في عالم يشهد تصاعدا للتوترات والتحولات الإستراتيجية، تبدو التحركات الإيرانية الحديثة في اتجاه جبهة الـ “بوليساريو” لافتة وملفتة للنظر، فتهديد طهران المتنامي لإسرائيل يأخذ اليوم شكلا جديدا، مع انضمام الـ “بوليساريو” إلى شبكة الميليشيات الإيرانية.
الهدف واضح: إسرائيل، والقاعدة جاهزة في سوريا؛ لكن هل يكون هذا الرابط المستجد محطةً لتصاعد التوترات في المنطقة، أم هو جزءٌ من استراتيجية أوسع يخطط لها قادة الصف الأول في طهران؟
النظام الإيراني المعروف بدعمه للمنظمات المتشددة في المنطقة، بات يتجاوز حدوده الجغرافية السابقة، فلم يعد يكتفي بدعم المجموعات الشيعية والسُّنية المتشددة في المحيط القريب من إسرائيل، بل امتد نفوذها إلى مناطق لم تكن على رادار الأمن الإسرائيلي. الـ “بوليساريو”، التي لا تشترك مع إيران في أي نقطة جغرافية محددة، أصبحت هدفا لتوريطها في خطط إيران الإقليمية.
تتحرك إيران بتنوّعها لاستهداف إسرائيل عبر مجموعاتها المختلفة من لبنان إلى اليمن، وتورّط الـ “بوليساريو” يعزز من قدرتها على التأثير وتوسيع نطاق الضغط على إسرائيل. ومع وجود تقارير تفيد بتحرّك منظّم يجمع مختلف الميليشيات ويمتد من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا، يكون السيناريو المحتمل هو تكوين تحالف إقليمي يشمل الـ “بوليساريو” ضمن مجموعة أوسع تستهدف إسرائيل والقوى الإقليمية المتحالفة معها.
“البوليساريو” تشارك في الحرب على إسرائيل؟
تشير تقارير أجهزة الاستخبارات الغربية إلى أن طهران تعمل على توسيع شبكتها منذ عدة سنوات، وأنها تتخذ من الـ “بوليساريو” نقطة ضعف جديدة في استراتيجيتها، فالتّواجد الإيراني في المناطق التي لم يكن لها تاريخ من الصراع مع إسرائيل يرسّخ فكرة تصاعد الخطر الإيراني وقدرته على التأثير في أماكن بعيدة عن مسرح الصراعات المعتاد.
بحسب ما أوردته صحيفة “دي فيلت” الألمانية، فإن الاتصالات ونصوص المحادثات الهاتفية التي تمكّنت من اعتراضها، تؤكد تحذيرات المغرب من خطر الدعم الذي تحصل عليه الـ “بوليساريو” من إيران و”حزب الله” اللبناني.
ممثل “بوليساريو” وقيادي في “حزب الله” يقطن في كوت ديفوار، تبادلا بعض الخطط في محادثة مسجّلة بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي بعد حوالي أسبوعين من هجوم “حماس” على إسرائيل، حيث سأل عميلُ “حزب الله” ضابطَ اتصال الـ “بوليساريو” في سوريا، والمسؤول عن الشرق الأوسط، عن الوضع.
طبقا للترجمة الحرفية من الصحفية، فقد أجاب ممثل الـ “بوليساريو”: “الحمد لله. الأولاد متشجّعون بانتصار المقاومة والأعمال ضد اليهود والانتصار عليهم في كل مكان. أرى أن المقاومة تشتعل في كل مكان. لقد اشتعلت في غزة، وقد تندلع في الجولان (…) وفي الجنوب (لبنان) وفي مزارع شبعا”، متعهدا بأنها ستندلع في الصحراء المغربية أيضا و”ستكون المقاومة موحّدة. يطلق الجميع النار من أمكنة مختلفة”.
وهنا تشير صحيفة “العرب” اللندنية، إلى أنه من غير المعروف ما إذا كان الهجوم الذي شنّته الـ “بوليساريو” على منطقة السمارة في الصحراء المغربية، في نهاية الأسبوع قبل الماضي، يندرج في إطار تنفيذ التهديدات.
في مرحلة لاحقة من الحوار، تم مناقشة الهجمات المحتملة على إسرائيل بين ممثلين عن “حزب الله” ومبعوث الـ “بوليساريو”، حيث اقترح تنسيق هجوم متوازي مع حركة “حماس” و”حزب الله” والجزائر وإيران.
قدّم ممثل الـ “بوليساريو” دعم الجبهة للهجمات المستقبلية، لكنه شدد على أن الموارد المتاحة لديها ليست كافية لتنفيذ هجمات كبيرة مثل استهداف السفارة الإسرائيلية في المغرب؛ وفي محادثات أخرى، طلب المزيد من الدعم من “حزب الله” وإيران، لتعزيز قدراتها الهجومية.
صلة الـ “بوليساريو” بما يحصل في الشرق الأوسط
جبهة الـ “بوليساريو”، بحسب الموسوعة البريطانية “بريتانيكا”، هي منظمة سياسية عسكرية تسعى إلى إنهاء السيطرة المغربية على الأراضي الإسبانية السابقة “الصحراء الغربية”، في شمال غرب إفريقيا، ونيل استقلال تلك المنطقة.
وتتألف جبهة الـ “بوليساريو” إلى حدّ كبير من السكان البدو الأصليين في منطقة الصحراء الغربية، أي الصحراويين، وبدأت كقوة متمردة في أيار/مايو 1973 في الدول المجاورة موريتانيا. وبعد انسحاب إسبانيا قامت المغرب وموريتانيا بتقسيم الصحراء الغربية فيما بينهما في عام 1976، وانتقلت جبهة الـ “بوليساريو” إلى الجزائر، التي زوّدت المنظمة منذ ذلك الحين بالقواعد والمساعدات العسكرية.
وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أعلن سابقا أن “حزب الله” اللبناني، قد أرسل ممثلين عسكريين إلى الـ “بوليساريو”، مزوّدا إيّاها بالأسلحة وتدريبها على حروب المدن، بل وأشار إلى أن طهران قد قدمت دعما لـ “البوليساريو” بتوفير صواريخ “أرض-جو” وطائرات بدون طيار، في حين أن “حزب الله” أنشأ معسكرات في الجزائر لتدريب مقاتليها.
وفي حين نفى قادة الـ “بوليساريو” و”حزب الله” هذه الاتهامات، كشف المغرب أنه يحتفظ بملف ضخم يحتوي على تقارير مفصّلة وصور فضائية تظهر اجتماعاتٍ بين ممثلي الجهتين المموّلتين من إيران في الجزائر. وأوضحت السلطات المغربية أن إيران قدّمت دعما إضافيا من خلال تسهيل لقاءات بين الـ “بوليساريو” و”حزب الله” عبر سفارتها في الجزائر.
في العام الماضي، أكد ممثلٌ عن الـ “بوليساريو” أن إيران تزوّدهم، عبر الجزائر، بطائرات بدون طيار للاستخدام ضد المغرب. وفي تعزيز لهذه الادعاءات، أفادت تقارير بأن طهران تمد الـ “بوليساريو” بصواريخ “أرض-جو” وطائرات بدون طيار، بينما يُقام من قبل “حزب الله” معسكرات تدريب في الجزائر للمقاتلين.
ممثل الـ “بوليساريو” في الشرق الأوسط، مصطفى محمد الأمين الكتاب، اعتمد مؤخرا شعار “حماس”، حيث أكد في مكالمة هاتفية بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر، أن هذه “الحرب تمثّل جهادا ومقاومةً ضد الاحتلال والمشروع الصهيوني”، وأشار إلى أن ثمن الحرية سيكون باهظا، وعلى الرغم من التضحيات والقتلى، إلا أن الانتصار سيكون في النهاية.
