في تقرير حديث لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالأطفال والصراعات المسلحة، أريان ليجنيير، إن الأطفال في سوريا ما زالوا يعانون من العواقب الطويلة الأجل الناجمة عن أكثر من 11 عاماً من الصراع.

وأظهر التقرير الأممي الجديد، الذي نُشر مساء الاثنين الماضي، أن استمرار معاناة الأطفال اتّسم بزيادة الانتهاكات الجسيمة.

وفي سياق الأزمات الاقتصادية والإنسانية، والدّمار الواسع النطاق للبنية التحتية المدنية، والتلوث بالذخائر المتفجرة، والتشريد الداخلي لـ 3.1 مليون طفل، ارتفع إجمالي عدد الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال بنسبة 10 بالمئة مقارنة بالتقرير السابق، الذي غطّى الفترة بين 1 تموز/يوليو 2018 و30 حزيران/يونيو 2020.

سوريا وانتهاكات بحق الأطفال

بحسب ما نُشر على موقع الأمم المتحدة، فإن هذا التقرير هو الرابع للأمين العام عن الأطفال والنزاع المسلح في سوريا ويغطي الفترة من 1 تموز/يوليو 2020 إلى 30 أيلول/سبتمبر 2022.

ويوثّق التقرير آثار النزاع على الأطفال في سوريا، ويسلّط الضوء على اتجاهات وأنماط الانتهاكات الجسيمة السّتة المرتكبة ضد الأطفال من قِبل أطراف النزاع في البلاد، وهي تجنيد الأطفال واستخدامهم، وقتل الأطفال وتشويههم، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي ضد الأطفال، والهجمات على المدارس والمستشفيات والأشخاص المحميين فيما يتعلق بالمدارس أو المستشفيات، واختطاف الأطفال، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.

في 15 مارس 2018، الغوطة الشرقية بدمشق. صبي يمشي على عكازات باتجاه الحمورية حيث تم فتح مخرج الإخلاء من الغوطة الشرقية- “UN”

وطبقا للتقرير الأممي، فإنه تمّ التّحقق مما مجموعه 5219 انتهاكا جسيما ضد 5073 طفلا، معظمها ارتُكب في شمال سوريا. كما وتعرّض 33 طفلا (27 فتى و6 فتيات) لانتهاكات متعددة، بينها التجنيد والاستخدام والعنف الجنسي.

وكان تجنيد الأطفال واستخدامهم هو الانتهاك الأكثر انتشارا الذي جرى التّحقق منه، وبلغ نحو 2990 حالة، تلاه قتل الأطفال وتشويههم، 1891 حالة، وخطف الأطفال، 222 حالة.

والممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والصراعات المسلحة هو المدافع الرئيس للأمم المتحدة عن حماية ورفاهية الأطفال المتأثّرين بالصراعات المسلحة.

وأشار التقرير إلى أنه من المرجّح أن يكون العدد الفعلي لهذه الانتهاكات أعلى، لأن قدرة الأمم المتحدة على مراقبة المعلومات والتّحقق منها كانت محدودة “بسبب القيود المفروضة على الوصول وانعدام الأمن”.

مرتكبو الانتهاكات

في سياق التقرير، فقد نُسبت انتهاكات جسيمة إلى ما لا يقل عن 36 طرفا في النزاع السوري، بينها تلك التي صنّفتها الأمم المتحدة كجماعات إرهابية.

التقرير الأممي نوّه إلى أن “الجماعات المسلحة” مسؤولة عن 65 بالمئة من الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك الفصائل التي تعمل تحت مظلة “الجيش الوطني السوري”، و”هيئة تحرير الشام”، وفصائل غير معروفة، وتنظيم “داعش” الإرهابي.

فيما اعتبر التقرير أن قوات الحكومة السورية والميليشيات الموالية لها ومن بينها “قوات الدفاع المدني” والقوات الجوية الموالية لدمشق، مسؤولة عن 13 بالمئة من تلك الانتهاكات. وكانت نسبة 21 بالمئة من مرتكبي الانتهاكات مجهولة الهوية، فتعذر نسبُها إلى أي جهة.

ويقول ممثل الأمين العام، إن حالات تجنيد الأطفال واستخدامهم لأدوار قتالية تضاعفت، ما زاد من أعداد الضحايا من الأطفال بنسبة 30 بالمئة، وكانت الذخائر غير المنفجرة سببا رئيسا لمقتل الأطفال وتشويههم.

وخلال الفترة المشمولة بالتقرير، واصلت الأمم المتحدة عملها مع أطراف النزاع، بما فيها حكومة دمشق، لوضع خطة عمل بشأن إنهاء ومنع الانتهاكات، إذ عقدت حلقات عمل مع كبار المسؤولين الحكوميين لدى دمشق.

القتل والتشويه

تحققت الأمم المتحدة من حالات قتل (792) وتشويه (1099) للأطفال في سوريا. ومن بين تلك الحالات، وقعت 399 حالة في النصف الثاني من عام 2020، و905 حالات في عام 2021 و587 حالة في الفترة من 1 كانون الثاني/يناير إلى 30 أيلول/سبتمبر 2022.

ومقارنة بالتقرير السابق، زادت الإصابات بين الأطفال بنسبة 30 بالمئة. وكان ما لا يقل عن 760 طفلا في سنّ الـ 12 وما دون.

وبينما كان القصف الأرضي، ثاني أكبر أسباب قتل الأطفال وتشويههم انتشارا (27 بالمئة)، كانت الذخائر المتفجرة السبب الأول والرئيسي لإصابات الأطفال، حيث قتلت وشوّهت 707 طفلا (37 بالمئة). وغالبا ما تقع الحوادث التي تنطوي على ذخائر متفجرة في مناطق سكنية أو زراعية، طبقا للتقرير الأممي الجديد.

احدى المخيمات السورية- UNICEF/UN0373357/Watad/AFP

من جانب آخر، تحققت الأمم المتحدة من حالات اغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي ارتُكبت ضد 3 أطفال (فتيان اثنان وفتاة)، ونُسبت جميعها إلى “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً). وشملت الحالات ثلاثة أشقاء، فتيان وفتاة، حُرموا هؤلاء الأطفال من حريتهم في ما يسمى بدار للأيتام تسيطر عليها الهيئة.

وتعرّض الفتيان البالغان الـ 11 و12 من العمر للاغتصاب مرارا، في حين أُجبرت شقيقتهما البالغة الـ 14 من العمر على الزواج من أحد عناصر “هيئة تحرير الشام” الإسلاموية.

ويقول التقرير الأممي، إن المحاسبة على ارتكاب العنف الجنسي لا يزال غائبا إلى حدّ كبير بسبب انعدام الثقة في القضاء والتكاليف المالية المتصلة بالسعي إلى المحاسبة. واللافت هنا أنه في عام 2022، دانت المحكمة الإقليمية العُليا في كوبلنز بألمانيا مسؤولا كبيرا سابقا في المخابرات السورية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بينها الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة.

جميع أطراف النزاع في سوريا انتهكت حقوق الطفل، لكن الحكومة السورية تفوقت على جميع الأطراف.

وفي 20 من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرا بمناسبة اليوم العالمي للطفل، ذكرت فيه أن ما لا يقل عن 30127 طفلا قُتلوا في سوريا منذ آذار/ مارس 2011، بينهم 198 بسبب التعذيب، إضافة إلى 5229 طفلا ما زالوا معتقلين ومختفين قسريا حتى اليوم.

وأضافت الشبكة الحقوقية في تقريرها المكوّن من 68 صفحة، أن جميع أطراف النزاع انتهكت حقوق الطفل، لكن الحكومة السورية تفوقت على جميع الأطراف من حيث كم الجرائم التي مارستها “على نحو نمطي ومنهجي”.

وحمّل التقرير اللجنة المعنية بحقوق الطفل والمنبثقة عن اتفاقية “حقوق الطفل” التي وقّعت عليها سوريا عام 1993، المسؤوليات القانونية والأخلاقية عن متابعة أوضاع حقوق الأطفال في سوريا ووضع حدٍّ للانتهاكات التي تمارسها حكومة دمشق بحقهم. وفي منتصف عام 2021، أدرج الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قوات الحكومة السورية على “القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات