الأزمة وتحقيق التسوية السياسية والمصالحة الوطنية. أما اللقاءات التي عُقدت على هامش هذا الاجتماع، فقد أظهرت عن أهميتها أكثر من أعمال اللجنة نفسها التي كرّر بيانها الختامي ما جاء في أجندتها بصيغة مختلفة.

في هذا الصدد، رأى الباحث المصري في العلاقات الدولية، الدكتور إسماعيل تركي، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن اجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا خطوة في الاتجاه الصحيح ودفعة قوية لمحاولة إعادة سوريا لمحيطها العربي. أي الانفكاك عن ارتباطها بأجندات الدول الأخرى، مثل إيران وروسيا.

الهدف الأول من اجتماع اللجنة بحسب تقدير الباحث المصري، هو تعزيز الدور العربي لتسوية الأزمة السورية ومعالجة تبعاتها السياسية والأمنية على الداخل السوري وكذا أمن المنطقة في ظل تنامي ظاهرة تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود السورية، الأمر الذي يهدد دول المنطقة وخاصة الأردن والعراق.

كما وأوضح الباحث المصري أن الاجتماع ناقش ضرورة مواصلة الحوار لإيجاد حلول فاعلة وناجزة للأزمة السورية بين الأطراف السورية؛ الحكومة السورية ومعارضتها، وفق منهجية “خطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم /2254/، ويقلل من التدخلات الخارجية ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين.

تقارب وجهات النظر

هذا الاجتماع الذي دعت إليه مصر يُعد تنفيذا لقرار مجلس “جامعة الدول العربية” على مستوى القمة رقم /822/ بتاريخ 19 أيار/مايو الفائت، وهو القرار الذي ألزم “الجامعة العربية” بإنشاء لجنة الاتصال الوزارية بشأن سوريا.

حتى الآن ليس ثمة أي نتائج إيجابية ملموسة من قِبل دمشق، ولا سيما في قضية تهريب المخدرات أو عودة اللاجئين، وأيضا فيما يتعلق بمسارات الحل السياسي، ومنها مسار اللجنة الدستورية السورية.

على الرغم من استبعاد حدوث خرق في مسار الحل السياسي بسوريا، بناءً على اجتماع اللجنة في القاهرة، إلا أن الباحث المصري اعتبر أن هذا الاجتماع يمثل خطوة مهمة في مسار الحل السياسي.

الباحث المصري عزا ذلك، لأهمية وضرورة التشاور والتباحث ما بين الحكومة السورية والنظراء العرب الذي بدوره يقلص المسافات ويتم الاطلاع على كافة الرؤى ووجهات النظر، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى التوصل لحل سياسي بين الحكومة في دمشق والمعارضة السورية، فكما يُقال وجود مشاورات ومباحثات حتى وإن كانت سيئة ولم تحقق نتائج مرجوة أفضل بكثير من عدم وجودها. حيث أن حالة الجمود بين أطراف الأزمة قد يُزيد من تعقيد الوضع السوري أكثر فأكثر على مدار السنوات القادمة.

الاتفاق على أن يكون الاجتماع المقبل في بغداد أمرٌ مهم، لا سيما من خلال تشابك وتداخل كافة القضايا والمشكلات السورية، وأمن الحدود والميليشيات والإرهاب، وعلاقتهم القوية مع الفاعلين داخل سوريا، مما يوفر فرصة للتقارب وتنسيق المواقف، وفق ما يحلله الباحث المصري.

لا تقدم في قضية عودة اللاجئين السوريين-“رويترز”

هذا وكان وزير الخارجية الأردن أيمن الصفدي قد وصل إلى دمشق، في الثالث من شهر تموز/يوليو الفائت، وبعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد أوضح أنه “بعد اجتماعي جدة وعمان اتفقنا على خريطة طريق للتقدم والتدرج نحو حل الأزمة السورية ومعالجة تبعاتها”.

الصفدي أشار إلى أن “الأزمة السورية كان لها تبعات كثيرة ولن تحل كل الأمور بين يوم وليلة، لكن بدأنا مسارا عربيا جادا يستهدف حل الأزمة السورية وفق الخطوة مقابل خطوة، التي تنسجم مع القرار الأممي 2254”.  وأكد الصفدي أنهم “يريدون الإعداد من أجل اجتماع لجنة الاتصال العربية التي كانت قد أقرتها الجامعة العربية، بحيث يكون هناك مخرجات عملية تسهم في معالجة تبعات الأزمة السورية، ونأمل انعقادها في آب/أغسطس الجاري”.

ما التوقعات؟

كان من الملاحظ مؤخرا أن مسار التقارب العربي مع دمشق فَقَد زخمه، نظرا لأن الحكومة السورية لم تبدِ أي خطوات جادة لتطبيق بنود المبادرة العربية، ولا سيما قضية تهريب “الكبتاغون” على الحدود أو اتخاذ أي إجراءات لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، أو حتى أي سلوك سياسي.

يرى مراقبون أن الحكومة السورية لن تقدم أي خطوات جادة على الأقل في المستقبل القريب، تجاه مسار المبادرة العربية لوضع خارطة طريق للوضع السوري، وتصريحات الأسد، مؤخرا تؤكد ذلك، حيث قال في مقابلة تلفزيونية إن “تجارة المخدرات كعبور هي موجودة لم تتوقف دائما هذه حقيقة، ولكن عندما يكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة”.

كما ناور الأسد في أكثر من مسار، حيث تنصل من قضية عودة اللاجئين، واعتبر أن ما يعيق هذا الأمر هو سوء الأحوال المعيشية. بمعنى أنه لن يقدّم أي خطوات جادة في سياق هذا الأمر وليس لديه ما يقدمه في المسار، وقبله أكد هذا الأمر وزير الخارجية السوري، حيث قال إن سوريا سارت مئات الخطوات فيما يتعلق بما هو مطلوب منها.

بالعودة للباحث المصري، فهو يعتقد أن نتائج الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية في سلطنة عُمان، ستشهد انفتاحا وتعاونا أكثر من ذي قبل للحكومة السورية، خاصة في ظل التداعيات الخطيرة التي يشهدها العالم والتي تؤثر على أمن المنطقة والجهات الفاعلة في الأزمة السورية.

الرئيس السوري بشار الأسد- “أ.ب”

كما وقد يدفع ذلك الأطراف المتحاورة إلى الانفتاح على الحل السياسي وتقديم بعض التنازلات، وقد يكون هناك ضغط إيجابي من الأطراف العربية على الأطراف السورية في الاجتماعات المقبلة، وهو ما يمكن تحقيقه إذا قدمت جميع الأطراف المصالح السورية العليا، وهنا يمكن القول بأن أول خطوة حقيقية قد تحققت في هذا المسار الذي يؤثر على مستقبل الأزمة السورية والمنطقة بشكل عام، وفق ما يراه الباحث المصري، لكن كل هذا يبقى في سياق التكهنات، بالنظر إلى تعنّت كل طرف بعقلية وسياسة معينة، وتحديدا دمشق.

في العموم، يبدو أن الحكومة السورية غير مستعدة لتقديم أي خطوات جادة فيما يتعلق بعودة اللاجئين، ووقف المخدرات، أو حتى فك الارتباط مع إيران ووكلائها، والعلاقة مع روسيا ولذلك فإن مستقبل المبادرة العربية مرهونٌ بما يمكن أن تُقدم عليه دمشق من خطوات حقيقية فيما يخص بنود خارطة الطريق العربية بشأن سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات