في خضم الأزمات العديدة التي يعانيها السوريون في الداخل، ولعل أبرزها الأزمة الاقتصادية التي تزداد حدّتها يوما بعد يوم، تستعد الحكومة السورية لإقامة معرض عالمي للتجميل، وهذا يعني أن هناك عالمَين في هذا البلد، قسم من المواطنين يعيش حياة مترفة وقسم آخر لا يعرف كيف يدبّر قوت معيشته اليومية.

هذا وتستضيف غرفة صناعة دمشق وريفها، المعرض الدولي للتجميل- الصناعات التجميلية، خلال الفترة من 22 إلى 25 تشرين الأول/أكتوبر المقبل على أرض مدينة المعارض بالعاصمة السورية دمشق.

معرض دولي للتجميل!

في السياق، سيقيم غرفة صناعة دمشق معرضا دوليا للتجميل والصناعات التجميلية وسط موجة الغلاء الجامحة التي تعصف بالبلاد، حيث يمرّ الاقتصاد السوري بأسوأ حالاته منذ العشرية الأخيرة، مع تصاعد التضخم وهبوط العملة وشحّ المحروقات، وفق ما نشره صفحة غرفة صناعة دمشق على منصة “فيسبوك” مؤخرا.

رغم تدهور الأوضاع المعيشية، هنالك قطاعات لا تزال مستمرة في عملها وكأن العاملين فيها يعيشون خارج سوريا وبمنأى عن الأزمة الاقتصادية، مثل قطاع التجميل والمهرجانات والحفلات الغنائية، فضلا عن قطاع المطاعم والفنادق والشاليهات السياحية.

اللافت أن قطاع التجميل يحصل على حصة مالية جيدة من دخل السوريين، وبشكل خاص النساء، حيث زاد خلال السنوات الماضية، معدل الاهتمام بعمليات التجميل، حتى انتشرت عيادات التجميل في مختلف المدن السورية، رغم غلاء أسعار عملياتها.

الإقبال على قطاع التجميل لم يعد مقتصرا على فئة محددة من المجتمع، أو على الأشخاص المقتدرين ماديا، فقد تحولت هذه الحاجة إلى أمرٍ أساسي، جعل فئة واسعة من محدودي الدخل كذلك يلجأون إلى عمليات التجميل في العيادات المنتشرة في البلاد.

حيث أصبح قطاع الطب التجميلي من أبرز القطاعات في الاقتصاد السوري، حتى أن قرار منع استيراد مواد التجميل، تسبب بضرر للاقتصاد، بحسب ما أكده خبراء اقتصاديون مؤخرا، وذلك قياسا على الإنفاق الشهري والسنوي في هذا القطاع.

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، أفاد مؤخرا بازدياد اهتمام النساء في سوريا خلال السنوات الأخيرة، بعلاجات وعمليات التجميل، إذ لم يعد الأمر مقتصرا على طبقة بعينها من المجتمع إنما أصبحت أكثر انتشارا وأصبحت العلاجات كالفيلر والبوتوكس يعرفها الجميع، حتى الرجال.

عدم التخلي عن مواد التجميل

حتى مستحضرات التجميل يبدو أنها تأخذ النصيب والاهتمام الجيد من جيوب النساء في سوريا، فرغم ارتفاع أسعار مستحضرات التجميل في المحلات التجارية والصيدليات، إلا أن هذا لم يمنع الفتيات من شراء أدوات التجميل، حيث باتت بسطاتٌ لبيع هذه المواد ملجأً لنسبة كبيرة منهنّ رغم خطورة تعرض مواد التجميل لأشعة الشمس لساعات طويلة، وفق تقرير آخر لموقع “أثر برس” المحلي، مؤخرا.

من جانبه، مدير الشؤون الصحية في “محافظة دمشق”، قحطان إبراهيم، بيّن أن المواد التجميلية التي تُباع في الطرقات غير صحية، بسبب تعرضها لأشعة الشمس، ولكن الأمر متعلق بالإجراءات التي تتخذها البلدية بحق البسطات. وفي الآونة الأخيرة، انتشرت مستحضرات التجميل منتهية الصلاحية والمغشوشة، بسبب الأسعار الباهظة للسلع والماركات، والتي عادة ما تجذب ميسوري الحال.

بينما تلجأ بعض الفتيات والنساء إلى السلع الرخيصة، وبعضهنّ يلجأن إلى تأجير الذهب لحفل زفافهن، إلا أن هناك على الجانب الآخر بعض السوريات اللواتي يعطين أهمية خاصة لعمليات التجميل، رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل عام في البلاد.

بحسب التقرير المحلي، فقد تراوحت تكلفة حقن “البوتوكس” في سوريا، بين 200 إلى 400 ألف ليرة سورية، أما الفيلر فيختلف سعره حسب نوعيته حيث يبدأ من 200 ألف للسنتميتر الواحد، وهناك فيلر كوري نخب أول ممتاز يصل سعره إلى 300 ألف للسنتميتر الواحد، وهنالك أنواع تتجاوز الـ 700 ألف.

أما جلسات الليزر، فقد تكون أكثر من عشر جلسات ويختلف هذا حسب نوعية وطبيعة الجسم، لذلك غالبا ما تُعلن المراكز عن عروض لهذا النوع مثلا جلستين والثالثة مجانا أو حسم 15 بالمئة، وغير ذلك وتبلغ كلفة الجلسة الواحدة 30 ــ 50 ألفا حسب الجهاز المستعمل.

صحيفة “الوطن” المحلية، قدّرت الإنفاق الشهري للسوريين على قطاع التجميل بمليارات الليرات، مشيرة إلى أن “معظم هذا الإنفاق يُصرف على الإجراءات التي تعتمد على الحقن والحشوات، وكلاهما لا تشملهما قائمة المواد المسموح باستيرادها، فأصبحت تُعامل معاملة الممنوعات مع العلم أنها لا تُنتج محليا وليس لها بديل“، وفق تقرير سابق.

اختصاصي الجراحة التجميلية، وأمين سر الرابطة السورية لأطباء الجراحة التجميلية والترميمية، الدكتور رزق الفروح، قال في تصريحات سابقة، إن “عمليات التجميل في الآونة الأخيرة، شهدت إقبالا كبيرا من الرجال والنساء، فربما لم تعد مساحيق التجميل كافية لتلبية الرغبة في إظهار الجمال أو تغطية العيوب“.

واقع اقتصادي هشّ

في ظل كل ذلك، تعيش سوريا أكبر موجة غلاء منذ سنوات عديدة، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة، فقد شهدت أسعار الخضروات والفاكهة واللحوم والدواجن ارتفاعات جنونية خلال الأيام الماضية، تزامنا مع تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

هذه الموجة الغلائية، التي تصل إلى حدود التضخم المفرط، تؤثر بشكل مباشر على حياة الملايين من المواطنين في دمشق، الذين يعانون من شحٍّ في الموارد وانعدام الخدمات وانتشار الفقر والجوع؛ فقد أصبحت قدرة الكثير من الأُسر على تأمين احتياجاتها الغذائية والصحية والتعليمية محدودة جدا، في ظل ارتفاع التكاليف وانخفاض المدخول، كما أصبحت بعض المنتجات غير متوفرة أو محظورة أو مهرّبة، مما يزيد من حالة الفوضى والإحباط.

ليست أسعار الخضروات فقط ما وصلت إلى مستويات قياسية، بل شهدت أسعار الفروج والشاورما والوجبات السريعة ارتفاعا غير مسبوق في الفترة الأخيرة أيضا، ففي محال بيع الشاورما والوجبات السريعة بدمشق وضواحيها، ارتفعت أسعار سندويشة الشاورما إلى مستويات تتراوح بين 15 و20 ألف ليرة سورية.

بالإضافة إلى ذلك، وصل سعر وجبة الشاورما العربية إلى 25 ألف ليرة سورية، ووصل سعر وجبة الكريسبي إلى 45 ألف ليرة سورية، أما فروج البروستد، فتراوحت أسعاره قرابة 120 آلاف ليرة سورية، فيما تراوح سعر الفروج المشوي نحو 110 ألف ليرة سورية.

بالتزامن مع تزايد مرارة الواقع الاقتصادي بسوريا، أصبح المئات من الشباب والعائلات السورية مهووسة بالسفر إلى الخارج بهدف الهجرة إلى بلد يوفّر لهم الأمن والاستقرار المعنوي والمادي، فمنذ أشهر، يعرض السوريون عقاراتهم، من منازل ومحلات تجارية وأراضي، على منصات التواصل الاجتماعي، وينشرون أوصاف وأسعار العقارات المعروضة للبيع للمهتمين، سواء أشخاص أو مكاتب عقارية. ويأتي الانتشار المتزايد لهذه العروض عبر تلك الوسائل الاجتماعية، نتيجة لرغبة الكثيرين من أصحابها في السفر.

على الرغم من المرسوم الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد، القاضي برفع الرواتب بنسبة 100 بالمئة، إلا أنه بالمقابل صدرت حكومة دمشق قرارا مفاده زيادة أسعار المشتقات النفطية، بالإضافة إلى رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع في السوق بنسب كبيرة، إضافة إلى تسيّد حالة من الفوضى والتفلّت بالأسعار في الأسواق، وهو ما انعكس أيضا في ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأساسيات.

بالتالي وصلت اليوم تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 10 ملايين ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط ​​دخل الموظف الحكومي بين 200-260 ألف ليرة.

بالتالي، فإن إقامة الحكومة السورية معارض تجميل دولية، فضلا عن الإعلان عن مزادات لسيارات حديثة، التي تُقدر قيمة الواحدة منها قرابة المليار ليرة سورية، إلى جانب إحياء حفلات غنائية كل صيف بسوريا، والتي لا يستطيع عموم السوريين حضورها، نتيجة ضعف الرواتب والمداخيل، يشير إلى مدى انفصال هذه الحكومة عن الواقع المعيشي المتدهور الذي يعيشه مواطنوها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات