في الوقت الذي استفادت فيه إيران من توقّف برنامج المراقبة الدولية لأنشطتها النووية خلال الأشهر القليلة الماضية، شهد البرنامج النووي الإيراني مؤخرا تطورا لافتا، حتى خلُصت بعض التقارير الدولية إلى وصول إيران لنسبٍ من اليورانيوم المخصب ما يجعلها على بُعد خطوات قليلة من صُنع القنبلة النووية.

هذا التطور جاء تزامنا مع استمرار طهران في مراوغتها وغموضها بشأن التعامل مع الغرب بما يخص البرنامج النووي، ذلك ما جعل إسرائيل وهي الخصم الأبرز لإيران بهذا الشأن، تصعّد من تهديداتها وتستنكر على ما يبدو الجهود الدولية في التعامل مع إيران، بسبب عدم جدّيتها ونجاعتها في ردع الخطر الإيراني.

المحور الغربي يبدو أنه أمام مأزق واختبار حقيقيين فيما يتعلق بصعود الخطر الإيراني وتطوّر البرنامج النووي، لاسيما منذ تعليق محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، فأبرز الخيارات الآن، هي إما الاعتراف وإعلان انتهاء الاتفاق الدبلوماسي بشكل كامل وبالتالي انتظار المجهول، وإما زيادة الخناق على إيران، وبالتالي رفع وتيرة العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، أو طرح الخيار العسكري، وهو الطريق الذي تدعمه إسرائيل وتحاول إقناع الغرب فيه.

بعد زيارة وفد “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إلى إيران، يبدو من خلال بيان الأخيرة أنها تحاول الحفاظ على خيط من الأمل من أجل العودة إلى الطرق الدبلوماسية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وهو الأمر الذي استفز إسرائيل وهي ترى أن إيران تواصل المراوغة لكسب المزيد من الوقت، وبالتالي وصولٍ أسرع إلى نقطة اللاعودة.

تصريحات “الوكالة الدولية”، شحنت العداء الإسرائيلي ضد طهران، لا سيما بعد أن قال مدير الوكالة رافائيل غروسي، خلال مؤتمر صحفي الأحد الفائت، إن “أي هجوم عسكري على المنشآت النووية محظور، وذلك في حال اعتبار أن السّبل الدبلوماسية لمنع طهران من امتلاك قنبلة نووية وصلت إلى طريق مسدود”.

“الوكالة الدولية” أصدرت كذلك بيانا مشتركا مع “هيئة الطاقة الذرية الإيرانية”، قالت فيه إن إيران مستعدة لمواصلة التعاون مع “الوكالة” بشأن ثلاثة مواقع نووية، كما أشار البيان إلى أن طهران ستسمح عند الحاجة بمزيد من أنشطة التحقق والإشراف في المنشآت النووية، لكن إيران نفت بعد ذلك أن تكون وافقت على كاميرات مراقبة، ما يدل على مدى المماطلة الإيرانية لكسب المزيد من الوقت وعرقلة مراقبة أنشطتها النووية.

غضب إسرائيلي متصاعد

الغضب الإسرائيلي من تطورات المشهد عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عندما رفض تصريحات مدير “الوكالة الدولية”، وقال إن غروسي شخصية لها قيمة، لكنه أدلى بتصريحات “بلا قيمة”، وأضاف “غير قانوني بناء على أي قانون؟، هل نحن ممنوعون من الدفاع عن أنفسنا، إسرائيل تواصل الدفاع عن نفسها في مواجهة مَن يحضّر لإبادتها وذبح مواطنيها”.

تصريحات مدير “الوكالة الدولية”، جاءت عقب زيارة له إلى طهران مطلع شهر آذار/مارس الجاري، وذلك بهدف محاولة إعادة إحياء المفاوضات مع المحور الغربي، بعد وصول المفاوضات حول الملف النووي الإيراني المبرم في 2015 إلى طريق مسدود.

رغم تصعيد إسرائيل لتهديداتها بشكل غير مسبوق خلال الفترة الماضية، إلا أنها تدرك على ما يبدو عدم قدرتها من القيام بخطوة عسكرية بمفردها، لذلك تسعى من جانب إلى إقناع الولايات المتحدة الأميركية بضرورة التوجه للخيار العسكري من أجل ردع إيران، فيما تعمل على الجانب الآخر لحشد دول المنطقة وأبرزها دول الخليج، من أجل إقناعهم كذلك بضرورة الوقوف في وجه مشاريع إيران التي تهدد وجودهم أيضا.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل ياسين، رأى أن المرحلة الراهنة من الانقسامات الداخلية التي تعيشها إسرائيل، تجعل خياراتها محدودة لمواجهة المخاطر الإيرانية، مشيرا إلى تراجع ملف إيران النووي من قائمة أولويات الولايات المتحدة الأميركية، بسبب انشغالها في العديد من الملفات الدولية وأبرزها روسيا والصين.

إسرائيل غير جاهزة؟

ياسين قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الخيارات أمام إسرائيل محدودة في ظل ما تعانيه من انقسامات داخلية واحتجاجات غير مسبوقة باتت تشكل تهديد حقيقي على تماسك الكيان ووجوده، لذلك لن يكون أمامها غالبا سوى الاستمرار في إطلاق التهديدات وتكثيف الجهود لإقناع الولايات المتحدة، بطرح الخيار العسكري على الطاولة، بعد فشلها في إقناعها القيام بمهمة ضرب إيران نيابة عن إسرائيل، كذلك العمل على إقناع الولايات المتحدة والدول الأوروبية فيما يخص تشديد موقفها ضد إيران وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها”.

