ثمّة أمور تغيّرت في أسلوب قتال “حزب الله” اللبناني، وقد أبرزته الاشتباكات الدائرة مع إسرائيل في الجبهة الجنوبية من البلاد منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وكأنه تخلّى عن حرب العصابات التي اشتهر بها وحقّق بواسطتها إنجازات عسكرية لطالما تباهى بها، ومن الواضح أن فاتورة الخسائر البشرية التي مُني بها “الحزب” حتى اليوم تبدو مرتفعة جداً وقد تجاوزت ما لا يقل عن 160 قتيلاً.
واللافت أن الخبراء العسكريين يؤكدون أنه رغم ارتفاع موجات التصعيد بين إسرائيل و”الحزب”، إلا أنها لا تزال ضمن معادلة “قواعد الاشتباك”، وما يحصل مبرّرٌ بالعلوم العسكرية، إلا أنه بمفهوم “الحزب” هامش المناورة ليس كبيراً، وحرية التصعيد مضبوطة على الساعة الإيرانية.
وبالتالي ستبقى الاحتكاكات بين الإسرائيليين وعناصر “الحزب” ضمن “قواعد الاشتباك” حتى إشعار آخر، ولو كبُرت فاتورة الضحايا، فـ”الاستشهاد في سبيل المقاومة ذات الأهداف الإيرانية يأتي في صلب العقيدة”.
سقوط عسكري؟
رغم أن الضغوط المحلية والدولية تزداد على “الحزب” لتنفيذ القرار “1701” والتراجع إلى ما وراء نهر الليطاني، علماً أن إسرائيل اتخذت قرارها بإبعاد “الحزب” بعملية عسكرية إذا وصلت المفاوضات الدبلوماسية إلى طريق مسدود، على حدّ تعبير دبلوماسي فرنسي، لكن ماذا يجري على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية؟
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد خالد حمادة، لـ”الحل نت”، إن “حزب الله” يقاتل اليوم بطريقة الجيوش النظامية ومواقعه ظاهرة ومكشوفة على الحدود، وإسرائيل تملك الأفضلية عبر سلاح الجوّ لرصد تحصيناته، من جهة أخرى يتحرّك عناصر “الحزب” وغيره تحت أنظار الجيش الإسرائيلي.
فيما يتطلب الأمر بحسب حمادة، غرفة عمليات يبدو أنها غائبة، تكون مهمتها السيطرة على تحرّكات العناصر وتوجيههم، وما يحصل أن الجيش الإسرائيلي يرصد موقع انطلاق صاروخ “الكورنيت”، فيُرسل مسيّرة تقصف وتقتل العناصر.
قد تكون المناوشات وفق معادلة “قواعد الاشتباك” خاسرة بالنسبة إلى “الحزب”، إذ تضطر عناصره للاقتراب من الحدود إلى مسافة 2 أو 3 كيلومترات لإطلاق الصواريخ، ما يضيّق من هامش المناورة ويسمح للجيش الإسرائيلي باستهدافها.
وليس سرّاً أن أعمار الذين يسقطون في المواجهات بين “الحزب” وإسرائيل هم في عمر صغير وليست لديهم خبرة في القتال، مع الإشارة إلى أن عمر المقاتلين يكون عادة في الحروب بين 18 و25 عاماً، أي أنهم يخوضون تجربتهم العسكرية الأولى وليسوا من الجيل الذي شارك في الحرب السورية. علماً أن بيانات النعي التي يصدرها “الحزب” لا يُعلن فيها عن أعمار هؤلاء، على غير عادته أو كما كان يفعل في حرب تموز/يوليو 2006.
إيران.. أداة الضبط أم الخلل
ليس معروفاً ما إذا كانت خسائر “الحزب” ونجاح إسرائيل في اغتيال قيادي حركة “حماس” صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، ستدفعه إلى تنفيذ عمليات نوعية انتقامية، وربما لديه معلومات أن خسائر الإسرائيليين لا تقلّ فداحة، إلا أنهم لا يتكلمون عن خسائرهم، وقد يكون هذا الأمر جزءاً من تكتيكاتهم.
ولا شيء يمنع “الحزب” اللبناني من توسيع الحرب وتجاوز “قواعد الاشتباك” إلا المصالح الإيرانية التي لديها اعتبارات تفاوضية دولية تتعلق بمكاسب إقليمية، وتصميم في إثبات الحضور الإيراني في أيّ تسوية لها علاقة بالقضية الفلسطينية.
