ما يحدث اليوم ومنذ سنوات داخل سوريا من تمدّد وهيمنة المليشيات الإيرانية مع قمع السلطة الحالية وقهرها الذي ترك المليشيات الإيرانية تتحرك داخل سوريا دون مراقبة أو محاسبة؛ ليجد الشعب السوري نفسه بين نارين الجيش والمليشيات الإيرانية، مما دفع بجموع غفيرة منه إلى التدفق عبر الحدود إلى دول الجوار.
تلك الدول التي بدورها عملت على تأمين حدودها مع سوريا لأجل أمنها القومي، أو بسبب رفضها وجود المليشيات الإيرانية، أو لمنع دخول اللاجئين السوريين بالأعداد الضخمة، مما ترتب عليه أن تتحول سوريا بنظامها القمعي واستبداد المليشيات الإيرانية إلى سجن مفتوح يعاني فيه ومنه السوريون.
وبحسب الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أسامة الهتيهي، فإن سوريا تعاني من فوضى كبيرة منذ 2011، وهو ما أوجد إشكاليات كبيرة ليس في الداخل، ولكن أيضاً فيما يتعلق بجيران سوريا، يمكن أن نوجزها في خمسٍ مشكلات رئيسية؛ هي تنظيم “داعش”، اللاجئون السوريون الذي انتشروا في العديد من البلدان ما تسبب في حدوث مشكلات أمنية واجتماعية واقتصادية في هذه البلدان، وتهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود، والتنظيمات المسلحة الأخرى، ثم تأتي التنظيمات الولائية لإيران في سوريا كواحدة من أهم المعضلات في علاقة سوريا بجيرانها.
ولهذا تقيم اليوم جميع الدول المجاورة لسوريا ضوابط حدودية صارمة للغاية حيال مرور المدنيين عبر الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، وفي الوقت نفسه بنت هذه الدول -ما عدا لبنان- جدران فصل على حدودها المشتركة مع سوريا، حيث قامت كلا من إسرائيل وتركيا والأردن والعراق ببناء جدران حدودية على امتداد حدودها مع سوريا، إذ بدأت بذلك إسرائيل في العام 1973 ووسّعتها في العام 2013، ثم الأردن في العام 2008، وتركيا في العام 2013، والعراق في العام 2018.
افتتاح الجدار العازل مع سوريا
أعلنت حكومة محمد شياع السوداني الأحد الفائت، بناء جدار خرساني عازل على الحدود بين العراق وسوريا، إذ يعمل هذا الجدار حسب قولها، على الحدّ من تحركات أعضاء تنظيم “داعش” وتجارة المخدرات وتهريب البضائع والجريمة المنظّمة عبر الحدود.
كما أن ما شهدته المنطقة في الأشهر الأخيرة نتيجة الحرب المستمرة في غزة و والاستهداف غير المسبوق للقواعد الأميركية في كلّ من سوريا والعراق من قِبل الفصائل المسلحة، قد يكون أحد أسباب تسريع بناء الجدار، خاصة وأن هناك حدوداً مفتوحة مع إيران ولم يتم اتخاذ أيّ إجراء بشأنها.
والهدف من الجدار الفاصل بين العراق وسوريا هو منع تسلّل الإرهابيينَ وكبح نشاط التنظيمات الإرهابية، وكان لا بدّ للحكومة في العراق من اتخاذ الأدوات التي تمكّنها من فرض سيطرتها والحدّ من تلك التحركات والهجمات.
الكُتل الخرسانية تم تصنيعها في المناطق القريبة من جبال سنجار والتي كانت تُعتبر جانباً ناعماً مهماً، ولذلك لم يكتمل هذا السور لأنه تطلّب مسافات طويلة لغرض البناء، ولكن هناك عمل دؤوب لإنهاء هذا السور بين العراق وسوريا من جهة جبل سنجار، ويكاد العمل يكتمل في المناطق الغربية في ثلاث مراحل وهي بناء الخندق ومن ثم الأسلاك الشائكة والكاميرات الحرارية.
إن الجدار العازل بين سوريا والعراق تم العمل عليه منذ سنوات ومرّ بمراحل مختلفة منذ القضاء على تنظيم “داعش”، ويرى بعض المسؤولين من العراق أن الجدار في الوقت الحالي سيقيّد حركة الفصائل المسلحة، وبحسب المعلومات المتوفرة فإن هناك أكثر من عشرة آلاف عنصر من “داعش” في سوريا وأيضاً نحو ثلاثة آلاف في العراق يحدث بينهما تحرّك متبادل.
كما أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران تواصل استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وهذا الجدار قد يقيّد حركة تلك الفصائل، رغم أن هذه الفصائل ربما تكون لها ممرّاتها الخاصة بعيدا عن منطقة الجدار، والتي تستخدمها للتنقل بين العراق وسوريا وفي مجال نقل الأسلحة.
طول الحاجز 160 كيلومتراً، وارتفاعه 3 أمتار شمال نهر الفرات، وهناك خندقاً ملاصقاً له بعمق 3 أمتار وعرض 3 أمتار، فضلاً عن ساتر ترابي، ثم جدار خرساني يتخلله أسلاك شائكة، ثم مجسم بالون، بالإضافة إلى ذلك تواجدٌ للقوات الأمنية وأبراج المراقبة والكاميرات الحرارية.
جدار تركيا الخرساني
تركيا الجارة الشمالية لسوريا، كانت قد بدأت ببناء الجدار العازل انطلاقاً من منطقة أطمة الحدودية شمالي إدلب، على الحدود السورية في آب/أغسطس من عام 2015، لمنع دخول اللاجئين ومقاتلي تنظيم “داعش” إلى تركيا بطريقة غير شرعية، وذلك بعد تعرّض عدد من المناطق في تركيا لتفجيراتٍ تبنّاها التنظيم وأسفرت عن مقتل العشرات من المواطنين الأتراك.
تم الانتهاء عام 2022 من بناء القسم الأخير من الجدار بطول 837 كيلو متر، وسيقف عند هذا الحد لتبقى أجزاء من الحدود السورية التركية التي تمتد لمسافة 911 كيلو متر دون جدار، وأخرى يشكل فيها نهر العاصي حدوداً طبيعية بين البلدين.
هذا الجدار، يضمّ أبراج مراقبة عسكرية على كامل الحدود مع سوريا حيث هدفت أنقرة لمنع الهجرة غير الشرعية وسدّ منافذ التهريب، بعد استقبالها أكثر من 3 ملايين ونصف مليون لاجئ سوري على أراضيها وفق آخر الإحصائيات الرسمية التركية، حيث شدّدت قوات الجيش التركي و”الجندرما” من حراسة الحدود السورية التركية في السنوات الأخيرة، وقتلت المئات من المواطنين السوريين بينهم أطفال، أثناء محاولتهم عبور الجدار الإسمنتي للدخول إلى تركيا هرباً من جحيم الطائرات الروسية والسورية وقصف الميليشيات الإيرانية.
الإعلامي السوري، رامي السيد، في حديثه مع “الحل نت”، يشير إلى أن سوريا تحوّلت إلى سجنٍ للسوريين، كل يوم يضيق عن اليوم الذي قبله، حيث بات لديهم أطول جدار عازل مع تركيا.
سياج مرتفعات الجولان ومجدل الشمس
إسرائيل بدورها، قامت ببناء حاجز عسكري على طول حدودها الفعلية مع سوريا بعد سيطرتها على مرتفعات الجولان عام 1967. وبهدف فصل الجولان عن بقية سوريا، تم الانتهاء أخيراً من بناء سياج منيع معزّز بحقول الألغام في عام 1975.
وبالإضافة إلى أهدافها العسكرية، خطّطت إسرائيل لاستخدام الحاجز لزيادة وجودها في مرتفعات الجولان من خلال إنشاء أول مستوطنة لها. وعندما اخترق المتظاهرون الفلسطينيون والسوريون الحاجز وعَبَروا خط وقف إطلاق النار في يوم إحياء ذكرى النكبة عام 2011، كعودة رمزية إلى وطنهم، كان ردّ الفعل الإسرائيلي عنيفاً؛ أطلق الجنود النار على المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل 35 شخصاً.
بعد ذلك، خططت إسرائيل لبناء سياج جديد من الأسلاك الشائكة شرق قرية مجد الشمس لمنع المتظاهرين الفلسطينيين والسوريين من عبور خط وقف إطلاق النار في المستقبل. ويبلغ ارتفاع السياج الناتج 8 أمتار، وطوله 4 كيلومترات من جهة مجدل الشمس ويمتد حتى القنيطرة.
ويتميز التحصين بأسلاك شائكة وأجهزة استشعار تعمل باللمس وكاشفات للحركة وكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء ورادار أرضي. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، قام الجيش الإسرائيلي بنشر حقول ألغام جديدة على طول حدود الأمر الواقع مع سوريا منذ أن فشل العديد منها خلال الأحداث التي وقعت في أيام إحياء ذكرى النكبة والنكسة (الحروب السابقة مع الدول العربية).
وبعد الاحتجاجات السورية التي بدأت في منتصف آذار/مارس 2011، أصلحت إسرائيل بعض أجزاء من سياج الجولان، وقال نتنياهو: “تماماً مثلما حمى الصينيون أنفسهم ودافعوا عن أنفسهم بالسور العظيم، فإننا سنواصل الدفاع عن أنفسنا على الحدود الجنوبية ومرتفعات الجولان وعلى جميع الجبهات”.