بالتالي فإن إسرائيل من الصعب أن تُقدم على عمل عسكري بشكل أحادي ضد إيران، وذلك لإدراكها بأن طهران يمكنها أيضا الرد بشكل عسكري على أي ضربة محتملة، باستخدام أذرعها في المنطقة وأبرزهم “حزب الله” اللبناني، لكن تل أبيب يمكنها الاستمرار في استخدام ورقة العمليات النوعية والضربات المركّزة ضد إيران ومنشآتها النووية.

رغم التوتر الداخلي الذي تعيشه إسرائيل، فقد أصبحت تدرك من خلال ما يتردد على لسان المسؤولين في تل أبيب، أن الخيار العسكري، بات الحل الأنسب والأنجع لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، بعد فشل جميع الجهود الدبلوماسية على مدار سنوات في التوصل لنتيجة ترضي الإسرائيليين وتوقف تطور طهران النووي.

لذلك فإنه بالحديث عن خيارات إسرائيل، وتراجع حدة الجهود الغربية بقيادة واشنطن، لمنع إيران النووية، ُيتوقع أن تكثف تل أبيب لجهودها الإقليمية والشرق أوسطية، لحشد مزيد من الدول التي تتقاطع مصلحتها معه فيما يتعلق بالملف الإيراني، وأبرز هذه الدول حاليا هي السعودية، المتضررة بشكل كبير من التوسع الإيراني في المنطقة، لكن يبقى التحدي أمام تل أبيب حول نجاحها في إقناع الرياض، بضرورة فتح قنوات تواصل بين الطرفين، من بوابة الخطر الإيراني القادم.

قد يهمك: إعاقة الإغاثة الإنسانية لمتضرري الزلزال.. المضاعفات الإيرانية سر اللغز؟

بالعودة إلى الجهود الأميركية في الملف الإيراني، فقد بدأ وزير الدفاع الأميركي لوجد أوستن الأحد الفائت، زيارة إلى عدد من دول الشرق الأوسط بينها مصر وإسرائيل والأردن، في وقت أشارت فيه وكالة “رويترز” إلى أن الزيارة تأتي، بهدف إظهار دعم الولايات المتحدة لحلفائها الرئيسيين في المنطقة في مواجهة التهديد المتزايد الذي تشكله إيران.

مساعي أكدتها وزارة الدفاع الأميركية قبيل الزيارة، وقالت وفق ما نقله موقع “سكاي نيوز عربي”، إن المناقشات ستركز على التهديد المتزايد الذي تشكله إيران على استقرار المنطقة، وعلى تعزيز التعاون الأمني متعدد الأطراف بأنظمة دفاع جوية وصاروخية متكاملة.

لكن الخبير الاستراتيجي ياسين، استبعد في حديثه أن يكون هناك جهود متزايدة للولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة القادمة بشأن إيران، وأضاف “إسرائيل تستغل هذه الزيارة كالعادة في إطار الحرب النفسية، فالولايات المتحدة تتجنب الحروب ولن تقوم بأي عمل عسكري نيابة عن إسرائيل، لانشغالها في تهديدات خارجية، فضلا عن التحدي الأكبر بالنسبة لها وهي الصين”.

مدى الخطورة الإيرانية

إيران صعّدت خلال الفترة الماضية من انتهاكاتها في البرنامج النووي الخاص بها، إذ إن توقف المفاوضات منح النظام الإيراني متسعا وافرا من الوقت، حتى أشارت بعض التقارير إلى أن إيران وصلت بنسبة التخصيب إلى نحو 84 بالمئة من اليورانيوم، ما يعني اقترابها أكثر من الحصول على قنبلة نووية.

على الرغم من اختلاف التقارير حول المُّدة التي أصبحت تحتاجها إيران للوصول إلى صنع القنبلة النووية، فإن الجميع بات يُدرك أن طهران أصبحت أقرب من أي وقت مضى، لامتلاك السلاح النووي، وقد أظهرت نتائج أبحاث “معهد العلوم والأمن الدولي” أن إيران على بُعد أسابيع قليلة من تجاوز العتبة النووية، بالمقابل فإن تقريرا لصحيفة “لوموند” الفرنسية، أفاد بأن ” أمام إيران فقط عامٌ ونصف إلى عامين للوصول إلى سلاح نووي”، آخذة بعين الاعتبار تخزين كمية من اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة، ثم صُنع رأس نووي ودمجه بصاروخ مناسب.

وصول إيران إلى نسبة عالية من تخصيب اليورانيوم، هو ما دفع البعض إلى دق ناقوس الخطر، لكن خبراء أكدوا في وقت سابق،  أن وصول نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90 بالمئة، لا يعني بالضرورة وصول إيران لامتلاك قنبلة نووية قابلة للاستخدام بوقت قريب، وذلك بسبب عدم قدرتها على تصنيع معدات الإطلاق والتصنيع في وقت قصير.

من الواضح أن هناك تراخيا إلى حدّ ما من المحور الغربي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، في مقابل صعود الجهود الإسرائيلية، لذلك فإن السيناريو الأكثر احتمالية، أن تبدأ إسرائيل منفردة بتجهيز خطة عسكرية تشمل العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، استعدادا للخيار العسكري، في حال لم تتوقف إيران عن تطوير برنامجها النووي بما يمكّنها من صنع قنبلة نووية في المستقبل القريب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.