علاوة على ذلك، كشفت صحيفة ألمانية في تقرير سابق عن شبكة حوالات تعمل من إسبانيا ومخيمات تندوف في الجزائر، وتحافظ على اتصالات وثيقة بين الـ “بوليساريو” وإيران ولبنان و”حزب الله”، كجزء من دعم إيران المستمر للجبهة.
أيضا امتدت هذه الشبكة إلى جبهة الـ “بوليساريو”، والتي تُعتبر أبرز مثال على سياسة التوسع الإيرانية، إذ باتت تحمل فائدة استراتيجية أكبر لطهران، خاصة بعد توقيع اتفاقيات “أبراهام” للسلام مع إسرائيل، حيث شملت المغرب. وأصبحت المنظمة الانفصالية جزءا من محاولات إيران لزعزعة استقرار المنطقة.
سوريا قاعدة للهجمات
النظام الإيراني بحسب الباحث المغربي، الدكتور محمد التوزاني، يترصد أية حركات انفصالية خارجة عن القانون ويتهافت إلى دعمها ليس فقط من أجل نصرة قضية هذه الجماعات، بل من أجل خدمة أجندته، فـ “هذا النظام آخر على مدى عقود يثبت أن تغلغله في عدة مناطق من أجل استخدامها ورقة سياسية هو الهدف الرئيس له”.
طبقا لحديث التوزاني لـ”الحل نت”، فإن الحكومة الإيرانية تقدم الدعم لـ”البوليساريو” بعدّة طرق، أهمها الدعم المالي والعسكري والسياسي، وخاصة المتواجدين في الجزائر، وتجعلهم يتبنون أفكارها وخصوصا التي تعارض إسرائيل وترفض عملية السلام.
أيضا تعمل هذه الحكومة على ذات الاستراتيجية التي استعملتها في سوريا ولبنان والعراق واليمن، عبر تدريب وتسليح مسلحي الـ “بوليساريو” في إيران أو في بلدان أخرى، مثل سوريا ولبنان وأيضا الجزائر، حيث تتمتع إيران بنفوذ وحلفاء.
في هذا السياق، تستخدم القضية الفلسطينية كأداة لحشد الدعم الشعبي في العالم الإسلامي وتحدي شرعية ونفوذ إسرائيل وحلفائها، مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والمملكة المغربية.
وحاليا لا يستبعد التوزاني تنسيق وتنظيم الهجمات على إسرائيل من قِبل عناصرٍ من الـ “بوليساريو” المتواجدين في سوريا، بالتوازي مع الجماعات الفلسطينية وغيرها من الوكلاء، مثل “حزب الله”، من أجل ردع أو الانتقام من الأعمال الإسرائيلية أو الأميركية التي تهدد مصالح إيران أو أمنها، وليس من أجل الفلسطينيين.
بات من المؤكد أن الـ “بوليساريو” اندمجت في شبكة الميليشيات الإيرانية بعد تلقّيها تمويل وتسليح من طهران، مستفيدةً من العلاقة مع إيران لزيادة قوتها في الصحراء الغربية، ولا يُستبعد أن تتحول سوريا إلى معسكر لـ “البوليساريو”، لخدمة أجندات النظام الإيراني، ليس فقط لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الدولة العبرية؛ بل ربما يتطور الأمر لضرب قواعد “التحالف الدولي”.
- 10 قتلى في هجوم بأفغانستان.. من يقف وراءه؟
- بعد الهجوم الإسرائيلي على تدمر.. ماذا فعلت قيادات إيران في سوريا؟
- لأول مرة.. روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ عابر للقارات
- روسيا تحذر الغرب بهجوم باليستي على أوكرانيا.. ومسؤول أميركي يقلّل من تأثيره
- “رأس الهرم” بمشاهد سياسية “جريئة”.. ترقب كبير لعرض المسلسل العراقي