الأردن والجدار الأمني مع سوريا
تشهد المناطق الحدودية بين سوريا والأردن دائما حالة من التوتر، لأكثر من سبب أما لوجود عدد كبير من المليشيات الإيرانية على الحدود ومحاولاتهم تهريب السلاح والمخدرات إلى المملكة الأردنية، وأما بسبب الأعداد الكبيرة من السوريين على الحدود المشتركة الهاربينَ من قمع الجيش السوري وقهره والحرب الداخلية التي تتصدرها الميليشيات الإيرانية.
حصلت الأردن في العام 2009 على مساعدة من الولايات المتحدة الأميركية بقيمة 234 مليون دولار، لتمويل برنامج أمن الحدود الأردنية، واشتمل البرنامج على مدّ أسلاك شائكة في عدد من المناطق، بالإضافة إلى أجهزة رصد وكاميرات مراقبة على طول الحدود.
ويوجد 22 برجا على الحدود السورية الأردنية لأجل الحرب ضد تنظيم “داعش”، ولدعم وتدريب فصائل من المعارضة السورية، وهي القاعدة العسكرية التي أسفر بجوارها خلال الأسبوع الماضي عن مقتل 3 من جنود القوات الأميركية مع إصابة 34 آخرين على يد المليشيات الإيرانية.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2015، شرع الأردن بإقامة جدار أمني متطوّر على حدوده مع سوريا، يتكون من أسلاك شائكة وعوائق برّية، وقالت الحكومة الأردنية أن بناء الجدار جاء بهدف تأمين الحدود من أي اعتداء، ومنع تسلل واختراق عناصر تنظيم “داعش”، إلى جانب الحدّ من عمليات تهريب الأسلحة.
وبُني الجدار الأمني عبر شركات أردنية، وقدّمت شركات بريطانية وإيطالية خدمات التكنولوجيا والرصد والمراقبة، كما قدّمت شركات أميركية خدمات لتعزيز قدرات تكنولوجيا نظام أمن الحدود الأردني.
مساعي لبنانية لبناء جدار مع سوريا
لبنان الذي يستضيف نحو مليون لاجئ من الصراع الدائر في سوريا، وهو ما يعني أن هناك سوريّاً واحداً من بين كل أربعة أشخاص فيه، منذ سنوات أعلن المجلس الأعلى للخطط والتخطيط في لبنان إزالة نفايات العاصمة المتراكمة في الشوارع بشكل كامل ونقلها وإعادة تدويرها لبناء جدار عازل على كامل الحدود مع الأراضي السورية.
فوضع الحدود بين سوريا ولبنان شديد التعقيد حتى أن لبنان قدمت عام 2011 على ترسيم حدود للأمم المتحدة وهو ما اعترضت عليه سوريا، إذ تتداخل تلك الحدود من دون خطوط واضحة المعالم، تتكوّن من جبال وأودية وسهول، لا علامات أو إشارات تدلّ على الحدّ الفاصل بين الأراضي اللبنانية والسورية، وحدها السواتر الترابية التي ترتفع في تلك الأماكن هي علامة الترسيم التي وضعها الجيش اللبناني لقطع تسلّل السوريين الفارين من جحيم الميليشيات الإيرانية.
وفقا للخطة اللبنانية، سيتم استغلال غاز الميثان الذي سينتج عن جدار النفايات في توليد الطاقة، والتي من المتوقع أن تكفي لتغطية استهلاك البلد كاملاً من الكهرباء، وذلك بعد التخلص من عبء الدولة وتحويل المباني الحكومية لمراكز رياضية – ثقافية – اجتماعية.
هذه الحقائق التي باتت واضحة المعالم، بحسب حديث الهتيهي، جعلت جيران سوريا سواء كان العراق أو تركيا أو الأردن يسعون إلى إنشاء مناطق عازلة على حدودها؛ هو أمر طبيعي يستهدف تأمين هذه الحدود وتفادي ما تتعرض له هذه الدول من مشكلات ناجمة عن تردّي الأوضاع في الداخل السوري ليكون السوريون بكل تأكيد هم المتضرر الأول جرّاء ما يحدث على مستويات عدّة منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو أمني ومنها ما هو اجتماعي، الأمر الذي يجعل من سوريا بالفعل أكبر سجنٍ مفتوح في العصر الحديث بعد غزة.
- اعتقالات في صفوف الميليشيات الإيرانية: أزمة ثقة وضعف في الولاء
- ارتفاع متواصل بنسبة الفقر في سوريا: ما دور السياسات الحكومية؟
- “الناتو”: جيش كوريا الشمالية وصل إلى كورسك للقتال ضد أوكرانيا!
- معلومات جديدة.. ماذا دمرت إسرائيل في إيران؟
- تطورات لبنان.. إنذار بإخلاء صور وقتلى وجرحى بغارات إسرائيلية على الجنوب
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.