في سوريا يعاني الأزواج الراغبين بالانفصال من وصمة مجتمعية، إذ يُعتبر الانفصال واحدة من “الكبائر” في المجتمع السوري، وبشكل خاص إذا كانت الأنثى هي من ترغب بالانفصال، فتجد معظم الأشخاص ممن هم في محيطها يحاولون بشتّى الوسائل لإقناعها بضرورة الاستمرار بالزواج و”عدم التهور” لإنهاء العلاقة مع شخص قد تكون ليست هي مَن اختارته.

كذلك فإن الأشخاص الراغبين بالانفصال عادة ما يتم تسخيف أسبابهم مجتمعيا، خاصة عندما يطرح أحدهما سببا يتعلق بعدم الانسجاب العاطفي أو الجنسي أو التوافق النفسي، فيتعرض من يطلب الانفصال لضغط وجُملٍ من قبيل “من رضي عاش، راجع حالك أو راجعي حالك وصلحوا من أخطائكم”.

بيد أن السنوات الأخيرة في سوريا، شهدت ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الانفصال بين الأزواج، الأمر الذي بالطبع له أسباب عديدة منها اجتماعية ومنها اقتصادية، كذلك فإن البعض اعتبر أن هذا الارتفاع ناتج عن أزمة اجتماعية، بينما أكد البعض أن الرغبة بالانفصال لم تعد “وصمة عار” كما كان الوضع سابقا.

تصريحات من جهات قضائية

كذلك، فإنه لم يعد مبررا الخوف من طرح الأسباب المنطقية التي قد تؤدي للانفصال، حيث كشف رئيس المحكمة الشرعية الثالثة، القاضي خال جندية، عن أبرز أسباب الانفصال من خلال الحالات التي تنفصل عبر المحكمة، مؤكدا أن أبرز الأسباب تتمحور حول انعدام التوافق  النفسي والانسجام الفكري والعاطفي بين الزوجين فيشعر كل منهما بأنه يبتعد عن الآخر بما يؤدي إلى فتور وتناقص الود وبالتالي كثرة المشادات ومن بعدها الطلاق.

جندية، أضاف في تصريحات نقلتها منصة “غلوبال نيوز” المحلية، “أحيانا يكون عدم التواصل المباشر عبر الحوار والمشاركة في حل المشكلات التي تعترض حياة الزوجين سببا من أسباب الطلاق، كما أن اختلاف البيئة الاجتماعية وعدم اتفاق العائلات في كثير من الأحيان من أهم مسببات الطلاق”.

كذلك أشار جندية، إلى أن الطلاق غير مرتبط بعمر الزواج ومدّة بقاء الزوجين معا، “فهناك الكثير من حالات الطلاق تقع بعد سنوات طِوال من الزواج، ومثلها حالات طلاق مسجلة بعد فترة زواج قصيرة جداً لا تتعدى الأشهر أحيانا”، لافتا إلى أن الأشهر الأولى من الزواج حسّاسة جدا بين الزوجين وتحتاج إلى صبر كل منهما على الآخر للتّكيف مع الحياة الجديدة على حدّ قوله.

تصريحات جندية أثارت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من اعتبر أن هذا الارتفاع يعبّر عن وجود خلل اجتماعي، وآخرين عبّروا عن سعادتهم من الارتياح المجتمعي لطرح فكرة الطلاق، خاصة في ظل وجود أسباب منطقية وتستدعي عدم استمرار أي شخص في علاقته الزوجية.

أدهم كمال، قال تعليقا على تصريحات جندية، “للأسف ما عاد حدا متفاهم مع حدا، صرنا على أتفه الأسباب بدنا نطلّق وننفصل، والأب والأم ما بيكفروا بأطفالهم، هذا أبغض الحلال”، في حين علّقت مروى سعيد قائلة، “كتير منيح هالشي، صحيح في مشاكل اجتماعية، بس من حق أي شريكة اختيار عدم الاستمرار مع شريكه للأسباب يللي هو بشوفها مناسبة، بتذكر من زمان كانت جريمة الأنثى تطلب الطلاق ويا سلام لو بتقول أنه السبب عدم التوافق العاطفي، كتير منيح تطلع هي التصريحات من رئيس محكمة”.