هذا ما يؤكده حمادة الذي يوضح: أن “توسّع القتال مرتبط بأهداف سياسية إيرانية لها علاقة بغزة، ولا شيئ يجبره على الاكتفاء بصواريخ محدودة لأن لديه صواريخ كبيرة ونوعية تصل إلى حيفا وتل أبيب، لماذا لا يستعملها؟ وبرأيي أن كل ما يحدث على الحدود مضبوط إيرانياً، فالنظام الإيراني يقود اللعبة، فيشدّ في البحر الأحمر ويرخي في جنوب لبنان أو بالعكس”.
ومن الواضح أن “الحزب” انتبه مؤخراً إلى الارتفاع في عدد ضحاياه، وحاول أن يتخذ إجراءات للحدّ من خسائره، مع ذلك، تمكّنت إسرائيل من كشف عناصر “الحزب” واستهدفت قادة عسكريين في قوة “الرضوان”، وكان من بينهم نجل النائب محمد رعد، وهذا ما يعكس خلل ما.
الفراغ العظيم
مصادر مطّلعة مقرّبة من “حزب الله” اللبناني كشفت لـ”الحل نت”، أن قيادة “الحزب” لا تزال تعمل ضمن نطاق جغرافي ضيق حرصاً على القرى والبلدات وعدم توسّع القصف الإسرائيلي، وهذا ما يضيّق هامش المناورة الميدانية لعناصره.
كما أن “الحزب” لا يستخدم أيّاً من البُنى التحتية المخصّصة للحرب في عملياته الحالية وهذا ما يزيد من الخطر على عناصره. كل ذلك، يُضاف إليه قيام تل أبيب بتسيير طلعات جوية كثيفة للمسيّرات واستخدام تقنيات عالية المستوى تكشف أي عنصر في حال قيامه بأي خطوة غير محسوبة، علما أن “الحزب” يرى أن ما يحصل لا يزال ضمن المتوقع في مثل هذا النوع من المعارك.
الملاحظ أن وضع “الحزب” اليوم اختلف عن وضعه في حرب تموز/يوليو 2006، حين اعتمد على غزارة الصواريخ التي أطلقها على العمق الإسرائيلي، وعلى انتظار توغّل الجيش الإسرائيلي لينصب له الكمائن، فيما اليوم يبدو أن “الحزب” يعتمد تكتيك الجيوش النظامية الكلاسيكية مما أفقده عنصر المباغتة.
إذاً بات شعار “المقاومة” الذي يطلقه “الحزب” فارغاً من مضمونه، وهذا يعيدنا إلى تصريح سابق لنائب الأمين العام لـ”حزب الله”، نعيم قاسم، يقول فيه أنه أصبح لدى الحزب “جيش مدرّب والمقاومة لم تعد تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وأصبحنا أكثر تسلّحاً وتدريباً وامتلكنا خبرات متطورة…”، وكان ذلك الموقف خلال مشاركته في الحرب السورية التي شارك فيها الجيش السوري بقتل المحتجين آنذاك!
لا شك في أن انتقال “حزب الله” من مفهوم “المقاومة” إلى مفهوم الجيش الكلاسيكي يُعتبر تطوراً خطيراً يثير شكوك الرأي العام اللبناني، حول أهداف هذا التنظيم المسلّح المرتبط بإيران عقيدة وطائفياً ومشروعاً وعسكرياً واقتصادياً، وبالتالي إذا تخلّى عن أسلوب “المقاومة”، فما هو مبرّر وجوده إلى جانب الجيش اللبناني؟
نائب في المعارضة اللبنانية – رفض الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية – ذكر لـ”الحل نت”، أن “حزب الله” قد يستثمر في خسائره في الداخل اللبناني لاحقاً، متذرعاً بأن ضحاياه سقطوا في الدفاع عن لبنان، وهذا للأسف ما يسمى “اللعب القذر”.
وهنا يظهر أن الطريقة الوحيدة لإسقاط حجة إيران وإسرائيل في الحرب في آن معاً، هو تطبيق القرار “1701” وخلق منطقة عازلة بين نهر الليطاني والخط الأزرق، تكون خالية من السلاح وينتشر فيها الجيش اللبناني والقوات الدولية، وإلّا سيجد لبنان نفسه في حرب لا علاقة له بها سوى حماية نفوذ إيران و”حزب الله”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.