قد يهمك: كارثة في المجتمع السوري.. ما علاقة كبار السن؟

بالعودة إلى أبرز أسباب الانفصال، فقد أشار تقرير لصحيفة “البعث” المحلية قبل أيام، إلى أن ارتفاع معدلات الفقر في سوريا وتراجع الحالة المعيشية للعائلات السورية، هي أبرز أسباب ظهور الخلافات بين الأزواج والتي بدورها تؤدي إلى حدوث الانفصال، فضلا عن عدم الانسجام والفكر وقلة التفاهم إضافة إلى أسباب أخرى.

كذلك فإن ارتفاع رغبة السوريين بالهجرة هي واحدة من أبرز أسباب الانفصال، حيث أكد التقرير توثيق حالات عديدة من الانفصال، بسبب رفض الزوجة للسفر، “وهناك أمثلة لرجال سبقوا زوجاتهم وتغيّرت أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، ما دفع بهم إلى الطلاق والزواج مباشرة من أجنبية” بحسب ما ورد.

ومن جهة أخرى، بيّنت تقارير اجتماعية مختصة، أنه نتيجة الوضع الاقتصادي المأزوم وعدم قدرة الرجل على تحمّل تكاليف معيشة أسرته، فإن هذا الحال ينعكس على الترابط الأُسري أيضا، لأن الثقافة السائدة تفرض على الرجل أن يتحمل مسؤولية تأمين المصاريف، ولأنه يعجز عن ذلك تشعر الزوجة في الغالب بعدم الرضى عن الحياة معه.

فضلا عن ارتفاع معدلات الانفصال في سوريا، فإن هناك انتشار لحالة العزوف عن الزواج بين الشباب في البلاد، إذ يهرب الشباب من مسألة الزواج، بسبب المسؤوليات المترتبة عنه، وبشكل خاص المسؤوليات الاقتصادية.

بحسب تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، ونقلا عن خبراء في علم الاجتماع، فإن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، دخل مستقل، العمل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

التقرير أشار إلى أنه في تجمعات المدن الرئيسية تصل نسبة العزوف لـ 40 بالمئة، بينما تنخفض في التجمعات التي لا زالت تحافظ على الروابط المختلفة فيما بينها، والتي تخفف بدورها من الأعباء المترتبة على الزواج، حيث أن الضغوط المادية لها دور في العزوف، لكن العامل الأساسي، هو التفكك الاجتماعي وتحول الحياة إلى فردية، حيث يواجه الفرد المشاكل لوحده.

كما نقل التقرير عن خبراء، أن نسبة عزوف الإناث عن الزواج بلغت 70 بالمئة وأن هناك عزوف عن الزواج بسبب التكاليف، محذّرين من حدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري، وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق، والتفكك الأُسري وحوادث الموت والفقدان والهجرة.

الخبراء، لفتوا كذلك إلى أن الزواج أصبح حلما نظرا لارتفاع التكاليف ما يؤدي إلى اتجاه الفرد لخيارات غير عقلانية، معتبرين أن أقل تكلفة زواج ضمن أقل التكاليف تصل لنحو 17 مليون ليرة، وضمن متوسط الأجور للشريحة الأكبر من السوريين فالأمر مستحيل.

المساكنة في سوريا

نتيجة لعزوف الشباب عن الزواج، فإن فئة واسعة منهم يتجهون إلى ما يسمى بـ”المساكنة”، وذلك تجنبا لأية مسؤوليات لا يقدرون على تحمّلها في ظل الظروف التي تعيشها البلاد خلال السنوات الماضية.

ووفق تقارير صحفية محلية سابقة، فقد بدأت ظاهرة “المساكنة” بالانتشار خلال السنوات الماضية في سوريا، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد، رغم أنها مازالت تعد “خطيئة وإثما ومخالفة للدين والعقيدة والتقاليد” بنظر كثيرين.

ارتفاع التكلفة المادية للزواج التقليدي والملل من العادات القديمة، والرغبة في اكتشاف الآخر والحرية الفردية، يضاف إليها تلبية الرغبات الجنسية؛ ساهم في إقبال العديد من الشباب على المساكنة لكنها ما زالت تُنفذ بشكل سرّي خوفا من المجتمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات